عندما تسعى بعض الفعّاليات إلى اجتثاث الطائفية التي يتم تكريسها قسراً في الممارسات السياسية من أذهان أبناء الجيل الجديد، وعلى الأخص الصغار والمراهقين منهم، فإنها تواجه مشكلةً مزدوجةً. فهذه الممارسات متجذِّرة في الأذهان، وبالتالي فإن إزالتها تتطلّب وقتاً ونفساً طويلاً، كما إن الأشخاص الذين يمارسونها بشكلٍ دائمٍ لا يعون قيامهم بذلك ولا يقدِّرون خطورته.
فتجد مثلاً أن بعض الطلبة الضعاف لا ينشطون باتجاه اقتناص المهارات والأساليب اللازمة لرفع مستوى التحصيل العلمي المتدنِّي لمجرّد أنهم يعتقدون مثلاً في قرارة أنفسهم أن مصيرهم لن يتجاوز في أحسن الأحوال الحصول على مهنةٍ وضيعةٍ، ليس بحكم محدوديّة مخزون المعارف والمهارات المطلوب منهم استثمارها لنيل الوظيفة المتوقّعة فحسب، وإنما بسبب انتمائهم أصلاً إلى مكوِّنٍ اجتماعيٍ محدّدٍ تُحجب عن أفراده إمكانيّة صعود السلالم الاجتماعية العليا، وبالتالي فإن المردود العملي أو الواقعي للمعرفة المكتسبة، إن جاز التعبير، يظل نظرياً صرفاً، ويبقى الطالب المصنّف ضمن الطلبة الضعاف تحصيلياّ في مرتبةٍ اجتماعيةٍ متدنيةٍ.
إن خطورة مثل هذا النمط من التفكير سرعان ما ستظهر في سيطرة الأفكار السلبية على ذهن الطالب، وانعكاسها في ممارساته الحياتية، وذلك بسبب الإحباط الذي يُسبِّبه له زملائه في الصف أو الحيّ أو البيئة الاجتماعية المشتركة، دون أن يدركوا عواقب أفعالهم، فمثل هذا الطالب سوف يصبح فريسةً سهلةً للمشاركة في الأعمال المخالفة للقانون، وسيجد نفسه لاحقاً في قفص المساءلة القانونية المترتِّبة على أفعاله، وهكذا تتحوّل الأفكار ذات المنطلقات المذهبية أو الفئوية إلى عائقٍ حقيقي لنموّه الفكري والعاطفي، وعقبةً قويةً أمام تحقيق طموحاته الشخصيّة.
إن هذه الأمثلة تشير إلى سلسلة الأخطاء الجسيمة التي قد تنجُم من جراء هيمنة التفكير الفئوي، أي المرتبط بطائفةٍ ما، على ذهن المراهق، وهي أخطاء لا يدفع ثمنها الشاب وحده، وإنما المجتمع بأسره، ومن ثم يفترض من الجهات الرسميّة المعنيّة الحيلولة دون وقوع أبناء الجيل الصاعد في المحظور، وذلك عن طريق مساعدتهم على الارتقاء بمستوى التحصيل، ودمجهم في الحياة العامة بمعزلٍ عن أصولهم وانتماءاتهم، وتشذيب اتجاهاتهم السياسية، وضبط مساراتها!