يجب أن تقرأ الوفاق رفض ائتلاف الجمعيات الوطنية طلبهم للجلوس معهم قبل الجلسات الرسمية قراءة متأنية، فرفضها ليس تعنتاً وليس قطعاً للطريق أمام المصالحة الوطنية، إنما هي رسالة عدم ثقة ومؤشر يدل على حجم التباعد بين الوفاق والشعب البحريني.
الوفاق واتتها الفرصة أكثر من مرة خلال السنوات العشر الماضية، كي تبني الجسور مع مكونات شعب البحرين، وبدت ملامح لتلك الجسور كانت حبلى بالثمار النافعة لأول مرة في لجان التحقيق البرلمانية التي أثمرت نتاجاً مهماً، كان أفضلها هو إمكانية التعاون والعمل السياسي المشترك بين الوفاق وبين البحرينيين، لكن القراءة الخاطئة في 2011 سحبت الوفاق بعيداً عن هذه الجسور، وألقت بها معزولة في محيطها الجغرافي والديموغرافي وبنت جداراً عازلاً بينها وبين المجتمع البحريني، فلا يستجيب لمسيراتها إلا جماعتها!!.
القراءة الخاطئة تكررت حين أعلنت الوفاق عن نفسها بعد 2011 “كمعارضة شيعية” لتنساق بغباء لفخ منصوب بجدارة باعد بينها وبين المجتمع البحريني، والمأساة أن هذا التباعد لم يقتصر على 1700 شخص هم من حضروا الاجتماع للجمعية العمومية للوفاق، أو يقتصر على التباعد بين الشعب البحريني وبضعة آلاف يستجيبون للتحشيد في الشارع كل جمعة، بل هو تباعد - مع الأسف - انسحب على الشيعة وعزلهم عن بقية مكونات المجتمع البحريني، وهذه جنايتكم الكبرى عليهم حين عزلتم أنفسكم عن النسيج البحريني، ولم تعترفوا بوجوده أصلاً فعزلتم نصف الشعب عن نصفه، حتى جاء يوم الاستحقاق وأجبرتم على الجلوس معه وأنتم الذي هدمتم كل الجسور.
ولم يكن خطابكم بأقل انفصالاً وغباءً، فالمؤتمرات الصحافية والتصريحات الإعلامية الاستفزازية كان خطاباً لا يستفز النظام بل استفز مكونات الشعب البحريني، مجموعة مقالات تحقر وتستهين وتستفز المشاركين في الحوار.. فهذا يقول لهم من أنتم؟ والثاني يقول لهم “أوكي لا مانع من مشاركتكم” بعد أن يمط شفتيه، وذاك يقول لهم أنتم “حدكم” مجالس رمضانية، كلها ممارسات تصب في جدار العزل ويقودها اعتقاد واهم أن الغالبية البحرينية شيعية، وأن الوفاق ممثلا عن الشيعة، وها هو يوم الاستحقاق قد وصل.
قرأتم المشهد البحريني بتركيبته ونسيجه الاجتماعي قراءة خاطئة، ولم تكتفوا بذلك بل ارتهنتم بالكامل لفقيه معزول يرى البحرين معسكرين، فقيه لا تتجاوز حدوده مناطق سكانية محدودة وإن اكتظت بالسكان، إلا أنها جزء من نسيج واسع فيه الكثير من الشيعة من لا يدين له بالمرجعية فما بالكم والسنة وما بالكم وبقية أطياف الشعب البحريني؟.
قرأتم مشهدكم الداخلي الوفاقي قراءة خاطئة حين سلمتم رقابكم لفقيهكم ومجلسه العلمائي وتركتم مجلسكم للشورى وجمعيتكم العمومية التي كان ممكن أن تشور عليكم بغير تلك القرارات الخرقاء، واتخذتم قرارات منفردة كما حدث في الدوار بنسف الحوار، وها أنتم الآن تكررون ذات المسار إرضاء لقيادات مشروع إسقاط الدولة.
ثم كانت قراءتكم خاطئة حين اعتقدتم أن النزول للشارع فيه استفزاز للسلطة، ولكنكم قطعتم حبل الود بينكم وبين الشعب البحريني بإصراركم على النزول للشارع وتعطيل مصالحه، وخلقتم جداراً عازلاً معه، وقد سقط منه الضحايا منكم ومن عنفكم وحولتموه لخصم لكم بغباء منقطع النظير وبقراءة خاطئة غلفها الغرور، وكلما تقاربتم مع أصحاب أجندة مشروع إسقاط الدولة باعدتم بينكم وبين مجتمع مستقر يريد الإصلاح ولا يريد الهدم، لذا فإن رفض طلب الجلوس المنفرد معكم رسالة يجب أن تقرؤوها جيداً، لقد أصبح شعب البحرين الآن خصمكم وليس النظام.
وحين جاء فبراير أعلنتم عن فعاليات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بدعوات الشيرازيين، وما يسمى بـ14 فبراير فذلك التحام مع أصحاب مشروع إسقاط الدولة، وانفصال عن شعب البحرين ومشروعهم لبناء الدولة، ففبراير بالنسبة لشعب البحرين ذكرى لميثاقه الوطني الذي توافق عليه الشعب، لكن الوفاق اختارت فبراير مثلما اختارت يوم العيد الوطني دوناً عن 365 يوماً لتحيي ذكرى الشهداء، وتزيد جدار العزل سمكاً.
الوفاق إلى هذه اللحظة لا ترى شعب البحرين وترفض رؤيته والجلوس معه سيشكل صدمة تهز مصداقية معتقدها في العمق.
ألا يرى قادة الوفاق أن أصحاب مشروع إسقاط الدولة جروهم إلى فخهم وعزلوهم؟ ألا يرون أن هؤلاء لا يهمهم أن يحرقوا الأخضر واليابس وتغرق البحرين في نزاعات أهلية؟ ومثلما يسوقون لحرب أهلية طائفية بالنهج الاستحواذي والمنفرد والإقصائي في سوريا والعراق، يحاولون جر البحرين لذات السيناريو دون حد أدنى من المسؤولية؟.
السؤال الآن ما البديل الذي تطرحه الوفاق عن الحوار مع الشعب البحريني؟ هل البديل هو الاحتراب معه؟.
إن كان شعب البحرين قد التزم ضبط النفس وهو يتعرض للأذى يومياً من إرهابكم، فذلك لأن القانون يحول بينهم وبينكم، فلا تخسروه هو الآخر.
أخطأتم القراءة في فبراير 2011 وبنيتم جبلاً من تراكم الأخطاء وفرصاً ضائعة وراء أخرى، ألم يحن الوقت لتتعلموا القراءة؟.