علاقة الجمهور بالصنم علاقة قديمة، بدأت في مرحلة عبادة الأوثان؛ أي فترة ما قبل ظهور الإسلام، ولكنها تلاشت سريعاً بعد البعثة النبوية وإلى يومنا هذا. فما هي هذه العلاقة؟
علاقة الجمهور بالصنم، هي تلك العلاقة التي تقوم فيها الجماهير بتعطيل عقولها من أجل الإيمان بفكرة يمكن أن تسد نقصاً معنوياً وحاجة مادية لديها، ويتم خلال هذه العلاقة طرح البدائل، وتتراوح غالباً بين الشعور بالاضطهاد والظلم وبين الحلم بأمل مستقبلي لن يأتي في يوم ما باعتباره سراباً. ومثل هذه البدائل تضمن للصنم ديمومة القدسية واستمرارها لأطول فترة ممكنة، ولذلك تتحول العلاقة بين الجمهور والصنم إلى علاقة تبعية سريعاً، فيصبح الجمهور مرتبطاً في كافة تفاصيل حياته بالصنم الذي يملك سيطرة وإرادة ونفوذاً معنوياً على أفراد الجمهور، دون أن يتمكن الجمهور نفسه من تحقيق تطلعه في يوم ما.
البحرين لم تكن بمعزل أبداً عن مثل هذه الحقيقة، بل تأثرت بعلاقة الجمهور بالصنم، وهذه العلاقة كانت سائدة في مرحلة ما قبل الإسلام. ولكن عندما دخل الإسلام إلى جزر أوال (أرخبيل البحرين حالياً) خلال حكم المنذر بن ساوى التميمي انتهت العلاقة باستثناء بعض الذين حرصوا على استمرار عبادتهم للأوثان، ولم يقتنعوا بدخول الإسلام، وفرضت عليهم الجزية حينها.
بالتقادم الزمني انتهت علاقة الجمهور بالصنم في البحرين، لأنها تحولت إلى علاقة جديدة تقوم على الإيمان بالإسلام باعتباره الدين الرئيس في المجتمع كبقية مجتمعات منطقة شبه الجزيرة العربية. ولاحقاً استطاع الجمهور بناء الدولة الحديثة في ظل وجود ظروف وعوامل أخرى، خاصة وأن علاقته صارت مع الدولة، وليس الصنم كالسابق. ولكن هل انتهت علاقة الجمهور بالصنم إلى غير رجعة؟
سؤال يقوم على جملة من الافتراضات النظرية، لن نتحدث عنها الآن، ولكننا سنطرح افتراضاً وجود تيار يؤمن بضرورة إرجاع علاقة الجمهور بالصنم، بدلاً من علاقة الجمهور بالدولة، وذلك ما يمكن ملاحظته في محاولات الجماعات الراديكالية خلال الفترة الماضية تنفيذه.
وحتى نكون أكثر تركيزاً يمكن تفسير التحريض والسياسات والمواقف التي يبديها عيسى قاسم كرجل مؤمن بالثيوقراطية أنها تدخل في إطار محاولات إعادة علاقة الجمهور بالصنم. واللافت في محاولات قاسم استغلاله الدين في السعي لتغيير علاقة الجمهور بالدولة إلى علاقة الجمهور بالصنم السابقة.
ولكن كيف يحاول قاسم تغيير علاقة الجمهور من الدولة إلى الصنم؟
العلاقة كما تحدثنا عنها في بداية المقال ترتكز على الأسس التالية:
أولاً: تعطيل عقول الجماهير؛ استطاع قاسم تغيير قناعة الجماهير من دعم مشروع التحول الديمقراطي إلى دعم مشروع الدولة الثيوقراطية التي يؤمن بها ويسعى إليها.
ثانياً: سد النقص المعنوي والحاجة المادية؛ استطاع قاسم سد النقص المعنوي من خلال السيطرة على عقول الجماهير بوعود لا تنتهي أبداً لأنها قائمة على الشعور بالاضطهاد والظلم، وتقديم الأحلام المستقبلية. أما فيما يتعلق بسد الحاجة المادية فإنه استطاع أن يكوّن المجتمع الموازي للدولة البحرينية من خلال شبكة معقدة من المؤسسات متماسكة داخلياً ولها ارتباطات خارجية.
ثالثاً: ديمومة القدسية؛ استطاع قاسم أن يُسبغ القدسية على المؤسسة الدينية التي يديرها في البحرين، حتى صار هناك خلط بين السياسة والدين، فعندما يُنتقد رجل الدين لأنه يمارس السياسة فإنه يعد مساساً بالدين أو المذهب في أسوأ الحالات، رغم أن هناك فرقاً كبيراً بين الاثنين. وصارت الجماهير ترى القدسية في رجال الدين، فما يقوله مقدس، وما يؤمن به مقدس، وما يفكر فيه أيضاً مقدس، وما يعمل به كذلك مقدس.
ولذلك عندما طرح قاسم فتوى (اسحقوهم) فإنها تعتبر تعليمات مقدسة لا يمكن النقاش بشأنها أو تجاوزها، بل يجب تنفيذها، لأنها فتوى مقدسة وإن كانت تقوم على القتل الذي يحرّمه الدين والمذهب أيضاً.