السيئ قد يكون فيلماً سينمائياً أو رسماً كاريكاتورياً أو حتى قصيدة أو مسرحية، لكن السيئ لا يلحق السوء إلا بذاته، لأن الفن الرديء يلحق الأذى بالقضية التي يدافع عنها، أما الأسوأ من كل هذا فهو التعامل مع نصوص أو أعمال تخلو من القيمة الفنية والفكرية، وهذا ما حدث مؤخراً مع الفيلم الذي لم أصدق حين شاهدته أن هناك من يجرؤ على ارتكاب جملة من الأخطاء دفعة واحدة وفي عمل واحد، فالفيلم بلا أية مرجعية تاريخية موثقة، وأداء الممثلين فيه أقل بكثير من أداء الهواة في مراحلهم الأُولى، والإخراج له قصة أخرى نتركها للمتخصصين فقد يكون نموذجاً للرداءة التي يجب تجنبها!
ردود الفعل الأمريكية بدءاً من الرئيس أوباما ومروراً بوزيرة خارجيته وانتهاء بالمعلقين السياسيين والصحافيين تندرج في خانة السيئ.
لأنها حاولت إمساك العصا من الوسط حول قضية جادة وحاسمة ولا تقبل مثل هذه الرخاوة وحين تقول السيدة كلينتون إن البلد الذي أعانته والمدينة التي ساهمت في تحريرها وهي بنغازي كافأت أمريكا بقتل سفيرها وعدد من الدبلوماسيين إضافة إلى إحراق مبنى القنصلية، وأول ما يفهم من هذا أن كل الشعب الليبي تحالف على قتل السفير وإلحاق الأذى بالقنصلية، والحقيقة عكس ذلك تماماً، وأظن أنه من المبكر على السيدة كلينتون أن تعيّر الليبيين بهذه الإعانة، لأن معنى ذلك أن كل من سيعارض سياسة بلادها مستقبلاً سيعد ناكراً للجميل!
أما الرئيس أوباما فقد تزامن هذا الحدث مع حملته الانتخابية لولاية ثانية، ولمثل هذه المواسم في أمريكا متطلبات وحيثيات عديدة. ولعلها ما فرض على الرئيس تلك الصياغة الرخوة والوسطية إزاء حدث جسيم.
ولأن العرب لا يقرؤون. سواء قال ذلك موشي دايان أو أي تقرير عن التنمية البشرية فإن ما ألحقه مستشرقون منذ قرنين بالعرب والمسلمين هو أضعاف مضاعفة لما اقترفه القس المتطرف جونز. وهنا أقول بلا أي حرج أو اعتذار إنني أصدرت كتاباً قبل عشر سنوات بعنوان الاستشراق والوعي السالب أوردت فيه أكثر من مائتي مثال لما يقال في الغرب عن العرب والمسلمين وعبارة العربي كابن شارع أوردتها بأربع لغات، لهذا لم يقل القس المتعصب والأعمى أكثر مما قال جورج باتاي وطوسون وبرنارد لويس وارنيست زينان ولو شئت استكمال القائمة لما اتسع لها المقام والمقال معاً!
الأسوأ من السيئ هو التعامل معه، خصوصاً إذا تعهد بتسويقه رغماً عن إرادته، لأن طريق الجحيم كما يقال معبد بالنوايا الحسنة.
لهذا غاب عنا أمران إزاء التعامل مع هذا الفيلم، أولهما أنه لم ينتج ويبث من مؤسسة رسمية في أمريكا، وثانيهما أنه مجرد حلقة في سلسلة موروث استشراقي يجب أن يراجع وتراجع رواسبه وأصداؤه في مناهج التعليم في أوروبا والولايات المتحدة .
والفلم يسيء إلى أمريكا التي صدر منها لأنه رديء فنياً في بلد ضليع في صناعة السينما ويسيء لثقافة تزعم احترام الآخر والعقائد وتحتكر الدفاع عن حقوق البشر.
إن فيلماً كهذا أشبه بأفعى من مطاط قد تخيف طفلاً للحظة لكنه سرعان ما يحولها إلى دمية ويغرقها بلعابه.
والمسألة أبعد من رسم كاريكاتوري أو فيلم أو حتى رواية، فهذه كلها من إفرازات حقبة كولونيالية قدَّمنا فيها الاستشراقُ كعرب ومسلمين وحوشاً وسفاحين وعقلنا غير منطقي، وتاريخنا كله ألف ليلة وليلة وجنس وبخور وغلمان!
? عن «الدستور» الأردنية