الولايات المتحدة الأمريكية تعد الدولة رقم (12) على مستوى العالم من حيث عدد التتار المتواجدين ضمن تركيبتها الديموغرافية المتعددة، ويبلغ عدد هؤلاء نحو 10 آلاف شخص من التتار يقيمون على أراضيها. هذا العدد محدود جداً مقارنة بعدد سكانها الضخم، ولكن هل استفادت منهم أم استفادت من تاريخهم في سياستها الخارجية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي؟
لا أعتقد أن واشنطن استفادت من التتار بقدر استفادتها من تاريخهم الهام جداً والذي أعطى دروساً للبشرية مازالت قائمة حتى اليوم.
فالتتار رغم بطشهم منذ حكم جنكيز خان (1165 ـ 1227)، إلا أنهم كانوا خبراء بارعين في نشر الرعب في نفوس أعدائهم، فهدفهم الرئيس السيطرة على العالم خلال تلك الفترة، وإسقاط الخلافة العباسية. واستطاعوا تحقيق ذلك خلال فترة زمنية طويلة نسبياً، بدأت من خلال بث الرعب والخوف لدى الإمارات والممالك الإسلامية آنذاك، حتى صارت الملوك والأمراء المسلمون يخشون من التتار قبل أن يصلوا ديارهم، وكانت النتيجة سقوط بخارى، ثم سمرقند، وبعدها فارس وخراسان إلى نهاية القائمة الطويلة.
وهو درس سياسي وعسكري مهم، فإذا كانت الدول تخشى أعداءها، ولا تواجههم فإنها حتماً سيقُضى عليها. ولذلك نجد دول مجلس التعاون الخليجي اليوم منشغلة بمواجهة بعض الحركات السياسية، وتتناسى التحدي الأساس، وهي القوى الإقليمية مثل إيران والولايات المتحدة، وهما القوتان الأساس اللتان تحاولان تغيير الأنظمة السياسية فيها.
استمرار الخوف لدى الحكومات الخليجية ينتقل سريعاً إلى الخوف لدى الشعوب الخليجية من تغيير الأنظمة السياسية، وهو درس كبير ينبغي استيعابه، فاستمرار خوف كل دولة خليجية لوحدها بعيداً عن الدولة الأخرى سيؤدي إلى نهاية دول المجلس، أما التنسيق واتخاذ مواقف مشتركة تجاه التحديات التي تواجهها اليوم فهو الذي سيحمي بلدان المنطقة وشعوبها، ويضمن استمرار أنظمة الحكم الحالية.
التتار كان هدفهم النهائي إسقاط الخلافة العباسية واحتلال بغداد، وأدركوا أهمية إيجاد نفوذ سياسي وعسكري لهم لتحقيق هذا الهدف في مناطق مجاورة للعراق، فاحتلوا أفغانستان، وأقاموا قواعد عسكرية لهم في منطقة آسيا الوسطى. وهذا ما استوعبه الأمريكان جيداً عندما قرروا استهداف المنطقة، فأفغانستان صارت تحت السيطرة الأمريكية بالاحتلال -على غرار سيناريو التتار- وهي منطقة قريبة من العراق، كما أنشأت الولايات المتحدة قواعد عسكرية في دول الخليج العربي وآسيا الوسطى.
كما استفاد الأمريكان من درس التتار عندما أقاموا تحالفاً مع رئيس وزراء الدولة العباسية مؤيد الدين العلقمي، وسبب ذلك أن التتار كانوا على دراية جيدة بأن رئيس الوزراء الشيعي على عداء كبير مع النظام السني الحاكم. فأقاموا تحالفاً معه انتهى بسقوط بغداد في يناير 1258، وظل رئيس الوزراء الشيعي ذليلاً في حكم التتار الذين كانوا يتحكمون فيه وجردوه من سلطاته.
وبنفس السيناريو قام الأمريكان في العام 2003 بالتحالف مع المتطرفين الشيعة من تيار ولاية الفقيه في العراق للإطاحة بالنظام، وأطاحوا به، وتولوا الحكم لاحقاً، وأصبح رئيس الوزراء العراقي الشيعي ذليلاً لأنه تحت وصاية الأمريكان والإيرانيين حتى الآن.
دروس عظيمة تركها لنا التتار عندما دمروا الخلافة العباسية، ولكن البارع هو الذي يجب أن يستوعب هذه الدروس ويستفيد منها جيداً، فسيناريو التتار يتلاعب به الأمريكان حالياً، والدولة العباسية انتهت باعتبارها الهدف، ولكن الهدف الذي تسعى إليه واشنطن هي دول مجلس التعاون الخليجي. فمن يستوعب هذا الدرس؟