في عمود لي حول موضوع الأسرى الكويتيين في العراق نشرته صحيفة (النهضة) العراقية في يوليو من العام 2003، بيّنت أني أعالج معلومات متداولة في أوساط اجتماعية وإعلامية بغدادية، تذكر أن ما يزيد على مائتي كويتي، كانوا معتقلين في الشعبة الخامسة بمقر مديرية الاستخبارات العسكرية في مدينة الكاظمية، وجرى نقلهم إلى الرضوانية -معتقل آخر في ضواحي بغداد- قبل أن يقصف مقرها تم تهريبهم إلى إيران، قبل أن تفرض القوات الأمريكية التي دخلت بغداد سيطرتها على تلك الشعبة وذاك المعتقل، وحتى حين فرضت تلك القوات سيطرتها لم تمنع المواطنين من دخول المعتقلين والتصرف بما فيهما؟ وجاء ذلك في سياق معلومات أخرى عن اغتيال وأسر آلاف من الضباط والطيارين الذين شاركوا في صد العدوان الخميني على العراق في حرب الثمان سنوات، وكنت أشاهد عدداً من العوائل الكويتية تقتعد الجانب الثاني من الشارع المار بمقر المديرية -الشارع المحيط- بعد الغزو العراقي للكويت أثناء مراجعاتها للتحقق من مصير ذويها، إنما لم تكن هناك من نتيجة إيجابية لتلك المراجعات، ولم يكن بالإمكان الاقتراب منها.
بعد احتلال بغداد تعرضت دوائر الحكومة ومؤسساتها الأمنية ومعتقلاتها إلى هجمات اللصوص فيما سمي بالحواسم، وخلال تلك الهجمات اندست عناصر تابعة للنظام الإيراني، رأينا آثارها في مديرية المخابرات والأمن العامة التي سرقت وثائقها، وفي مديرية الاستخبارات العسكرية وتحديداً شعبتها الخامسة، ودوائر النفوس والطابو (السجل العقاري)، وكنت ترى المواطنين يتجولون فيها مذهولين مما يرون، فقد كانت الشعبة الخامسة على سبيل المثال تضم مدينة بكامل توصيفها واحتياجاتها وخدماتها من أسواق ومدارس ومستوصفات وعمارات سكنية ودور ضيافة وبارات ومطاعم ومراقص ومولدات كهرباء ومحطة إسالة وتنقية مياه، فضلاً على الزنازين المكشوفة وتلك التي بنيت تحت الأرض، ولم تثمر زيارة المبعوثين الكويتيين الذين وصلوا بغداد للبحث عن الأسرى عن نتيجة.
ما أعاد ما كتبت سابقاً إلى ذاكرتي الآن ما قرأته في صحيفة (السياسة) الكويتية حول معلومات حصلت عليها تؤكد أن أكثر من 350 أسيراً كويتياً من أصل 600 بقوا أحياء حتى احتلال بغداد، وسط ترجيحات أنهم “نقلوا إلى إيران في إطار حسابات سياسية لبعض الأطراف التي استغلت انهيار الدولة وقتذاك وقامت بعملية تهريبهم إلى خارج العراق للمساومة عليهم في الوقت المناسب”.
ونقلت عن مصدر مطلع في الحكومة العراقية أن “وزير الداخلية في النظام العراقي السابق، وطبان التكريتي، أكد لبعض المسؤولين في الحكومة الحالية أن القسم الأكبر من الأسرى الكويتيين البالغ عددهم 600 أسير بقوا أحياءً حتى سقوط النظام عام 2003”.
كما كشف موفق الربيعي الذي شغل منصب مستشار الأمن الوطني العراقي في تصريح لـ (السياسة) الكويتية أنه تحدث مع “أربع شخصيات من النظام السابق بشأن ملف الأسرى الكويتيين وهم صدام حسين وبرزان التكريتي قبل إعدامهما، ووطبان التكريتي وطارق عزيز”، مقترحاً “تشكيل لجنة تحقيق كويتية للقاء وطبان بهدف الوصول إلى المزيد من الحقائق القاطعة، وفي قناعتي أن هذه الخطوة لا تمثل خرقاً للسيادة العراقية إذا تمت بموافقة حكومة بغداد”.
وبغض النظر عن مدى صدقية المعلومات التي أوردتها صحيفة (السياسة) الكويتية، وما قاله هذا وذاك، وما حواه ملف الأسرى الكويتيين من عمليات اتجار ونصب وحقائق خلطت بأكاذيب، فإن ما يمكن التثبت منه بما لا يقبل الجدل، أن حقائق عراقية كثيرة، من ضمنها ملف الأسرى الكويتيين وملفات عربية ودولية أخرى، باتت أوراقاً ورسائل إيرانية لم تقرأ بعد، ولن تقرأ إلا حين تفرج عنها طهران مقابل ثمن تحدده ابتزازاً.