أُسدل الستار عن ذكرى العاشر من المحرم وعادت الحياة إلى طبيعتها، لكن من المهم أن نقوم بتقييم كل الجهود والاستحقاقات والممارسات والسلوكيات التي قمنا بها في ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، وما هي النتائج والمحصلات النهائية التي استفدناها كمسلمين من هذه الذكرى العظيمة.
لا يمكن أن تمرّ ذكرى عاشوراء هكذا دون الوقوف على الكثير من الممارسات التي مارسها بعضنا في موسم الحسين بن علي، فعدم تقييمنا الذكرى بطريقة شاملة يعني أننا لا نكترث بالأخطاء التي وَقَعَتْ عبر سلوكيات مئات وربما آلآف المشاركين في إحياء الذكرى، أو في أخطاء القائمين عليها بصورة مباشرة وغير مباشرة، وتغافلنا عن هذه الممارسات السلبية يعني أننا نراكم الأخطاء عاماً بعد عام، مما يخلق تصوراً لا إرادياً في نفوس العامة من الناس أن كل شيء مارسناهُ كان بمثابة الأمر المقدس الذي لا يمكن المساس به، وكأن كل ما يخرج منَّا في عاشوراء هو أمر معصوم لا يمكن أن ننقده ولو من بعيد، وهذا الأمر يجرنا إلى تقديس كثير من الأخطاء التي لو تمت معالجتها في حينها لكان ذلك أفضل وأزكى، قبل أن تتمكن هذه السلبيات من الدخول في خانة القداسات المعصومة.
يجب تقييم مواكب العزاء وشعاراتها وقصائدها، كما يجب تقييم كل ما له علاقة بالمنبر الحسيني والخطاب العاشورائي، أما سلوكيات العوام فيجب تنقيحها وتنقيتها في غالب الأحيان.
يجب الوقوف على القصائد والقراءات الحسينية، وعلى مواقع ومواقف الأكل والشرب والفُرجة، كما يجب النظر دون رسم محاذير شرعية مصطنعة في طريقة إحيائنا للذكرى في شكلها العام تفادياً من الوقوع في إشكالات أخلاقية وربما عقائدية.
انتهتْ عشرة محرم الحرام قبل يومين، لذا يجب أن نسأل أنفسنا السؤال التالي؛ ماذا استفدنا من عاشوراء؟ ما هي المحصَّلة التي خرجنا بها من هذه الذكرى العظيمة؟ هل تغيرت رؤانا وقناعاتنا؟ أم مازالت كما هي من دون أن تكون قد تطورت نحو الأمام؟.
هذه الأسئلة مشروعة في كل مناسبة دينية لها قيمتها في وجدان الأمة، وهذا ما كان يمارسه المسلمون (على سبيل المثال) بعد انقضاء شهر رمضان الكريم، إذ يقومون بعصف روحي لمعرفة مدى استفادتهم من الآثار الروحية والأخلاقية من الشهر الفضيل، فإذا جاء العيد وهم لم يتغيروا نحو المعالي والفضائل السامية فإنهم يلومون أنفسهم أن شهر الله مرَّ عليهم هكذا كما تمر عليهم بقية الشهور الأخرى.
إن التقييم العام لعاشوراء ليس له علاقة أبداً بقدسية الذكرى وصاحبها، فحين نقوم بتقييم ممارساتنا في عاشوراء فإننا نقوم بنقد سلوكيات بشرية محضة، لا علاقة لها بقدسية الحسين عليه السلام لا من قريب أو بعيد، لكن البعض يحاول أن يخلط متعمداً بين سلوكياتنا وبين قداسة نهضة الحسين وتطلعاته وقيمه وأخلاقه، هذا الخلط الذي (يشوش) أذهان العامة من الناس فيمتنعون امتناعاً كليَّاً عن تقييم ممارساتهم، لأن هؤلاء أسبغوا هالة من القداسة المزيفة عليها باسم الدين تارة وباسم الحسين تارة أخرى.
كثير من السلبيات والممارسات يجب تنقيتها من ذكرى عاشوراء، حتى تظل الذكرى مصدر طهرانية وإشعاع وإلهام لكل البشرية، وهذا لن يكون إلا بنقد جريء جداً، لكل ما هو بشري، ودون مجاملة لأي عنصر أوجهة تقوم بتبسيط وتسطيح معطيات أعظم ثورة إنسانية في تاريخ البشرية.