كلنا يجمع أن الإمام الحسين عليه السلام ليس مُلْكاً لطائفة دون أخرى، وليس حكراً على أحد دون سواه، بل هو ينبوع فكر وعز لكل البشرية وعلى مرِّ الأجيال.
إذا كان الإمام الحسين لكل الإنسانية؛ فمن الأولى أن يكون للمسلمين راية لوحدتهم لأنه ضحى في سبيل نهضة الأمة، وفي أن تكون أُمتنا أمة واحدة، أما غير ذلك من المفاهيم المنحرفة عن خط الرسالة، فإننا لا يمكن لنا أن نقبلها أو نتقبلها، فالحسين مركز لتوحيد أنظار وأفكار وقلوب كل المسلمين.
ليس هنالك اليوم مجال للاستئثار بشخصية الحسين وأهداف الحسين وقيم الحسين، فالحسين ضحى في سبيل تصحيح المسار الأعوج في واقع الأمة، كما إنه أراد أن يوحدنا عبر الزمان ليلفت نظرنا من خلال تضحياته الجِسَام إلى أن نكون أمة واحدة.
إن من أبرز من دعا لهذه المضامين الإسلامية والإنسانية الكبيرة، الراحل السيد محمد حسين فضل الله، وذلك حين استطاع أن يجعل من واقعة كربلاء ومن شخصية الإمام الحسين محطة للتزود لبقاء وحدتنا وعزتنا وكرامتنا، دون التعدي على المذاهب والطوائف والمعتقدات، ومن هنا كان يقول (لقد وَحَّدَتْ عاشوراء أولئك الصفوة الطيبة على اسم الّله من خلال الإمام الحسين (ع)، وعاشوراء هذه قادرة أن توحدنا الآن. إنَّ الساحة تحتاج إلى الوحدة اليوم كما كانت تحتاجها في أيّ مرحلة أخرى.. الوحدة في كلِّ مجال. لا تحاولوا أن تلعبوا بالمصير كما يلعب الأطفال بالكرة. اسحقوا كلَّ حساسياتكم وكلَّ عقدكم وكلَّ أطركم، وليبقى هناك شيء واحد هو كلمة الّله ومصير الأمّة.. لا تتلاعبوا بمصير الأمّة على أساس هذه الأشياء الصغيرة التي تختلفون عليها (إنَّ الّله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنَّهم بنيان مرصوص)، لكنَّ المهم أن نكون بنيانًا مرصوصًا في النفوس قبل أن نكون بنيانًا مرصوصًا على الأرض. إنَّ المهم أن تكون نفوسنا مليئة بالّله وبحبّه).
بهذه العبارات يقطع فضل الله الطريق على كل أشكال الانحراف الفكري والسلوكي لبعض المسلمين من خلال تبنيه نظرية الوحدة الإسلامية، انطلاقاً من عاشوراء الحسين، لأنه يعتقد كما نعتقد نحن جميعاً أن الحسين خرج واستشهد في سبيل إعلاء راية الحق وتوحيد كلمة المسلمين، أما في حال أراد البعض أن يختزل الحسين في طائفته أو في فكره فإنه بذلك يحجَّم من عظمة هذا الإنسان الكبير، مما سيمنع هذا الوعي الأعوج والمنحرف من أن يستفيد بقية العالم من فكره ووعيه.
علينا اليوم ونحن نعيش في ذكرى عاشوراء الحسين عليه السلام ولسان حالنا يصف وجع التشرذم والضياع والتخبط الذي يعيشه المسلمون من أن نتخذ من الحسين منارة للعلم والمعرفة والتسامح والتعايش ولَمِّ الشَّمل والدعوة إلى الوحدة الإسلامية، لا أن نجتزئ كمال الشخصية في ترسيخ قناعات فردية أو مذهبية، وكأننا نمنع الماء المعين عن بقية الظامئين من بني البشر، فالحسين يوحدنا حتى ولو تفرقنا، فكيف إذا اجتمعت إرادتنا وإرادة سيد شباب أهل الجنة؟.