في ضوء تلك الحقائق التي رسمت معالم صورة مجلس تعاون دول الخليج العربي، وحددت سلوكه كمؤسسة تجاوزت الربع قرن من العمر، ومن أجل المشاركة في الخروج بالصيغة التي تؤمن له القدرة على الصمود في وجه الأخطار التي من الطبيعي أن تواجهه، وتضع بين يدي قادته عناصر تقدمه، ومقومات تطوره، لابد من تحديد مكامن القوة التي يتمتع بها، ونقاط الضعف التي يعاني منها، ومواطن الأخطار التي تهدده، وأخيراً تسليط الأضواء على الفرص المتاحة أمامه. هذا المدخل هو ما يطلق في الأدبيات الأجنبية (SWOT Analysis).
وإذا ما بدأنا بتشخيص مكامن القوة، فسوف نجد أنها تتلخص في النقاط التالية:
1. الوجود الملموس؛ فنحن اليوم أمام كيان سياسي معترف به دولياً، وله مؤسساته المستقلة القائمة بذاتها، ويمارس حضوره في المحافل الدولية والإقليمية، ومن ثم فليس هناك عقبة، كتلك التي واجهتها الشعوب الخليجية في نهاية الستينات ومطلع السبعينات، عندما كان الخلاف يصل حتى إلى مستوى تحديد أسماء الدول التي يحق لها الانتساب للجسم الاتحادي، ويبلغ ذلك الخلاف إلى درجة التباين في الاتفاق على التسمية التي ستطلق عليه.
مصدر هذه القوة أنها توفر الجهد المطلوب بذله، وتقصر المشوار الذي ينبغي عبوره، وتقطع الطريق أمام أي من القوى، داخلية كانت أم خارجية، الراغبة في التشكيك في حق هذا الكيان في الوجود، أو تجرده من حقه من ممارسة أدواره التي يريد، ويحق له، أن يمارسها.
2. الحاجة الموضوعية المبررة لاستمراره والمصرة على تطويره؛ فلم يعد هناك ما يدعو للتبشير بالفكرة، أو يبرر جدوى العمل من أجل تحقيقها. فهناك اليوم شبه إجماع شعبي، رغم كل الانتقادات والملاحظات على المجلس على النحو الذي هو عليه الآن، على ضرورة التمسك بصيغة المجلس ودون التفريط فيها، سوية مع تنامي دعوات الإصلاح والتطوير، على الصعد كافة، وفي المقدمة منها تلك السياسية، فلم يعد في الخليج من يدعو للنكوص نحو الوراء أو العودة إلى الحالة القائمة في مرحلة ما قبل التأسيس. ربما يظن البعض منا، وخاصة أبناء الجيل الذين لم يعاصروا مرحلة الولادة المتعسرة للمجلس، والضغوط التي واجهت دوله الأعضاء قبل أن يرى النور، أن هذه مهمة سهلة، ولكن من عايش مرحلة الولادة، بوسعه أن يدرك آلامها، وثمن التضحيات التي قدمت من أجل أن يأتي الوليد غير مشوه.
3. تناغم عناصر الخلفية التاريخية وتكامل مقومات الأرضية الحضارية التي تسود السلوك العام لأبناء دول مجلس التعاون؛ فباستثناء أقليات تشكل نسباً ضئيلة من السكان، يمكن القول، إن الغالبية الساحقة من أبناء الخليج الأصليين ينتمون للعروبة عرقاً، ويؤمنون بالإسلام ديناً. ومن ثم فإن البنية الحضارية - الثقافية التي يقوم عليها التكوين الذهني للمواطن الخليجي الأصلي، تكاد أن تكون متقاربة إن لم تكن متطابقة.
لا يقلل من أهمية هذا العنصر التوحيدي، بعض النتوءات الاستثنائية التي تطل برؤوسها بين الحين والآخر، في شكل توترات طائفية، أو نزاعات قبلية، دون إهمال سلبياتها، التي تتلاشى عندما تقاس الأمور بالمنظار التاريخي لتطور الأمم. هذا لا يحول شعوب الخليج إلى فئة سكانية واحدة مسطحة، لكنه يجعل منها طيفاً سكانياً متناغماً تتعايش في ثناياه كل ألوان ذلك الطيف.
من عناصر القوة ومقوماتها، ننتقل إلى مكونات الضعف ومكامنها، والتي يمكن تلخيص الأهم منها في النقاط التالية:
1. سيطرة النظرة الأمنية على صنع قرارات المجلس، وتحكمها في الخطط التي يرسمها قادته، فحتى اليوم يحظى الجانب الأمني، وعلى وجه التحديد في نطاقه السياسي الضيق الأفق على المسيرة الاتحادية. ليس هناك من ينكر ضرورة هذا الجانب، لكنه عندما ينصب على الأخطار الخارجية الأجنبية، وليس عندما يكون مصدره الخوف من المطالب المشروعة للمواطن العادي. خطورة هذه السيطرة، لا تنحصر فقط في استنزاف نسبة عالية من طاقات المجلس البشرية، والكثير من موارده الطبيعية في مشروعات غير منتجة بالمعنى الاقتصادي للكلمة فحسب، ولكنها أيضاً، وهذا هو الأشد خطراً، تحجب عن ناطري قادته، فرص التطوير، وإمكانات التنمية، عندما يتحول الأمن الداخلي إلى هاجس يومي يخضع السياسات الداخلية لصالح نظرته الضيقة الأفق القصيرة المدى.
2. الهشاشة الاقتصادية، حيث لاتزال قوانين الاقتصاد الريعي، والريعي الخارجي على وجه التحديد، هي التي تسيطر على المفاصل الاقتصادية لدول المجلس. يزداد الأمر خطورة وسوءاً عندما يتكامل ذلك مع اعتماد الدخل على سلعة واحدة هي النفط الخام، الأمر الذي يرهن قرارات المجلس الاقتصادية لقوى خارجية من جانب، ويكبله بقيود تلك السلعة على الصعيد الداخلي من جانب آخر.
وعندما نتحدث عن اقتصاد المجلس الخليجي، ينبغي ألا تحرف رؤيتنا بعض الظواهر البراقة مثل ما يحدث في دبي، التي لاتزال رغم انبهار البعض بها، ضيقة، عندما تقاس بمساهمتها في اقتصاد المجلس من جانب، وضحالة تأثيراتها الاقتصادية، عندما تكون المعايير مبنية على الاقتصاد المنتج، وليس الطفيلي، كما هو الحال في دبي. كذلك ينبغي التحذير من الأخذ بقيمة دخل الفرد، وهي عالية في دول المجلس. فمن جانب هناك الخلل الناجم من طبيعة وضع المقاييس ذاتها، ومن جانب آخر أن مصدر الدخل هو من مخرجات الاقتصاد الريعي الهش الذي يزرع بدوره مكامن الضعف التي نحذر منها.
3. التركيبة السكانية، التي تشكل الغالبية، وفي بعض دول المجلس الغالبية الساحقة، منها تلك القادمة من دول أجنبية، ونسبة منها غير عربية، بل وحتى غير إسلامية، الأمر الذي يخلق هجيناً سكانياً غير متناسق، بل وربما يكون متناحراً في بعض الحالات. تزرع هذه الغالبية الأجنبية مجموعة من عناصر الضعف الخطيرة.
فعلى المستوى السكاني هي بمثابة الخميرة الكامنة القابلة للانفجار في أية لحظة، وخاصة عندما توجهها أيدٍ أجنبية لها مصلحة، حتى وإن كانت آنية وقصيرة المدى، في إثارة القلاقل داخل الجسم الاتحادي. وعلى المستوى الاجتماعي، هي الأخرى عقبة كبيرة أمام بناء مجتمع متناغم خالٍ من النزعات المتعادية بين أفراده، حيث تمزق الجيوب السكانية الأجنبية نسيج التآلف الاجتماعي الذي يبحث عنه مجتمع حديث كالمجتمع الخليجي، يتكامل ذلك مع النزيف الاقتصادي الناجم عن عودة دخول تلك الجاليات الأجنبية من عملها في الخليج إلى بلدانها الأصلية، بدلاً من إنفاقه في السوق المحلية، ومن ثم إعادة ضخها، وهو الأمر الطبيعي، في دورة الاقتصاد الوطني، الذي هو اليوم، في أمس الحاجة لها.
4. الخلافات الداخلية، وعلى وجه الخصوص تلك الحدودية، حيث لاتزال قضية ترسيم الحدود نقطة خلاف قابلة للانفجار في أية لحظة. ربما لا يصل الأمر إلى الاستنفارات العسكرية، أو الصدامات المسلحة، لكنها، من دون أي شك، تزرع عناصر الخلافات في بنية الاتحاد السياسية، وتسيطر على قرارته التوحيدية، بل وحتى التنسيقية. لاشك أن هناك الكثير من الخلافات الحدودية قد عرفت طريقها إلى الحل عبر الحوارات الهادئة، لكن البعض منها لايزال قائماً، وهو قنابل موقوتة، تهدد بالانفجار في أية لحظة ممكنة، وخاصة عندما تُغذى من قبل أطراف خارجية.
وإذا ما بدأنا بتشخيص مكامن القوة، فسوف نجد أنها تتلخص في النقاط التالية:
1. الوجود الملموس؛ فنحن اليوم أمام كيان سياسي معترف به دولياً، وله مؤسساته المستقلة القائمة بذاتها، ويمارس حضوره في المحافل الدولية والإقليمية، ومن ثم فليس هناك عقبة، كتلك التي واجهتها الشعوب الخليجية في نهاية الستينات ومطلع السبعينات، عندما كان الخلاف يصل حتى إلى مستوى تحديد أسماء الدول التي يحق لها الانتساب للجسم الاتحادي، ويبلغ ذلك الخلاف إلى درجة التباين في الاتفاق على التسمية التي ستطلق عليه.
مصدر هذه القوة أنها توفر الجهد المطلوب بذله، وتقصر المشوار الذي ينبغي عبوره، وتقطع الطريق أمام أي من القوى، داخلية كانت أم خارجية، الراغبة في التشكيك في حق هذا الكيان في الوجود، أو تجرده من حقه من ممارسة أدواره التي يريد، ويحق له، أن يمارسها.
2. الحاجة الموضوعية المبررة لاستمراره والمصرة على تطويره؛ فلم يعد هناك ما يدعو للتبشير بالفكرة، أو يبرر جدوى العمل من أجل تحقيقها. فهناك اليوم شبه إجماع شعبي، رغم كل الانتقادات والملاحظات على المجلس على النحو الذي هو عليه الآن، على ضرورة التمسك بصيغة المجلس ودون التفريط فيها، سوية مع تنامي دعوات الإصلاح والتطوير، على الصعد كافة، وفي المقدمة منها تلك السياسية، فلم يعد في الخليج من يدعو للنكوص نحو الوراء أو العودة إلى الحالة القائمة في مرحلة ما قبل التأسيس. ربما يظن البعض منا، وخاصة أبناء الجيل الذين لم يعاصروا مرحلة الولادة المتعسرة للمجلس، والضغوط التي واجهت دوله الأعضاء قبل أن يرى النور، أن هذه مهمة سهلة، ولكن من عايش مرحلة الولادة، بوسعه أن يدرك آلامها، وثمن التضحيات التي قدمت من أجل أن يأتي الوليد غير مشوه.
3. تناغم عناصر الخلفية التاريخية وتكامل مقومات الأرضية الحضارية التي تسود السلوك العام لأبناء دول مجلس التعاون؛ فباستثناء أقليات تشكل نسباً ضئيلة من السكان، يمكن القول، إن الغالبية الساحقة من أبناء الخليج الأصليين ينتمون للعروبة عرقاً، ويؤمنون بالإسلام ديناً. ومن ثم فإن البنية الحضارية - الثقافية التي يقوم عليها التكوين الذهني للمواطن الخليجي الأصلي، تكاد أن تكون متقاربة إن لم تكن متطابقة.
لا يقلل من أهمية هذا العنصر التوحيدي، بعض النتوءات الاستثنائية التي تطل برؤوسها بين الحين والآخر، في شكل توترات طائفية، أو نزاعات قبلية، دون إهمال سلبياتها، التي تتلاشى عندما تقاس الأمور بالمنظار التاريخي لتطور الأمم. هذا لا يحول شعوب الخليج إلى فئة سكانية واحدة مسطحة، لكنه يجعل منها طيفاً سكانياً متناغماً تتعايش في ثناياه كل ألوان ذلك الطيف.
من عناصر القوة ومقوماتها، ننتقل إلى مكونات الضعف ومكامنها، والتي يمكن تلخيص الأهم منها في النقاط التالية:
1. سيطرة النظرة الأمنية على صنع قرارات المجلس، وتحكمها في الخطط التي يرسمها قادته، فحتى اليوم يحظى الجانب الأمني، وعلى وجه التحديد في نطاقه السياسي الضيق الأفق على المسيرة الاتحادية. ليس هناك من ينكر ضرورة هذا الجانب، لكنه عندما ينصب على الأخطار الخارجية الأجنبية، وليس عندما يكون مصدره الخوف من المطالب المشروعة للمواطن العادي. خطورة هذه السيطرة، لا تنحصر فقط في استنزاف نسبة عالية من طاقات المجلس البشرية، والكثير من موارده الطبيعية في مشروعات غير منتجة بالمعنى الاقتصادي للكلمة فحسب، ولكنها أيضاً، وهذا هو الأشد خطراً، تحجب عن ناطري قادته، فرص التطوير، وإمكانات التنمية، عندما يتحول الأمن الداخلي إلى هاجس يومي يخضع السياسات الداخلية لصالح نظرته الضيقة الأفق القصيرة المدى.
2. الهشاشة الاقتصادية، حيث لاتزال قوانين الاقتصاد الريعي، والريعي الخارجي على وجه التحديد، هي التي تسيطر على المفاصل الاقتصادية لدول المجلس. يزداد الأمر خطورة وسوءاً عندما يتكامل ذلك مع اعتماد الدخل على سلعة واحدة هي النفط الخام، الأمر الذي يرهن قرارات المجلس الاقتصادية لقوى خارجية من جانب، ويكبله بقيود تلك السلعة على الصعيد الداخلي من جانب آخر.
وعندما نتحدث عن اقتصاد المجلس الخليجي، ينبغي ألا تحرف رؤيتنا بعض الظواهر البراقة مثل ما يحدث في دبي، التي لاتزال رغم انبهار البعض بها، ضيقة، عندما تقاس بمساهمتها في اقتصاد المجلس من جانب، وضحالة تأثيراتها الاقتصادية، عندما تكون المعايير مبنية على الاقتصاد المنتج، وليس الطفيلي، كما هو الحال في دبي. كذلك ينبغي التحذير من الأخذ بقيمة دخل الفرد، وهي عالية في دول المجلس. فمن جانب هناك الخلل الناجم من طبيعة وضع المقاييس ذاتها، ومن جانب آخر أن مصدر الدخل هو من مخرجات الاقتصاد الريعي الهش الذي يزرع بدوره مكامن الضعف التي نحذر منها.
3. التركيبة السكانية، التي تشكل الغالبية، وفي بعض دول المجلس الغالبية الساحقة، منها تلك القادمة من دول أجنبية، ونسبة منها غير عربية، بل وحتى غير إسلامية، الأمر الذي يخلق هجيناً سكانياً غير متناسق، بل وربما يكون متناحراً في بعض الحالات. تزرع هذه الغالبية الأجنبية مجموعة من عناصر الضعف الخطيرة.
فعلى المستوى السكاني هي بمثابة الخميرة الكامنة القابلة للانفجار في أية لحظة، وخاصة عندما توجهها أيدٍ أجنبية لها مصلحة، حتى وإن كانت آنية وقصيرة المدى، في إثارة القلاقل داخل الجسم الاتحادي. وعلى المستوى الاجتماعي، هي الأخرى عقبة كبيرة أمام بناء مجتمع متناغم خالٍ من النزعات المتعادية بين أفراده، حيث تمزق الجيوب السكانية الأجنبية نسيج التآلف الاجتماعي الذي يبحث عنه مجتمع حديث كالمجتمع الخليجي، يتكامل ذلك مع النزيف الاقتصادي الناجم عن عودة دخول تلك الجاليات الأجنبية من عملها في الخليج إلى بلدانها الأصلية، بدلاً من إنفاقه في السوق المحلية، ومن ثم إعادة ضخها، وهو الأمر الطبيعي، في دورة الاقتصاد الوطني، الذي هو اليوم، في أمس الحاجة لها.
4. الخلافات الداخلية، وعلى وجه الخصوص تلك الحدودية، حيث لاتزال قضية ترسيم الحدود نقطة خلاف قابلة للانفجار في أية لحظة. ربما لا يصل الأمر إلى الاستنفارات العسكرية، أو الصدامات المسلحة، لكنها، من دون أي شك، تزرع عناصر الخلافات في بنية الاتحاد السياسية، وتسيطر على قرارته التوحيدية، بل وحتى التنسيقية. لاشك أن هناك الكثير من الخلافات الحدودية قد عرفت طريقها إلى الحل عبر الحوارات الهادئة، لكن البعض منها لايزال قائماً، وهو قنابل موقوتة، تهدد بالانفجار في أية لحظة ممكنة، وخاصة عندما تُغذى من قبل أطراف خارجية.