اعتدنا على الجماعات الراديكالية التي تدعي بين وقت وآخر أنها تطالب بالملكية الدستورية على غرار الملكيات الدستورية في أوروبا، ولكننا لم نعتد على جماعات معتدلة سياسياً تطالب بإلغاء الملكية الدستورية في البحرين والعودة إلى نظام دولة الإمارة السابق الذي حكم البحرين خلال الفترة الممتدة من 1971 ـ 2001. هذه الحالة تبنتها الجماعات الراديكالية عندما صدرت التعديلات الدستورية في 14 فبراير 2002، حيث أعلنت رفضها التعديلات الدستورية الجديدة، وطالبت بالعودة لدستور 1973، وهناك من طالب بقبول التعديلات مع الحفاظ على مكتسبات 1973! في تلك الفترة (2002 ـ 2006) ظهر حسن مشيمع وأعلن نيته إعداد مشروع دستور يمكن تسويقه بين الجمعيات السياسية ليكون مخرجاً للجماعات الراديكالية التي تحفظت على التعديلات الدستورية. ولكن رغبته تم التحفظ عليها باستثناء قوى سياسية محدودة للغاية. من يطالب الآن بالعودة لدستور 1973 أو حتى مكتسباته من الواضح أنه ضد الملكية الدستورية لعدة أسباب:أولاً: إن كان يطالب بالعودة لنظام المجلس الواحد فإنه يضرب بذلك عرض الحائط الإرادة الشعبية التي توافقت على استحداث نظام المجلسين خلال الاستفتاء الشعبي العام على مشروع ميثاق العمل الوطني.ثانياً: من المسائل التي تترتب على هذا المطلب إلغاء كافة مؤسسات الدولة الدستورية التي ترتبت على التعديلات الدستورية في 2002 و2012، وهي تعديلات شرعية تمت من خلال التفويض الشعبي لجلالة الملك لإجراء التعديلات أو من خلال البرلمان، كما تم خلال العام الجاري، خاصة أن دستور 1973 لم يتضمن إنشاء العديد من المؤسسات القائمة اليوم. ثالثاً: مثل هذه المطالبات من شأنها إدخال الدولة والنظام السياسي في أزمة مازلنا في غنى عنها تماماً. فالمطالبة تتطلب إعادة هندسة النظام السياسي من جديد، وهي تجربة عشناها في 2001 و2002 وكان مخاضها صعباً. ولسنا بحاجة لنسف تجربة التحول الديمقراطي ضمن سياق الملكية الدستورية خلال العقد الذي أكملناه هذا العام، وتجاهل المكتسبات التي تحققت سياسياً على الأقل. المطالبات بالعودة لأساس الدستور البحريني اليوم تذكرني تماماً بما دار في حوار التوافق الوطني عندما تضاربت مطالبات ممثلي الجماعات الراديكالية فيما يتعلق بالملكية الدستورية، فإحدى السيدات من جمعية وعد طالبت بالاستفادة من التجربة الإسبانية، وشخص آخر من جمعية الوفاق غالبه الحماس وبات يتحدث عن ضــرورة استنساخ تجربة الملكية الدستورية البريطانية. تلك الجلسة من حوار التوافق الوطني أثبتت أن الجماعات الراديكالية لم تكن متفقة تماماً في سقف مطالباتها أو حتى النموذج الذي تحاول الترويج له حينها. أما اليوم، عندما تأتي جماعة معتدلة سياسياً وتحاول إعادة طرح مطلب الراديكاليين من جديد، فإنه أمر غير مفهوم من منظور السياق السياسي، ولكنه مفهوم للغاية من منظور الأجندة السياسية.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90