من يشاهد صورة للشرطة وهم يطلقون مسيلات الدموع على محتجين أو يحتجزون مشاركاً في مظاهرة وما إلى ذلك من صور تعتبر في كل الأحوال ممارسات عادية يفرضها القانون يتألم، ولعله يتخذ موقفاً سلبياً من الشرطة، ولعله يصل إلى قناعة مفادها أنهم يمارسون عنفا رغم إنهم يتعاملون بأقصى درجات ضبط النفس لكن المشاهد نفسه لو تابع أفلام الفيديو التي ينشرها الشباب أنفسهم وتبين هجماتهم المتكررة بزجاجات المولوتوف الحارقة على الشرطة يغير رأيه، ولعله يصل إلى قناعة مفادها أن ما يقوم به رجال الشرطة من ممارسات ضد أولئك قليل في حقهم.
إنها مفارقة لكنها للأسف واقع، فالذين يقومون برمي الشرطة بالمولوتوف يعلمون جيداً أنهم بفعلهم هذا يمكن أن يقتلوا المستهدفين، ومن يشاهد تلك الأفلام التي ينشر الجديد منها يومياً يقرر أن الهدف من رمي المولوتوف ليس فقط الترهيب وهو ليس مجرد تعبير عن احتجاج؛ لكنه رمي بنية القتل، وبالفعل أصيب خلال الفترة الماضية الكثير من رجال الشرطة وتم إدخالهم المستشفيات للعلاج من حروق شديدة أصيبوا بها.
واحد من تلك الأفلام انتشر أخيراً يظهر مجموعة من الملثمين يصرخون الله أكبر وهم يرمون بعشرات من قنابل المولوتوف على سيارة وحيدة للشرطة كانت متواجدة على جسر السيف، حيث تمكنوا من إصابتها إصابة مباشرة فاشتعلت فيها النيران وكاد من بها أن يلقوا حتفهم. هذا المشهد تم تصويره من قبل الجماعة نفسها مصحوباً بأغنية ثورية حماسية تغنى بلهجة غير بحرينية.
مشاهد مماثلة أخرى تم تصويرها ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر قناة الثورة أو بالأحرى سوستها (فضائية العالم الإيرانية) تبين هجمات قاتلة لمجموعات استهدفت مراكز للشرطة ودوريات للشرطة وشرطة راجلين.
لكن الشرطة -رغم أنهم المستهدفون- ليسوا وحدهم من يتعرض لخطر المولوتوف، ذلك أن تلك العمليات المجرمة تتم في أثناء مرور سيارات المدنيين في تلك الأمكنة، الأمر الذي يعرضهم للخطر بأنواعه (لنتصور أن فتاة حديثة العهد بالسياقة وجدت نفسها فجأة في مشهد يحيط بها الخطر من كل الجهات فكيف تتصرف؟ ولو حدث لها مكروه وتوفيت لهذا السبب ففي رقبة من ذنبها؟).
ما تقوم به تلك المجموعات -حسب تلك الأفلام التي ينشرونها بأنفسهم- لا ينطبق عليه سوى صفة العمل الإرهابي، لأنه بالفعل يرهب الناس وقد يتسبب في قتلهم، عدا أنه يدحض مقولة السلمية التي يحلو للبعض من «السياسيين» ترديدها، لدرجة أن بعضهم لا يتردد عن القول إن المولوتوف لا يدخل في قائمة أعمال العنف لأنه لا يغير المعادلة على الأرض!
ليس المقصود هنا تبرير ما يقوم به رجال الشرطة؛ فبعضهم قد يقوم بتصرفات شخصية نابعة من ضيقه لما يحدث أو يتعرض له هو وزملاؤه، حيث الشرطة في نهاية المطاف بشر يتأثرون وينفعلون وقد يمارسون سلوكاً يحاسب عليه القانون ولا يرضى عنه المسؤولون بالداخلية، لكن من يشاهد تلك الأفلام يعطيهم من المبررات الكثير ويجد نفسه متعاطفاً معهم.
ما تقوم به وزارة الداخلية منذ أيام هو محاولة جادة لضبط الأمور وتوفير الأمن، فما نحن فيه من حال يحتاج بالفعل إلى ضبط لأن الأمور بالفعل فلتت وصار كل فرد -عسكرياً أم مدنياً- معرضاً للخطر بسبب تلك التصرفات اللامسؤولة من شباب لا يدرك بعد قيمة المسؤولية وما يقوم به من أعمال تسيء إليه وإلى الآخرين.
حسب المنطق فإن ما يمارسه رجال الشرطة هو نتيجة ما يمارسه أولئك الذين يرمون بزجاجات المولوتوف على الشرطة والناس في كل حين، وكان بالإمكان عدم الوصول إلى هذه الحال لولا التصريحات النارية والتوجيهات المباشرة بسحق الشرطة التي نطق بها الشيخ عيسى قاسم عبر منبر جامع الصادق في الدراز ذات مرة وتم اتخاذ قوله نبراساً.