هكذا قال ويقول أولئك الذين اعتمدوا التحريض من الذين اختاروا العيش في الخارج، قالوا «لم نفوض أحداً»؛ معتبرين أنهم هم أصحاب القرار وليس الذين يعانون في الداخل من ويلات التفكير المتطرف، وشرحوا؛ «لم نفوض أحداً ليكون ممثلاً سياسياً وحيداً للشعب»، مبينين أنهم لا يوافقون الوفاق ومن معها من جمعيات سياسية رأت أن الحوار هو المخرج الوحيد للإفلات من هذه الأزمة التي صارت تأكل كل شيء.. أخضر ويابساً، وحسموا أمرهم بالقول «إن كل مشاركة في حوار هي عبث مطلق وفضولية حزبية».
ورغم أن قولاً كهذا ومواقف سالبة كهذه تدخل في خانة الأمور الغريبة؛ إلا أنها كانت متوقعة من هؤلاء تحديداً، ليس فقط لأن يدهم في الماء ويستمتعون بالعيش في الأجواء الباردة التي ترد الروح، وليس فقط لأن أطفالهم في المدارس الأوربية ويحصلون على أفضل فرص التعلم وما يهيئهم للمستقبل، ليس فقط لهذه الأسباب ولكن لأنهم ظلوا ينتظرون شهر فبراير بفارغ الصبر كي يشحنوا البسطاء الذين من دونهم لا يستطيعون تحقيق ما يصبون إليه، وهو إسقاط النظام، الذي حلموا به طويلاً ولن يتحقق (وهذا يدركه كل من يمتلك القدرة على قراءة الواقع بموضوعية).
من هنا فإن أي دعوة للحوار تظل مرفوضة منهم، وأي محاولة من الجمعيات السياسية في الداخل للدخول في الحوار والقبول بنتائجه هو خيانة.. وعبث وفضولية حزبية.
لهذا فإن المتوقع هو أن ينفذ الذين تعودوا الاستجابة لتلك الدعوات عديد من الفعاليات التي تهدف إلى التأثير على خطوة الحوار والتقليل من شأن نتائجه وتؤدي إلى إبقاء حالة التوتر والفوضى التي لا يعرف البعض أن يعيش خارجها. من ذلك على سبيل المثال فعالية (بنك الكرامة) التي تحرض على سحب المدخرات أملاً في تقليل السيولة لدى البنوك الوطنية، وهي الفعالية التي فشلت من قبل بسبب الوضع الجيد للاقتصاد البحريني، فلم يتحقق مشروع «صفروها» الذي تم الترويج له بقوة، وهو لن ينجح هذه المرة أيضاً.
حسب ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يحسن أولئك استخدامه وتوظيفه في عمليات الشحن، فإن الهدف من مشروع «بنك الكرامة» هو «شل الحركة المالية والاقتصادية وتحويل أصول القطاع المصرفي إلى نقد سائل يسحبه العملاء ومن ثم تقليل سيولة المصارف المحلية (الوطنية) إلى أدنى حد ممكن في فترة زمنية قصيرة».. (وهو الهدف الذي كانوا ينكرونه من قبل ويصرون على أنهم لا يسعون إلى تدمير الاقتصاد البحريني).
أما ما صار يعرف بـ «عصيان الكرامة» فموعده يوم الرابع عشر من فبراير، حيث يعتزم البعض الاستجابة إلى دعوات تنفيذ إضراب عام يؤدي إلى «شل البلد»، حسب تعبيرهم، وهي خطوة الهدف منها بات واضحاً؛ وهو قتل مشروع الحوار ومنع أي تحرك يمكن أن يؤدي إلى إخراج البلاد من هذه الأزمة، حيث الخروج منها يعني سقوط مشروع إسقاط النظام.
متابعة ما ينشره ذلك البعض من تغريدات هذه الأيام وما يتم التركيز عليه من أمور في برنامج الاعتداء اليومي على البحرين عبر فضائية السوسة الإيرانية (العالم) والفضائيات الأخرى التي تدور في فلكها كالمنار والمسار والكوثر وغيرها من فضائيات لبنانية وعراقية وإيرانية؛ يؤكد مقدار القلق الذي تسببت فيه دعوة عاهل البلاد للحوار، فهم يعلمون جيداً أن مجرد موافقة الجمعيات السياسية المرخصة على الدخول في الحوار يعرقل مشروعهم ويعزلهم ويتسبب في كشف نواياهم أمام العالم أجمع. لهذا فإنهم يعتبرون كل من يوافق على الدخول في الحوار وكل من يقبل بنتائجه خائناً، فالحوار من وجهة نظرهم عبث.. وفضولية حزبية وخيانة ما بعدها خيانة.