سنقول لكم ما قاله خامنئي عن الثورة الحالية في العراق، يقول “إن إطاحة المالكي من الحكم خط أحمر”، وهو رئيس وزراء ليس عن كفاءة ولا بطولة ولا وراثة، ولم يأته بتاريخ ماجد ولا شجاعة منفردة ولا تاريخ سياسي، فتاريخه معروف، وتعيينه ثمن دماء الملايين من الشعب العراقي، يقول عنه خامنئي اليوم “خط أحمر”، لأن إسقاطه والإطاحة به، حسب ما أشارت مصادر، أن القيادة الإيرانية تعتقد أن تغيير المالكي أمر خطير وأن إقدام التحالف الشيعي على هذا القرار يعني أن انشقاقات ستصيب البيت السياسي الشيعي وهذا لن تسمح طهران بحدوثه، وأن الإطاحة ستؤدي إلى إرباك الوضع في سوريا، لأن المالكي نجح طيلة 22 شهراً من عمر الثورة السورية على تحويل الأراضي والأجواء العراقية إلى عمق استراتيجي لقوات نظام الرئيس بشار الأسد دون أن يواجه اعتراضاً أميركياً قوياً.
في البحرين تسعى الحركة التمردية الصفوية ومعها إيران لإسقاط الحكومة البحرينية ذات التاريخ المجيد، وهي حكومة استلمت السلطة عن جدارة وكفاءة، حكومة لم تقترف جرائم ولم تبد عرباً ولا عجماً، حكومة ساوت بين الناس في كل مجال ومكان، حكومة يطالب بإقالتها الإيراني العميل، كي يصيب البيت السياسي السني بالانشقاقات ويفرقه عن ولاة أموره، هذا هو المقصود من المطالبة بحكومة محاصصة طائفية، وذلك كي تسقط البحرين وتبسط أراضيها وتفضي أجواءها للطائرات الإيرانية والقوات الأمريكية لتضرب دول الخليج وباقي الدول العربية، وساعتها لن يكون هناك اعتراض أمريكي ولا روسي، فالحكومة ستكون بالتأكيد عميلة، سنية كانت أو حتى شيعية، لأن قرار بقائها واستمرارها مرتب بإرادة خامنئي، وبعدها سيصبح رئيس الوزراء “المنتخب” خطاً أحمر، وذلك حين يحمي المصالح الإيرانية الاستراتيجية، ويقوم بفصلها تدريجياً أو مباشرة عن دول الخليج العربي.
وها هو ممثل خامنئي في البحرين، عيسى قاسم، يقول الخطاب نفسه عن تدخل المرجعية الشيعية في تحديد المسار السياسي للبحرين: “إن المسار السياسي من أهم المسارات التي تحتاج إلى المتابعة والإصلاح، وبذلك تكون الدعوة الإصلاحية في هذا المجال من صلب وظائف المجلس العلمائي”... نعم؛ يريدون حكومة تستمع إلى المجلس العلمائي، وسنضرب لكم مثال على هذه الحكومة التي تسعى إليها الوفاق والتي سيكون وزراؤها رهن المجلس العلمائي، حين يكون وزراؤها يدينون بالولاء التام ويكون هو من يحدد لهم مسار البحرين السياسي، كما فعل أحد الوزراء في العام 2005 حين التقى مع بعض أعضاء هذا المجلس ليناقش معهم وجهاً لوجه حل أزمة البطالة من خلال تأهيل الباحثين عن العمل وتدريبهم لشغل الشواغر، فها هو المجلس العلمائي يتدخل في سياسة الدولة عن طريق وزير واحد، فما بالكم حين تكون الحكومة عليها رئيس منتخب ترتعد فرائسه، ونفسه ومنصبه مرهون برضا هذا المجلس، وما بالكم إذا كانت نصف مقاعد للحكومة تتبع المجلس العلمائي، أما النصف الثاني فلن يكون حاله أفضل من رئيس وزرائه، فبقاؤهم أيضاً مرهون برضا المجلس العلمائي الذي سيقرر من يبقى ومن يستمر.
نعود إلى الخط الأحمر المقدس لخامنئي، حيث يؤكد خامنئي أن الفضل يعود للمالكي في هيمنة الشيعة على الحكم في العراق، وبالتالي فإن خروجه من السلطة قد ينهي هذه الهيمنة ما يدفع بحزب البعث إلى العودة وبقوة إلى بعض المؤسسات الحيوية، والأمر نفسه في البحرين، وذلك حين يعود الفضل إلى عيسى قاسم أو علي سلمان في هيمنة اتباع الولي الفقيه على الحكم، وها هم يسيطرون على المؤسسات الحيوية، فما بالكم بعدها إذا تم الأمر لهم سواء بنصف المقاعد أو مناصب عليا في الدولة، وكذلك هذا الخطاب يكشف لنا كيف تمت السيطرة على المؤسسات الحيوية في الدولة، إذ كان مخططاً لها وتم التنفيذ في غفلة الدولة حين تركت “الجمل بما حمل”، خصوصاً في السنوات الأخيرة، حين أحكمت السيطرة على شركة الطيران والاتصالات والنفط والكهرباء ووزارة التجارة وهيئة سوق العمل ووزارة العمل، حيث تم من خلالها التأهيل والتدريب والابتعاث، والأموال التي وفرها الوزير “المستقيل” عبر “تمكين” لدعم فئة دون فئة، حيث كانت “تمكين” تتبع هيئة سوق العمل ووزير العمل ووزير الدولة آنذاك، الذين أحكموا السيطرة ليس على الشركات الكبرى بل حتى المؤسسات الحكومية، ولم يبق الآن إلا المؤسسة الأمنية التي حاولت أكذوبة البطالة فتح مجال التوظيف فيها، وتبقى العين على المؤسسة العسكرية.
إن الاصرار على الحكومة المنتخبة وتعديل الدوائر الانتخابية والمطالب بنصف المقاعد في الحكومة، هو المسار السياسي الذي يسعى إليه عيسى قاسم، والذي قال “أن المسار السياسي من أهم المسارات، وأنه من صلب وظائف المجلس العلمائي”، وهو نفس خطاب خامنئي الذي يرى وجود المالكي يعني هيمنة الشيعة على الحكم في العراق، وكذلك الأمر بالنسبة لهم لا يختلف في البحرين، فاستمرار الوفاق كمعارضة شيعية تشكل الحكومة يضمن الهيمنة على البحرين، كما ضمن حزب الله الهيمنة على لبنان، ولكن تبقى الدولة هي المسؤولة أمام الله والأجيال حين تمهد الطريق أمام وزراء يأتمرون بأمر المجلس العلمائي كما فعل ذاك الوزير، وذلك حين ينتج عن الحوار مفتاح واحد تفتح من خلاله باقي الطرق لولاية الفقيه.