لن نتحدث عن بطولات اصطناعية كما يتحدث الآخرون، ولن نتكلم عن معارك حربية مفبركة كمعركة نصرالله وإسرائيل، بل نتحدث ونستشهد ببطل من أمة الإسلام الناصع وهو «يوسف بن تاشفين» ثاني ملوك دولة المرابطين بالمغرب، وننشر هنا نصاً من رسالته التي بعثها رداً على رسائل تطلب إطلاق سراح المعتمد بن عباد حاكم قرطبة آنذاك: «تقولون، لنرحم الرجل فقد كبر سنه وذهبت دولته ولم يعد يملك من الأمر شيئاً.. وما سلم حتى قتل منا نفراً كثيراً، وقد لقينا منه ما لم نلقَ من الرومي وجيشه، فما بالكم تذكرون آخر الأمر ولا تذكرون أوله، وتذكرون العاقبة وتنسون الأسباب وتتشفعون له وتقولون، أرحموا عزيز قوم ذل، وما ذل حتى أذل، وإنما إذلاله إذلال رجل واحد، وكان ذله ذل أمة بأكملها»، فهذا هو جواب القائد الشجاع الذي يذكر الأمر كله ويأخذ الحق كله، ويبسط العدل حين لا يتنازل عن حق الأمة وإذلالها، ومن هذا تبقى الأمة وتسيد، وهكذا هي سيادة الدولة بسيادة قوتها ونفاذ قرارتها دون الالتفات إلى استغاثة كاذبة ولا رجاء خبيث فيه يبرأ المجرم، كي يعود أكثر إجراماً، فالحية تبقى حية مادام رأسها لم يقطع وسمها لم يسحب.
وها هو تاريخ الأمة يعود ويتجدد بمختلف الصور والأشكال، وها هو شكل منه في البحرين، قد تتشابه الرسائل نفسها التي فيها الاستغاثة والمطالبة بإطلاق سراح من غدر بالبحرين وعبث بأمنها حتى كادت أن تصبح أرضاً محتلة يعيث فيها أولئك الذين يرجون إطلاق سراحهم بدعوات ومبررات كاذبة، بأنهم سجناء رأي وغيرها من مبررات، وأنه نحمد الله أن نجا البحرين من غدر هؤلاء وإلا لحولوا أعمدة الإنارة والإشارات المرورية والرافعات إلى مشانق، ويدفع الناس إليها بتهم الإرهاب الذي لن يذكر على لسانهم رأي سياسي ولا غيره، وإنما سيساقون كما تساق «الخراف» إلى سكين القصاب.
وما دعوة المطالبة بإطلاق سراح المسجونين الذين شاركوا وقادوا المؤامرة الانقلابية، إلا دعوة أساسها عودة هؤلاء إلى الساحات ليقودوا المظاهرات والمسيرات بعد أن تستقبلهم جماهيرهم وتقبل أيديهم وتتبارك بعمائمهم وتتمسح بتراب أحذيتهم، نعم.. إنهم يحتاجونهم اليوم لتصعيد الإرهاب، ومن ثم تقف الدولة مكتوفة اليدين أمامهم، بعدما تصبح غير قادرة على إعادتهم إلى السجون، إذ إن إطلاق سراحهم بعد الخيانة العظمى والجريمة الكبرى، لن يكون هناك مبرر له بعدها، فتعود المؤامرة الانقلابية ويعودون إلى ساحة أخرى قد تكون المرة القادمة البديع التي تشهد اليوم عملية تهجير ممنهج بزيادة حدة الإرهاب التي تدفع بالمواطنين ببيع أملاكهم والبحث عن مناطق أكثر أمناً، وهو أمر سيتم التطرق إليه بشهادة أهالي البديع.
وإن الدعوة التي يطلقها أولئك بإطلاق سراح المجرمين والحوار المباشر بين من يسمونهم المعارضة والدولة، لهي دعوة طائفية مقيتة تتسم بكل صفات الخيانة والظلم والاستبداد عندما تكون هذه الدعوة أقصاء الأغلبية الأصيلة التي تنتمي إلى تراب البحرين كأصل وتاريخ عريق، ليس تاريخ وافدين جاؤوا للعمل في المزارع، ولا تاريخ عكارة أو بيع الخضروات على العربات، وإنما تاريخ بدايته مع بداية هذه الأرض وبداية تاريخ الإسلام وحتى هذا اليوم، وإن الدعوة التي نتحسسها ونسمعها تتردد لهي دعوة آثمة لا تخرج إلا من آثمين معروفين بولائهم الكلي لطهران التي كانت تقود المؤامرة الانقلابية، ومن في السجون اليوم كانوا جنوداً لها ينفذون مخططاتها، ولقد أثبتت القنوات الفضائية التي تدعمهم، انتماءهم وولاءهم لإيران، فما منهم واحد إلا خرج على قناة من قنواتها، وما منهم واحد إلا قبل أيادي مرجعياتها، وما منهم واحد إلا وضع يده في يد المجرم الذي حاول أن يجعل من البحرين أرضاً محتلة فهو شريك في نفس الجريمة، وإنهم ليسوا سجناء رأي بل سجناء جرائم عقوبتها في كتاب الله الصلب والتقطيع والنفي، لا راحة واستراحة في سجون مهوّاة ومرافق مسلية وطعام متنوع ومشروبات متعددة ووسائل ترفيهية مشكلة.
إن رسالة يوسف بن تاشفين اليوم تعيد إلى ذاكرتنا ما فعل هؤلاء من إذلال للدولة وللشعب، عندما جعلوا شعب البحرين سجيناً وأسيراً يترقب مصيره ويرتجي رحمة الله عندما منعوا عنه العلاج والمرور، حتى بكت النساء ومات الأطفال والمرضى في بيوتهم بدون طبيب ولا مسعف. إنها الرسالة التي تعكس مشاعرنا تجاه تلك الفترة المظلمة من تاريخ البحرين. إنهم اليوم الكاذبون يذكرون آخر الأمر ولا يذكرون أوله، ويذكرون العاقبة وينسون الأسباب ويتشفعون في من غدر بالبحرين وظلم شعبها عندما يدعون إلى إقصاء مكونها الرئيس وأغلبية شعبها من حقهم في أن يعيشوا كراماً في ظلال حكامهم آل خليفة الكرام.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}