«القوات المصرية والسعودية تهاجم الحدود الشرقية لإسرائيل.. وتركيا تدك العدو بصواريخها»؛ كان ذلك عنوان خبر نقله موقع «روسيا اليوم» الإلكتروني وهو حلم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين تمنوا «أن تصبح هذه الدول صفاً واحداً وقوة عاتية حتى تتمكن أن تضرب بيد من حديد يد العدو الصهيوني الغاشم لوقف الضربات الموجهة لقطاع غزة الآن، آملين سماعه من القيادات العربية قريباً، حيث القوات المصرية والسعودية تهاجم الحدود الشرقية الإسرائيلية، وتقوم تركيا باستهداف المستعمرات الإسرائيلية بإطلاق صواريخ بعيدة المدى، وتقوم الأردن بتحريك مدفعيتها على طول الحدود وتشتبك مع العدو على طول الجبهة. وفي الوقت ذاته تتلقى إسرائيل ضربات من الجنوب اللبناني، والتي أمطرت الحدود الإسرائيلية بوابل من الصواريخ، وتهاجم سوريا هضبة الجولان وتتمكن من تدمير قوات العدو المتواجدة وتحكم السيطرة على المنطقة بأكملها».
لكن الحقيقة مغايرة لتلك الصورة الغارقة في أحلامها الوردية التي ترسمها تلك التغريدات؛ فالعربدة الإسرائيلية مستمرة في «قصفها العنيف والمدمر مستهدفة منازل المواطنين الآمنين لترتفع حصيلة هذا العدوان على قطاع غزة إلى نحو 75 قتيلاً وأكثر من 621 جريحاً خلال 5 أيام». وبالمقابل تبقى مدافع الجبهات العربية، باستثناء الخطابات «العكاظية» التي تردد صداها ردهات الغرف التي تعقد الاجتماعات العربية، صامتة صمت القبور، وقواتها تغط في سبات نوم عميق، وإذا ما قدر لها أن تستيقظ فمن أجل أن تتحرك ضد بعضها البعض كي تزج بنفسها في حروب داخلية بعيدة عن الحدود الإسرائيلية.
ولو أخذنا مصر لوحدها على سبيل المثال لا الحصر، وقبل الدخول في الأسباب التي دفعت تل أبيب إلى الإقدام على تلك الهجمات، نلفت إلى نصوص اتفاقيات السلام المعقودة بين مصر وإسرائيل، والتي تلزم الطرفين بإعلام بعضهما البعض في حال إقدام أي منهما على تحرك عسكري. فإن لم تكن مصر على علم بذلك التحرك الصهيوني ضد غزة فتلك مصيبة، وإن هي علمت وقبلت الصمت والتجاهل فالمصيبة أعظم.
المسألة الأكثر أهمية من كل ذلك والتي تلح في صيغة تساؤل يطرح نفسه على كل من يتابع تلك الأحداث، هو لماذا هذه الهجمات الإسرائيلية المكثفة وبمثل هذه الشراسة؟
كثافة الهجمات وقسوتها، ومن ثم السبب المباشر الذي دفع تل أبيب إلى شن تلك الحرب، يعود إلى تيقن إسرائيل أن المعارك مهما طال زمنها لا بد وأن تنتهي إلى مفاوضات يعقبها تهدئة. وبما أن الوجود الفلسطيني في غزة أصبح حقيقة يستحيل إزالتها من فوق الأرض، ومن ثم من موازين القوى، وطالما كان الأمر كذلك، فالتكثيف والقسوة يضمنان تحسين شروط المعتدي، وهو الطرف الإسرائيلي، عندما يحين وقت التفاوض، وهو ما بدت تلوح معالمه في الأفق.
لكن الأمر أبعد من ذلك وأكثر استراتيجية بالنسبة لإسرائيل المدفوعة، في مثل الظروف القائمة، إلى تنفيذ مثل تلك العمليات بمجموعة من الأسباب الاستراتيجية البعيدة المدى؛ الداخلية الذاتية والخارجية الإقليمية، والتي يمكن إيجاز الأكثر أهمية من بينها في النقاط التالية:
على المستوى الداخلي الذاتي، تسعى إسرائيل إلى تحقيق ما يلي:
1. الانسجام مع تغذية العقلية الصهيونية التي ترتكز في بنية ذهنيتها وجوهر تفكيرها، ومن ثم تسيطر على مرتكزات تأسيس دولتها واستمرارها على العنف والعدوان، الأمر الذي يجبر حكام تل أبيب على أن يقوموا بين فترة وأخرى بافتعال ظروف تبرر لهم إشعال نيران حروب يستعرضون فيها عضلات قدراتهم العسكرية كي يسكتوا تلك الغريزة العدوانية من جانب ويبثوا الأمان في نفوس مواطنيهم من جانب آخر.
2. جر المقاومة الفلسطينية إلى معارك مباغتة وشرسة تجبر فيها تلك المقاومة على استنفاد آخر ما في جعبتها من مصادر قوة، ومن ثم لا تجد أمامها من خيار آخر سوى الكشف الاضطراري سواء للدفاع عن النفس أو لإشاعة الطمأنينة في صفوف مواطنيها عن آخر أنواع الأسلحة التي بحوزتها، ومدى قدرتها على استخدامها، وبالمقابل اختبار مدى قدرة الآلة العسكرية الصهيونية على التعامل معها وبالكفاءة المطلوبة، وتجربة المعدات والنظم العسكرية الإسرائيلية في خضم كل ذلك. ومن ثم فما يجري اليوم، أشبه بالمناورة الحية للقوات الإسرائيلية، لكن بدلاً من أن تكون داخلية في صفوفها وحدها، يجري جر المقاومة الفلسطينية للمشاركة فيها.
3. تلبية احتياجات الحملات الانتخابية التي مقرر لها أن تجري خلال الشهرين القادمين. وفي بلدان الأنظمة الفاشية من نمط إسرائيل، والمجتمعات العدوانية مثل ذلك الذي تسيره تل أبيب لا تتردد الأحزاب العاملة هناك في سباقها المحموم نحو السلطة أن تستخدم النجاحات العسكرية لقلب موازين قوى العملية الانتخابية لصالحها. وليست هذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها الأحزاب الإسرائيلية إلى استخدام ساحات الحرب كميادين لسباقاتها الانتخابية.
هذا على الصعيد الداخلي، أما على المستوى الخارجي، فلإسرائيل مآرب أخرى يمكن حصرها في النقاط التالية:
1. جس نبض ردة الفعل العربية، وعلى وجه الخصوص مصر، وتقدير مدى خطورتها على موازين القوى الفلسطينية – الإسرائيلية. والمقصود هنا قياس السقف الذي سترتفع إليه ردة الفعل تلك، وهل ستقف عند مستوى الرد السياسي الشاجب للممارسات اليهودية، والمتعاطف مع تلك الفلسطينية، أم سيرقى إلى ما هو أعلى من ذلك، وحينها يشكل خطراً على معادلة الصراع كما هي عليه اليوم، ومنذ حرب أكتوبر في السبعينيات من القرن الماضي.
2. على شكل مواز لتلك العملية، تعمل إسرائيل على تهيئة المنطقة لحسم الصراع وبشكل نهائي في سوريا، التي لم يعد في مصلحة الأطراف الخارجية، استمرار الأوضاع على ما هي عليه اليوم. ومن ثم، وفي غمرة انشغال العالم بما يجري في غزة، وتركيز الأنظار على أحداثها، تلتف إسرائيل كي توجه ضربة موجعة لنظام الأسد، كي تنقلب موازين القوى في غير صالحه، وينجح، طرف آخر ليس بالضرورة من هم على مسرح الأحداث السورية اليوم، كي يقطف ذلك التحول في موازين القوى، ومن غير المستبعد أن يكون ذلك الطرف من داخل المؤسسة السورية الحاكمة ذاتها.
3. جر أقدام إيران، في حال نجاح ما هو مخطط لسوريا، إلى الدخول إلى ساحة حرب في معارك مبكرة، لم تستعد طهران بعد لها، ولم تحشد لها قواتها، الأمر الذي قد يدفع طهران إلى الإقدام على خطوات غير محسوبة العواقب، تقودها ردود فعل آنية، تتيح لإسرائيل، مدعومة، بطبيعة الحال بقوى دولية من مستوى الناتو، إلى توجيه ضربة لطهران، قد لا تكون مدمرة، لكنها موجعة، وترغم إيران على الانكماش والتقوقع الدفاعي، بدلاً من سياسة التوسع الهجومي الذي تمارسه اليوم في المنطقة.
هذه مجموعة من السيناريوهات المتوقع أن تتمخض عنها معارك غزة، فهل يدرك العرب ما ينتظرهم، ويخططوا لمواجهته، أم يستمروا في مناطحاتهم الداخلية، التي لا تغني من فقر ولا تسمن من جوع.
لكن الحقيقة مغايرة لتلك الصورة الغارقة في أحلامها الوردية التي ترسمها تلك التغريدات؛ فالعربدة الإسرائيلية مستمرة في «قصفها العنيف والمدمر مستهدفة منازل المواطنين الآمنين لترتفع حصيلة هذا العدوان على قطاع غزة إلى نحو 75 قتيلاً وأكثر من 621 جريحاً خلال 5 أيام». وبالمقابل تبقى مدافع الجبهات العربية، باستثناء الخطابات «العكاظية» التي تردد صداها ردهات الغرف التي تعقد الاجتماعات العربية، صامتة صمت القبور، وقواتها تغط في سبات نوم عميق، وإذا ما قدر لها أن تستيقظ فمن أجل أن تتحرك ضد بعضها البعض كي تزج بنفسها في حروب داخلية بعيدة عن الحدود الإسرائيلية.
ولو أخذنا مصر لوحدها على سبيل المثال لا الحصر، وقبل الدخول في الأسباب التي دفعت تل أبيب إلى الإقدام على تلك الهجمات، نلفت إلى نصوص اتفاقيات السلام المعقودة بين مصر وإسرائيل، والتي تلزم الطرفين بإعلام بعضهما البعض في حال إقدام أي منهما على تحرك عسكري. فإن لم تكن مصر على علم بذلك التحرك الصهيوني ضد غزة فتلك مصيبة، وإن هي علمت وقبلت الصمت والتجاهل فالمصيبة أعظم.
المسألة الأكثر أهمية من كل ذلك والتي تلح في صيغة تساؤل يطرح نفسه على كل من يتابع تلك الأحداث، هو لماذا هذه الهجمات الإسرائيلية المكثفة وبمثل هذه الشراسة؟
كثافة الهجمات وقسوتها، ومن ثم السبب المباشر الذي دفع تل أبيب إلى شن تلك الحرب، يعود إلى تيقن إسرائيل أن المعارك مهما طال زمنها لا بد وأن تنتهي إلى مفاوضات يعقبها تهدئة. وبما أن الوجود الفلسطيني في غزة أصبح حقيقة يستحيل إزالتها من فوق الأرض، ومن ثم من موازين القوى، وطالما كان الأمر كذلك، فالتكثيف والقسوة يضمنان تحسين شروط المعتدي، وهو الطرف الإسرائيلي، عندما يحين وقت التفاوض، وهو ما بدت تلوح معالمه في الأفق.
لكن الأمر أبعد من ذلك وأكثر استراتيجية بالنسبة لإسرائيل المدفوعة، في مثل الظروف القائمة، إلى تنفيذ مثل تلك العمليات بمجموعة من الأسباب الاستراتيجية البعيدة المدى؛ الداخلية الذاتية والخارجية الإقليمية، والتي يمكن إيجاز الأكثر أهمية من بينها في النقاط التالية:
على المستوى الداخلي الذاتي، تسعى إسرائيل إلى تحقيق ما يلي:
1. الانسجام مع تغذية العقلية الصهيونية التي ترتكز في بنية ذهنيتها وجوهر تفكيرها، ومن ثم تسيطر على مرتكزات تأسيس دولتها واستمرارها على العنف والعدوان، الأمر الذي يجبر حكام تل أبيب على أن يقوموا بين فترة وأخرى بافتعال ظروف تبرر لهم إشعال نيران حروب يستعرضون فيها عضلات قدراتهم العسكرية كي يسكتوا تلك الغريزة العدوانية من جانب ويبثوا الأمان في نفوس مواطنيهم من جانب آخر.
2. جر المقاومة الفلسطينية إلى معارك مباغتة وشرسة تجبر فيها تلك المقاومة على استنفاد آخر ما في جعبتها من مصادر قوة، ومن ثم لا تجد أمامها من خيار آخر سوى الكشف الاضطراري سواء للدفاع عن النفس أو لإشاعة الطمأنينة في صفوف مواطنيها عن آخر أنواع الأسلحة التي بحوزتها، ومدى قدرتها على استخدامها، وبالمقابل اختبار مدى قدرة الآلة العسكرية الصهيونية على التعامل معها وبالكفاءة المطلوبة، وتجربة المعدات والنظم العسكرية الإسرائيلية في خضم كل ذلك. ومن ثم فما يجري اليوم، أشبه بالمناورة الحية للقوات الإسرائيلية، لكن بدلاً من أن تكون داخلية في صفوفها وحدها، يجري جر المقاومة الفلسطينية للمشاركة فيها.
3. تلبية احتياجات الحملات الانتخابية التي مقرر لها أن تجري خلال الشهرين القادمين. وفي بلدان الأنظمة الفاشية من نمط إسرائيل، والمجتمعات العدوانية مثل ذلك الذي تسيره تل أبيب لا تتردد الأحزاب العاملة هناك في سباقها المحموم نحو السلطة أن تستخدم النجاحات العسكرية لقلب موازين قوى العملية الانتخابية لصالحها. وليست هذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها الأحزاب الإسرائيلية إلى استخدام ساحات الحرب كميادين لسباقاتها الانتخابية.
هذا على الصعيد الداخلي، أما على المستوى الخارجي، فلإسرائيل مآرب أخرى يمكن حصرها في النقاط التالية:
1. جس نبض ردة الفعل العربية، وعلى وجه الخصوص مصر، وتقدير مدى خطورتها على موازين القوى الفلسطينية – الإسرائيلية. والمقصود هنا قياس السقف الذي سترتفع إليه ردة الفعل تلك، وهل ستقف عند مستوى الرد السياسي الشاجب للممارسات اليهودية، والمتعاطف مع تلك الفلسطينية، أم سيرقى إلى ما هو أعلى من ذلك، وحينها يشكل خطراً على معادلة الصراع كما هي عليه اليوم، ومنذ حرب أكتوبر في السبعينيات من القرن الماضي.
2. على شكل مواز لتلك العملية، تعمل إسرائيل على تهيئة المنطقة لحسم الصراع وبشكل نهائي في سوريا، التي لم يعد في مصلحة الأطراف الخارجية، استمرار الأوضاع على ما هي عليه اليوم. ومن ثم، وفي غمرة انشغال العالم بما يجري في غزة، وتركيز الأنظار على أحداثها، تلتف إسرائيل كي توجه ضربة موجعة لنظام الأسد، كي تنقلب موازين القوى في غير صالحه، وينجح، طرف آخر ليس بالضرورة من هم على مسرح الأحداث السورية اليوم، كي يقطف ذلك التحول في موازين القوى، ومن غير المستبعد أن يكون ذلك الطرف من داخل المؤسسة السورية الحاكمة ذاتها.
3. جر أقدام إيران، في حال نجاح ما هو مخطط لسوريا، إلى الدخول إلى ساحة حرب في معارك مبكرة، لم تستعد طهران بعد لها، ولم تحشد لها قواتها، الأمر الذي قد يدفع طهران إلى الإقدام على خطوات غير محسوبة العواقب، تقودها ردود فعل آنية، تتيح لإسرائيل، مدعومة، بطبيعة الحال بقوى دولية من مستوى الناتو، إلى توجيه ضربة لطهران، قد لا تكون مدمرة، لكنها موجعة، وترغم إيران على الانكماش والتقوقع الدفاعي، بدلاً من سياسة التوسع الهجومي الذي تمارسه اليوم في المنطقة.
هذه مجموعة من السيناريوهات المتوقع أن تتمخض عنها معارك غزة، فهل يدرك العرب ما ينتظرهم، ويخططوا لمواجهته، أم يستمروا في مناطحاتهم الداخلية، التي لا تغني من فقر ولا تسمن من جوع.