وضع صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء النقاط على الحروف في حديثه عن حقوق الإنسان في البحرين حين التقى بوفد المفوضية السامية لحقوق الإنسان برئاسة فرج فنيش رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمفوضية والذي زار البحرين مؤخراً بهدف الوقوف على الإنجازات التي حققتها البحرين في هذا الملف حيث تحدث سموه معهم بكل شفافية عن هذا الملف وعن الحقائق التي حاول الآخرون تزييفها وإعطاء صورة مشوهة ومغلوطة عن حقوق الإنسان في البحرين لا تنسجم ولا تتناغم مع الواقع على الأرض.
لقد توقفت عند الكثير من النقاط التي أثارها سموه حول هذا الموضوع والتي باتت تشغل بال الكثيرين في الشارع البحريني وقد شدني تناوله للقضية ومقاربتها بأسلوب علمي دقيق حيث انطلق في بداية حديثه من خطوة أرى أنها أساسية وهي البداية الصحيحة لمناقشة أي مشكلة وفي أي مجال. فضبط المصطلحات والمفاهيم هي مرحلة مهمة يجب أن ينطلق منها جميع الأطراف المشاركين في مناقشة قضية أو مشكلة ما ولذا فإن وقوف سمو رئيس الوزراء عند مفاهيم حقوق الإنسان والتفريق بينها وبين مفهوم الإرهاب هي خطوة علمية ضرورية تفضي في النهاية إلى الوصول إلى نتائج مهمة وجوهرية بشأن هذا الملف. وفي رأيي وبدون أدنى شك أو مواربة أن هذه الانطلاقة في كلام سموه مع الوفد الزائر سيكون لها صدى طيب وردود فعل إيجابية على صعيد سجل البحرين الحقوقي وستظهر آثارها الإيجابية في الأيام المقبلة؛ لأنه حين خاطب الوفد قائلاً: «نتلاقى معكم على الهدف والمهمة وهو حفظ حقوق الإنسان وصون كرامته فالبحرين بلد ديمقراطي إصلاحي ومشاركة شعبية تحترم فيه الحقوق وتصان الحريات «فهو يعني ما يقوله ولم يجاف الحقيقة إذ إن البحرين منذ انطلاق مشروعها الإصلاحي وهي تسعى وتعمل في هذا الاتجاه وقد قطعت شوطاً كبيراً على هذا الصعيد وهذا باعتراف رئيس الوفد حين قال: «البحرين حققت إنجازات مهمة على صعيد حقوق الإنسان يمكن البناء عليها».
قد يظن البعض وخصوصاً أولئك الذين يتمنون فشل البحرين في امتحان حقوق الإنسان أن رئيس الوفد كان يجامل القيادة السياسية بحكم أنه ضيف على أرض البحرين الطيبة وأنه من باب آداب الضيف أن يطري البلد المضيف وهذا في اعتقادي غير صحيح؛ لأننا تعودنا من الخبراء غير المؤدلجين في مجال حقوق الإنسان قول الحقيقة وليس من صفاتهم المجاملة في التعامل مع ملف حقوق الإنسان في كل بلاد الدنيا فهم يتعاملون بمهنية عالية ولو أنهم رأوا تقصيراً في هذا الجانب عند بلد ما فإنهم لا يترددون في كشف الحقيقة وقولها بكل صراحة. ونتيجة لذلك يذهب رئيس الوفد إلى القول إن لدى «البحرين إنجازات يمكن البناء عليها» وهذا يعني أن البحرين قد أنجزت الكثير وتحتاج لبعض الوقت لتكمل مشوارها في هذا الطريق وهي على استعداد للتعاون مع كل المنظمات والهيئات الدولية في مساعدتها على تحقيق المزيد في هذا المجال وهذا ما أكده رئيس الوفد حين قال: «إننا جئنا للبحرين متعاونين وليس محققين» وفي هذا دلالة كافية على أن البحرين صادقة في توجهاتها نحو ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان ونشرها في المجتمع، ولذا فهي تُشرع أبوابها للهيئات والمنظمات الحقوقية وترحب بوفودها التي ترغب بزيارة البحرين بقصد الاطلاع والوقوف عن كثب على حجم الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع؛ لأن البحرين وكما عبر سمو رئيس الوزراء «بلد العائلة الواحدة ولا يمكن أن نقبل على أي فرد من شعبنا أن يضار أو يُنال من حقوقه الأساسية أو أن تمس كرامته، فشغلنا الشاغل حماية هذه الحقوق ومنها حق الإنسان بالعيش في أمن واستقرار دون ترويع أو إرهاب». وأضاف سموه أن «الحريات في البحرين متاحة ومكفولة دستورياً ولكن حينما يستهدف تحت عباءة الديمقراطية أمن الآخرين أو استقرار البلد أو تهديد اقتصاده أو تشكيل الخطر على تماسك المجتمع والسلم الاجتماعي فيه، فإن الأمر يتعدى مفهوم الحرية إلى الإرهاب وعندئذ لا بد من مواجهته، فلا يمكن أن يترك الإرهاب والحرق والعنف والتدمير دون إجراء، فمحاربة الإرهاب ليس حكراً على البحرين بل متفق عليه دولياً».
إن الحديث الذي نقلته الصحافة المحلية عن هذا اللقاء يبين أن سمو رئيس الوزراء كان صريحاً وواضحاً إلى أبعد الحدود في طرح وجهة نظر البحرين وموقفها الثابت من هذا الملف. وكان توصيفه للمشهد الحقوقي دقيقاً وفي قمة الشفافية ويتقاطع مع رؤية شعب البحرين لملف حقوق الإنسان ولذا كان حريصاً في انتقاء الكلمات التي تعبر عن حقيقة هذا المشهد ولذا فهو يشدد على مسألة التفريق بين ممارسة الحريات المكفولة دستورياً وممارسة الإرهاب؛ لأن هناك فرقاً كبيراً بين الإثنين وهو ما أراد سموه توضيحه للوفد خصوصاً أنه يعلم جيداً أن هناك أطرافاً داخلية وخارجية تتعمد تشويه الحقائق في هذا المجال بهدف تحقيق أغراض سياسية باتت مكشوفة ومعروفة للجميع. ولذا نراه في هذا السياق يؤكد للوفد على أن عدم إنصاف البحرين في مجال حقوق الإنسان يرجع إلى المعلومات المغلوطة والمشوشة التي تصل إلى من يقوم بتقييم سجل حقوق الإنسان في البحرين ولتصحيح هذا الوضع غير المستقيم وُجهت الدعوة للمنظمات الحقوقية لزيارة البحرين والإطلاع عن كثب على حقيقة الأوضاع بكل شفافية، فليس لدينا ما نخفيه أو نخافه حسب تعبيره.
إن المتمعن في كلمات رئيس الوزراء وعباراته الجامعة التي استخدمها في توصيف المشهد الحقوقي في البحرين سيدرك أن سموه يتمتع بحس وطني شديد، وبوعي سياسي عميق وهذا يتجلى في دقة اختياره للكلمات وعنايته الشديدة للعبارات التي فيها دلالات على أن سموه يريد أن يوصل رسالة لمفوضية حقوق الإنسان مفادها أن البحرين حريصة كل الحرص على الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان لكن التزامها بهذه المواثيق يحتم عليها أيضاً احترام شعبها وحمايته من الإرهاب الذي ترتكبه بعض الجماعات السياسية باسم هذه الحقوق ولذا فهو يأمل من هذه المنظمات النظر بموضوعية لهذا الملف ولا ينساق بعضها وراء الأكاذيب التي تروجها تلك الجماعات، وفي ظني أن رسالته قد وصلت إلى أصحاب الشأن وأن نتائجها وثمارها ستنعكس إيجاباً على البحرين وهذا ما ستثبته الأيام القادمة.