ليلة العيد؛ وتحديداً عند الساعة التاسعة والنصف، هاتفني صديق، قال إنه الآن في السهلة عند الشيخ عزيز والشارع معطل، وأضاف شارحاً إنه كان قادماً من المطار ومتوجهاً إلى عالي ليسلم شخصاً مبلغاً من المال يعلم أنه في حاجة ماسة إليه للعيد، لكنه عندما وصل إلى النعيم لاحظ أن الشارع معطل ويعاني من ازدحام السيارات بسبب قيام البعض بإشعال النيران فيه، وأنه تعطل بعض الوقت قبل أن تسلك الأمور ويواصل طريقه، لكنه عندما وصل إلى المصلى تكرر المشهد نفسه؛ إشعال نار في إطارات السيارات أدى إلى تعطل الشارع الذي تم حجزه وتعطل السيارات بمن فيها.
أضاف الصديق قائلاً؛ إنه رأى أن الأفضل أن «يدوس» كي لا يتأخر على الشخص الذي ينتظره ويريد مساعدته، لكنه ما أن وصل إلى مسجد الشيخ عزيز حتى تعطل الشارع من جديد، هذه المرة أتيح له مشاهدة الفيلم (لايف) على الهواء مباشرة. في تلك اللحظة كان يصف لي ما يرى أولاً بأول، قال إن الشارع الرئيسي مغلق في الاتجاهين وإن النيران تشتعل وتمنع السيارات من التحرك وإنه يرى بعض الشباب من بعيد يرمون بزجاجات المولوتوف على الشرطة التي وصلت إلى المكان.
قال إنه يراهم وهم يختبئون خلف النخيل ويرمون بتلك القنابل؛ ثم صرخ قائلاً: أوه اشتعلت النيران في إحدى سيارات الشرطة.. إنها تحترق.. أصيبت بمولوتوف. صمت قليلاً قبل أن يقول لقد تم إطفاء النيران وأن الشرطة بدأت في إطلاق مسيلات الدموع على الشباب كي يتركوا المكان. كان صديقي يصف لي ما يرى ويحاول أن يسمعني أصوات الطلقات و«هرنات» السيارات، تلك التي تعبر عن ضيق السائقين، والأخرى التي تشد من عزم الذين يرمون بزجاجات المولوتوف بتلك النغمة التي تعبر عن ضيق أفق وتتطاول على الدولة.
زبدة القول إن صديقي ظل نحو ربع ساعة يتابع ما يدور من حوله لحظة بلحظة وهو خائف أن يصيبه ما أصاب سيارة الشرطة، قال إنه ينتظر على أعصابه فتح الطريق، وعندما فتح أغلق هاتفه فحمدت الله على سلامته وسلامة الآخرين وعدت لما كنت فيه، غير أن صديقي اتصل من جديد بعد نحو عشر دقائق، قال لي إنه الآن على مدخل قرية عالي لكن الشارع معطل أيضاً والدخان يرتفع، فلم أملك ما أقوله له غير «الله يعينك».
في تلك الليلة لم يتمكن صديقي من توصيل المبلغ لذلك الشخص الذي كان في أمس الحاجة إليه إلا بعد جهد جهيد، قال إنه ظل يسمع قصصاً كثيرة عن معاناة الناس من هذا الذي يحدث، وكان يعتقد أنهم يبالغون حتى رأى بعينه وعاش لحظات الرعب التي تبين مقدار عنف أولئك الشباب «السلميين».
هكذا كان حال الكثيرين ليلة العيد، حجز للشوارع وإشعال النيران في إطارات السيارات ثم رمي الشرطة بزجاجات المولوتوف الحارقة قبل أن تتعامل الشرطة معهم بإطلاق مسيلات الدموع عليهم لمنعهم من مواصلة «نضالهم» وتعطيل حياة الناس في تلك الليلة المباركة. ومع هذا انبرى البعض ليدافع عن الشباب ويقول إنه «الدفاع المقدس»، بل أن أحد النواب السابقين أرسل معلقاً على ما يدور في منطقة أخرى تغريدة غاية في الغرابة تقول «غازات حارقة للعيون أطلقتها الشرطة الآن في منطقة القدم والمقشع على شارع خط البديع»، وأضاف معلقاً «ربما احتفالاً بالعيد».. في محاولة للقول إن الذين كانوا يرمون بزجاجات المولوتوف في تلك الليلة كانوا في حالة دفاع عن النفس؛ أي أن الشرطة هم الذين كانوا «يعيلون» وأنهم هم السبب في كل ما كان يجري!