الله أكبر... والله زمن... منذ متى خلقت هذه المعادلة؟
كم مضى على وجود الديمقراطية في الكويت وتوالي مجالس للأمة فيها؟ وكم مرة وصل نواب شيعة لمجلس الأمة؟ هل طرح مثل هذا الطرح من قبل؟ أبداً، ما الذي استجد إذاً؟
«الشيعة” في دول مجلس التعاون الخليجي بغض النظر عن نسبتهم كأقلية فيها، إلا أن تشيعهم ليس وليد اليوم، فمنذ وجد التشيع وفروعه، هناك شيعة في هذه المنطقة يعيشون جنباً إلى جنب شركائهم السنة، أي إننا نتحدث عن مئات السنين، فمن حيث الوجود الأمر ليس مستحدثاً حتى يصبحوا بين ليلة وضحاها محور الخلاف والجدل الحاصل الآن في المنطقة.
الخلاف العقائدي بينهم وبين السنة لم يكن أبداً حائلاً دون الاندماج والتعايش بين المجموعات السكانية في كل المنطقة طوال مئات السنين، بل إن تمييز من هو شيعي ومن هو سني إلى غاية الستينات والسبعينات في دولة كالكويت أمر مستحيل، ولم تنجح المحاولات المتطرفة من السنة في البحرين بكسر هذا التعايش وذلك الاندماج حتى أيام ما سمي بالصحوة الإسلامية وظهور تيارات سنية متطرفة في الدول المجاورة، لم تجد لها بيئة تشجعها فانحسر وجودها ببضعة أشخاص معدودين على الأصابع كانت الدولة لهم بالمرصاد مضيقة الخناق عليهم في تحركاتهم وقبض عليهم وقدموا للمحاكمة أكثر من مرة. والبحرين كانت دائماً ملاذاً لأبناء الطائفة الشيعية الخليجية في المناسبات الدينية أو في جمع الخمس وبما توفره من مناخ حر للممارسات الدينية، والبعض ممن يتباكى اليوم على الحريات الدينية في البحرين ويدعي بهدم الدولة لمساجدهم دعا في يوم ما إلى الاستفادة من هذا الحراك الديني الحر لخلق التنمية “السياحة الدينية” في البحرين إن صح التعبير، والسنوات العشر الماضية بعد تولي جلالة الملك كانت العصر الذهبي للحريات الدينية الشيعية تحديداً حتى تحوّل تلفزيون البحرين أيام عاشوراء إلى تلفزيون ينافس التلفزيون الإيراني في نقل مراسم العزاء!
أين نحن من هذا المناخ؟ دعك من الخلاف بين مجموعات سياسية والسلطة، فنحن نتحدث هنا عن الانقسام الخطير الحاصل بين سنة الخليج وشيعتهم، لا بين سنة البحرين وشيعتها فحسب، نحن نتحدث عن اصطفاف منقسم بين السنة والشيعة سواء مع السلطة كما في الكويت، أو ضد السلطة كما في البحرين، فهناك انقسام سني شيعي حاد، والانقسام الآن هو بين المجموعات السكانية الخليجية لا بين معارضة ونظام، وهذا هو أخطر ما في الموضوع. أصبح وصول نائب شيعي لمجلس الأمة الكويتي مصدر تهديد لسنة البحرين! وتحول نائب الأمة الكويتي إلى خطر على الشعب البحريني وعلى أمنها واستقرارها! خاصة إذا كان بعض هؤلاء قد تورط في أعمال عنف سابقة، ذلك انقلاب تاريخي ومنعطف خطير يمر على المنطقة لم تشهد له مثيل. كيف أصبح تناغم المجموعات الراديكالية الخليجية (حزب الدعوة وخط الإمام والشيرازيين) موجهاً للأنظمة في البحرين والمملكة العربية السعودية، لم يعد تحركاً منفرداً في كل دولة على حدة، بل نرى اليوم تحركاً لمجموعات خليجية شيعية أصبحت مصدر تهديد لأمن واستقرار منطقة الخليج للدرجة التي دفعت مجموعات التطرف السني كي يجدوا لهم مناخاً حتى بين الليبراليين الخليجيين السنة؟!
هل تعتقد تلك الجماعات أن جرساً للإنذار كبيراً لن يقرع عند التطرف السني أو حتى عند الاعتدال السني حين يرون صور نبيل رجب ترفع في العوامية أو حين ترفع صور النمر في البحرين؟ هل تعتقد تلك الجماعات أن تحركات الشطي ودشتي الكويتيين المحمومة والهستيرية ضد البحرين والمملكة العربية السعودية ستمر دون أن تستنفر كل أنواع التطرف السني المقابل وتدفع إلى الاصطفاف والاحتشاد السني بكل تلاوينه؟
نعم هذا ما قد حصل، والآن نحن أمام جموح سني متطرف قد يقود المشهد القادم، ولن تنجح قوى الاعتدال السنية في كبحه وترويضه منفردة ما لم يكن هناك حراك شيعي بالتصدي للتطرف في أوساطهم والذي يقود المنطقة للهلاك.
«القيادات الشيعية” في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية تسير كالنعاج نحو حتفها، تسير منقادة نحو هدف الاستحواذ على السلطة، بتشجيع من إيران والعراق ولبنان، متناسية معطيات وحقائق مختلفة تماماً في دول الخليج عما هي عليه في العراق ولبنان، معطيات تاريخية ومعطيات ديمغرافية ومعطيات دولية، وستتسبب في اصطدام المجموعات السكانية الشيعية التي لا ذنب لها وستكون أول ضحاياها مع المجموعات السكانية الأخرى السنية وغير السنية التي أصبحت تستشعر الخطر الآن من هذا الحراك الطائفي الشيعي ذي البعد الإقليمي وليس المحلي فقط.
حين تستشعر المجموعات السكانية السنية في دول مجلس التعاون أن هناك تنسيقاً وعملاً مشتركاً داخل وخارج دولهم بين مجموعات راديكالية شيعية، لابد أن يخلق ذلك ردة فعل اصطفافي وتكتل موازٍ حتى وإن كان غير متكافئ فالمجموعات الشيعية تعتبر أقلية في دول مجلس التعاون إلا أن الشعور بالخطر يجبر الأطراف الأخرى أن تتحرك للدفاع عن مصيرها ووجودها المهدد، فما بالك إذا دخلت تلك القيادات الشيعية المتطرفة ضمن لعبة التوازنات الإقليمية الدولية والصراعات بين القوى، من سيدفع الثمن؟ هل سيكون حينها هناك وقت لتعرف التمييز بين من هو مشارك ومن هو صامت؟
الإشكالية بحاجة لبعد نظر والتفكير خارج الصندوق الزجاجي، والنظر إلى الواقع المعاش بشمولية واسعة، لا شيعة المنطقة ولا حتى المجموعات السكانية الأخرى في المنطقة تتحمل هذا النوع من الاصطدام، ولا حتى المصالح الدولية تتحمل كلفة الاضطراب الذي تقاد له المنطقة