لعقود طويلة تعود الشعب الأردني الشقيق سماع خطاب حكومي التقطت مفرداته من قاموس البنك الدولي، وصيغ أسلوبه بمركز الدراسات السياسية والدولية «CSIS»، وهما أكثر المراكز بلاغة لتسويق المشاريع الاقتصادية والسياسية، ولأن «العذر لا يملأ بطن الجوعان» خرج المواطن الأردني للشارع، فما الذي دفعه لذلك؟ هل هو الفقر الذي جعله يكفر بمقولة الوطن ثروة الفقراء؟ أم هم، كما تقول الحكومات العربية، «هؤلاء الإخوان المسلمون» الذين يؤلبون الشعوب ضد حكوماتهم بمطالب سياسية مغلفة بالدين رغم براغماتيتهم الحادة، حيث قرروا مقاطعة الانتخابات النيابيّة بسبب قانون الصوت الواحد الذي يرجّح كفّة القبائل في الأردن، في الوقت الذي يقاطعون فيه انتخابات الكويت دعماً للقبائل بسبب قانون الصوت الواحد نفسه، أم أن السبب هو، كما قال مدير الأمن العام، «مجموعات خارجة عن القانون تم ضبطها وهي تعمل لاستفزاز الشارع الأردني»؟.
إن قدر الأردن هو أن يكون الصندوق الأسود للتحولات الديموغرافية الأليمة في الإقليم منذ سقوط الدولة العثمانية، فقد تدفق عليه -وهو بلد محدود الموارد -السوريون جراء حربهم مع الأسد 2011، وقبلهم تدفق العراقيون بعد سقوط صدام 2003م، وكانوا قد تدفقوا كما تدفق الفلسطينيون جراء احتلاله الكويت 1990م.
وحتى لا ندخل حين تشتد الأزمات في تبادل النفي بدل تبادل الاعتراف، تلزمنا الأمانة بشقيها الأخلاقي والمنهجي أن نقر كخليجيين بأنه منذ سقوط نظام صدام وكواليس القرار السياسي في الخليج تعتبر أن الأردن دولة خليجية، وقبل عامين أكد الزياني ذلك بشكل رسمي، وصرح أن قادة مجلس التعاون قرروا إنشاء صندوق لدعم الأردن دون التطرق إلى ملف ضمه والمغرب للمجلس بعد مبادرة خادم الحرمين الشريفين، تلا ذلك إقرار المجلس لــ 5 مليارات دولار للأردن مقسمة بين السعودية والإمارات والكويت وقطر، بمعدل مليار ومائتين وخمسين ألف دولار سنوياً للاستثمار بالمشاريع الاستراتيجية التنموية في قطاعات الطاقة والمياه والنقل.
فما الذي حدث؟ وهل الأزمة الأردنية الحالية نتيجة للإدارة السياسية والاقتصادية الفاشلة لغياب خبراء محنكين عن حكومة رئيس الوزراء الأردني عبدلله النسور! أم لغياب المساعدات الخليجية المستحقة كما تقول مصادر حكومية ومعارضة على حد سواء؟
لا شك أن حكومة النسور تتحمل الكثير مما يجري حالياً في عمان، فهل تدار السياسة الاقتصادية للدول بأسلوب الاقتراض أو المساعدات حتى يتم تحميل دول الخليج في توسع غير مسبوق جزءاً من الأزمة بأسلوب يتعدى درجة العشم الأخوي لدرجة الاتهام بحيك مؤامرة! حيث جرى تسريب متعمد لملحوظة «النظرة الاستراتيجية للتعاون الأمني مع دول الخليج»، كما يراها رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبدلله النسور، والتي تقول إن دول الخليج ستنفق نصف ثروتها على شراء صواريخ دفاعية لو حصل شيء في الأردن، تلاها تحليلات تلفيقية من المعارضة تقول إن المساعدات الخليجية للأردن كانت مشروطة بمشاركة عمان في الجهود الخليجية المباشرة لإسقاط نظام الأسد عبر خلق ممرات إنسانية ومنطقة عازلة على الحدود، لكن تهرب عمان من المشاركة في هذه الاستراتيجية خلق انتكاسة للدور الخليجي على خريطة الأزمة السورية، وإذا تجاوزنا الأولى لغياب مصدر موثوق، فمقتل التلفيق الثاني هو في اعتراف النسور أن الكويت قد وضعت مؤخراً وديعة مالية بقيمة 250 مليون دولار في البنك المركزي الأردني.
ليست الأردن عضواً في مجلس التعاون؛ لكن الفارق بين ما هو قائم وبين العضوية الكاملة ضئيل جداً، فهناك علاقات استراتيجية متميزة مع دول الخليج على كافة الأصعدة، وأمن الخليج يقوم على دوائر عدة منها دائرة الدفاع العربي المشترك، حيث تتوسط الأردن عقد تلك المنظومة، واستراتيجياً لا بأس من أن تكون الأردن عبئاً اقتصادياً على دول التعاون في الأزمات، في الوقت الذي تكون العواصم الخليجية مجتمعة أو منفردة عبئاً أمنياً واستراتيجياً على عمان حين الحاجة. لكن الخوف هو في أن يخيب أملنا في الأردن في يوم عبوس كالثاني من أغسطس 1990م، كما خاب أملهم في وصول جزء من الخمسة مليارات دولار الموعودة في الوقت المناسب، وعليه نجد أن الدعوات الشعبية في بعض دول الخليج لتقديم مساعدة للأردن من خلال ضخ الوقود والمحروقات المتوفرة لدينا لسد عجز 2 مليار دولار هو الحل الأمثل لكي يستمر الأردن كجزء من أمن الخليج.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}