توصّل علماء النفس الأمريكيون إلى أن الناس يشعرون بأنهم أكثر سعادةً حينما يفعلون شيئاً ما من أجل أنفسهم، وليس من أجل الآخرين، فقط عندما يكونون قادرين على التخلص من عقدة الشعور بالذنب أمام من أبخسوا حقهم، وهذه النتيجة مخالفة للاعتقاد السائد أن الإنسان بحاجة إلى أن يتقاسم مع الأهل والأصدقاء المقرّبين، ممتلكاته وثروته، ويكون دوماً عوناً لهم.
وقد شارك (216) متطوعاً في التجربة التي قام بها الباحثون بجامعة بنسلفانيا، حيث تم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات، وأُعطي كل مشارك ثلاثة دولارات، ثم أُبلغ أفراد المجموعة الأولى بضرورة تخصيص المبالغ الممنوحة لهم لأغراض خيريّة، بينما طُلب من المشاركين في المجموعة الثانية إنفاق الأموال لمصلحتهم الشخصية، فيما اقتُرح على أفراد المجموعة الثالثة التصرّف في المبالغ بما يحلو لهم، ثم سُئل جميع المشاركين عن مدى السعادة التي يشعر بها كل واحد منهم بعد الحصول على المال، حيث تبيّن أن أفراد المجموعة الثانية هم الأكثر سعادةً.
وفي التجربة الثانية اقترح الباحثون على أفراد المجموعة الأولى الاختيار بين الحصول على شيك بقيمة خمسة دولارات أو صرف هذا المبلغ من المال في أعمال خيريّة، بينما خُيِّر أفراد المجموعة الثانية بين إمكانية استثمار هذا المبلغ ذاته لتناول الأكل في أحد المقاهي العالمية الشهيرة أو في مقهى آخر، وفي المقابل تعيّن على أفراد المجموعة الثالثة إيداع المال في إحدى جمعيتيّن خيريتيّن مقترحتيّن. واتضح مجدداً أن المشاركين في المجموعة الثانية أكثر سعادةً، ومن ذلك خلص النفسانيون إلى أن الإنسان يشعر بقدرٍ أوفر من السعادة حينما يستطيع أن يفعل شيئاً من أجل ذاته، دون أن يُجبر على الاختيار بين مصلحته الشخصية ومصالح الآخرين.
وبالنتيجة فإن الإنسان بطبعه كائن أنانيّ، وإنه اضطر إلى تدمير أنانيّته في خضم التنشئة الاجتماعية طمعاً في مساندة الغير، لكنه كان مرغماً أحياناً على أن يتعلّم التضحية بمصالحه الشخصية كي يحظى بهذا الدعم الاجتماعي، وثمة سبب آخر يدفعه للقيام بذلك، ويتمثّل في ارتفاع مستوى تقديره لذاته، وسعيه لنيل سمعة طيبة في المجتمع، أما الحقيقة المُرّة فهي إننا نرغب غالباً في التصرّف بأنانيةٍ مفرطةٍ، ومع ذلك لا نريد أن نشعر بأننا أنانيّون فعلاً!