من الطبيعي والمنطقي أن تتحرك إيران من أجل الدفاع عن نفسها، فليس من مصلحتها في شيء أن تقف مكتوفة الأيدي في انتظار ما يحاك حولها من خطط تتلقى نتائجها التي لا يمكن أن تكون متوافقة مع مصالحها الوطنية الداخلية، ولا متسقة مع تحالفاتها السياسية الخارجية. تأسيساً على ذلك من المتوقع أن تتحرك طهران في خطين متوازيين، لكنهما متكاملين؛ أولهما استراتيجي طويل الأمد والثاني منهما تكتيكي قصير الأفق.
على الصعيد الاستراتيجي؛ هناك مساران من المتوقع أن تسلكهما الإدارة الإيرانية، الأول داخلي وهذا يعالج إعادة ترتيب البيت الإيراني من الداخل من خلال إيجاد حلول جوهرية للقضايا المصيرية التي باتت تواجهها طهران بفضل برامجها التي خططت لها وشرعت في تنفيذها منذ الإطاحة بالشاه، فعلى المستوى السياسي هناك الصراعات التي تفجرت منذ أن اعتلى الرئيس الأسبق الحسن بني صدر سدة الحكم حتى يومنا هذا، بكل ما حملته التجربة من تحالفات ونقائضها.
فعلى امتداد الـ33 سنة من عمر الثورة تراجعت القوى الحاكمة اليوم في طهران عن الكثير من العهود التي أعطتها لقوى سياسية أخرى من أمثال منظمة مجاهدي خلق ومنظمة فدائيي خلق، إضافة إلى الحركات الإصلاحية التي خرجت من رحم حركة الإسلام السياسي، ووجدت نفسها في مواجهات صدامية ساخنة كما لمسناها خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة. لم توف الثورة بالتزاماتها إزاء القوى الأخرى التي ساهمت في جهود الإطاحة بالشاه، وعوضاً عن ذلك استفرد الممسكون اليوم بزمام الأمور بعد أن أزاحوا حلفاء الأمس من مواقع لها دورها في صنع القرار.
هنا يتداخل الجانب العقيدي مع ذلك السياسي، وينشأ عن ذلك التداخل وما يصاحبه من اجتهادات مجموعة من التناقضات الرئيسة والثانوية، والتي باتت تهز جذع الشجرة الحاكمة اليوم في طهران وتهدد وجودها الداخلي. وما لم تصل طهران إلى المعادلة السياسية الصحيحة التي تقنع الآخرين بمشاركتهم في صنع القرار السياسي فمن المتوقع أن تجد مشروعات التطويق التي تحدثنا عنها أرضاً خصبة يمكن الاستفادة منها في إنجاح تلك المشروعات، ومن يتابع تطور الأوضاع في طهران يلمس تطوراً إيجابياً في هذا الاتجاه لكنه بطيء ويشوبه كثيراً من التردد.
على نحو مواز هناك الأزمة الاقتصادية الطاحنة، والتي باتت تقض مضاجع حكام طهران خصوصاً بعد انهيار سعر العملة الإيرانية، وما صاحبها من خسائر فادحة في الدخل الوطني ضاعفت من شدتها أزمة ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات لم تشهدها طهران من قبل، وهذا يقتضي إعادة هيكلة الاقتصاد بعد الأخذ في الاعتبار احتمال استمرار برامج التطويق والمقاطعة التي تتشدد العواصم الغربية في تنفيذ بنودها ضد طهران. هذه الإعادة لا بد لها طالما أنها تؤسس لسياسة اقتصادية بعيدة المدى، مراعاة تأثيرات الحصار الاقتصادي الذي سوف تضيق دائرته في المستقبل المنظور. وكما يبدو هناك حركة إيرانية في هذا الاتجاه تحاول أن تستعين بالكفاءات المحلية علها تساعدها في الخروج من الأزمة، وبشكل استراتيجي من خلال وضع برامج استراتيجية بعيدة المدى.
في الوقت ذاته، وعلى صعيد السياسة الداخلية ومن منطلقات تكتيتكية قصيرة المدى؛ باشرت الدوائر الحاكمة في طهران إلى مد يدها نحو بعض قوى المعارضة، وعلى وجه الخصوص الدينية منها سوية مع تلك الكردية من أجل التخفيف من حدة الصراعات وإغرائها ببعض المكاسب إن هي توقفت عن ممارسة المعارضة المناكفة للنظام. وكشفت بعض التغييرات التي بدت في أعين الناظرين من الخارج على أنها شكلية وتجميلية عن هذا التوجه الإيراني الذي بحاجة لبعض الوقت قبل الحكم عليه.
وفي السياق التكتيكي الاقتصادي تحاول طهران التغلب على تداعيات الحصار الاقتصادي بتقديم بعض الحلول الآنية تتعلق بتحسين أوضاع المواطنين السكنية والخدماتية من تعليم ورعاية صحية، لكنها تواجه بعض الفشل جراء الأزمة الاقتصادية المطبقة على البلاد.
هذا على الصعيد الداخلي المحض؛ أما على الصعيد الخارجي السياسي فقد بدأت طهران تعيد النظر في تحالفاتها، وعلى قدم المساواة خلافاتها مع الدول الأخرى، وعلى وجه الخصوص تلك القربية من المناطق الملتهبة. وأسطع مثال على ذلك، ومن منطلق استراتيجي، ما يحدث في الساحة السورية اليوم التي لم يعد في وسع طهران أن تتراجع عن تحالفاتها القائمة مع نظام بشار الأسد فوقها حتى وأن قررت ذلك.
لذلك سوف تتحرك طهران خارجياً وعلى المستوى السياسي على خطين متوازيين؛ الأول دفاعي يعيد صياغة تلك التحالفات من أجل تشكيل جبهة عالمية تكون بمثابة السياج الذي يحيط بإيران ويحميها من أية هجمات خارجية، بما في ذلك احتمال مواجهة ضربة عسكرية محدودة لكنها مؤلمة، تحصر نفسها في المنشآت الاستراتيجية خصوصا تلك التي لها علاقة مع المشروع النووي الإيراني.
من جانب آخر هناك المدخل الهجومي الذي لن تترد طهران عن اللجوء إليه، حيث سنجدها تتحرك مع حلفائها خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط لإثارة القلاقل الملوحة بهجمات عسكرية على مواقع استراتيجية شرق أوسطية، الأمر الذي يهدد بمرحلة ملتهبة في المستقبل المنظور. ولعل في دعم نظام بشار الأسد من أجل تصعيد العمليات العسكرية داخل سوريا ونقل المعارك من سوريا إلى دول مثل لبنان دلائل حية على هذا التوجه الإيراني.
على المستوى الاقتصادي الخارجي ستلجأ طهران إلى الاستفادة من قدراتها النفطية في عقد صفقات طويلة الأمد مع دول مثل الصين وروسيا وبعض دول أوروبا الغربية، بما فيها تلك المنخرطة في مشروع فرض الحصار على طهران، واستخدام تلك العقود في بناء جبهة سياسية مع الدول التي ستستفيد من عقود النفط تلك لمواجهة الجبهة المعادية لها التي تقودها واشنطن. في الوقت ذاته سوف تفتح أسواقها لصادرات تلك الدول فيما يشبه صفقات المقايضة؛ نفط مقابل بضائع، وتجيير ذلك سياسياً في معركتها ضد العقوبات المفروضة عليها.
نجاح طهران في كسر حلقات التطويق أو فشلها رهن بعوامل خارجية وداخلية كثيرة غير تلك التي أوردناها، لكن هناك ثلاث عوامل رئيسة في معادلة محاولات الكسر تلك، الأول هو داخلي محض ويقوم على مدى قدرة إيران على الصمود داخلياً في وجه برامج العزل المفروض عليها دون أن يؤدي ذلك إلى تفكك الجبهة الداخلية. أما الثاني فهو المصير الذي ينتظر نظام بشار الأسد، فطالما بقيت معادلة الصراع السوري دون حل فليس من المتوقع أن تشهد الساحة الإيرانية تطورات في أي من الاتجاهات المحتملة، وسوف تستمر الأمور على الحالة التي هي عليها الآن، وهي عمليات الشد والجذب بينها وبين من يعادونها. أما ثالثة الأثافي فهي الموقف من إيران في برامج المرشحين الأمريكيين المتنافسين، وهل يقدم أحدهما على وضع ضرب إيران كوسيلة للوصول إلى البيت الأبيض.
مشاريع تطويق إيران تضع المنطقة برمتها على كف عفريت، ويأمل المواطن العربي أن لا تكون الحكومات العربية بعيدة عن متابعتها وتقبل بما تفرضه عليها نتائج تلك المشروعات، في حالتي النجاح أو الفشل نصبح في خانة المتلقي السلبي غير القادر على الفعل في تلك الأحداث، حتى وإن هو أراد ذلك.
على الصعيد الاستراتيجي؛ هناك مساران من المتوقع أن تسلكهما الإدارة الإيرانية، الأول داخلي وهذا يعالج إعادة ترتيب البيت الإيراني من الداخل من خلال إيجاد حلول جوهرية للقضايا المصيرية التي باتت تواجهها طهران بفضل برامجها التي خططت لها وشرعت في تنفيذها منذ الإطاحة بالشاه، فعلى المستوى السياسي هناك الصراعات التي تفجرت منذ أن اعتلى الرئيس الأسبق الحسن بني صدر سدة الحكم حتى يومنا هذا، بكل ما حملته التجربة من تحالفات ونقائضها.
فعلى امتداد الـ33 سنة من عمر الثورة تراجعت القوى الحاكمة اليوم في طهران عن الكثير من العهود التي أعطتها لقوى سياسية أخرى من أمثال منظمة مجاهدي خلق ومنظمة فدائيي خلق، إضافة إلى الحركات الإصلاحية التي خرجت من رحم حركة الإسلام السياسي، ووجدت نفسها في مواجهات صدامية ساخنة كما لمسناها خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة. لم توف الثورة بالتزاماتها إزاء القوى الأخرى التي ساهمت في جهود الإطاحة بالشاه، وعوضاً عن ذلك استفرد الممسكون اليوم بزمام الأمور بعد أن أزاحوا حلفاء الأمس من مواقع لها دورها في صنع القرار.
هنا يتداخل الجانب العقيدي مع ذلك السياسي، وينشأ عن ذلك التداخل وما يصاحبه من اجتهادات مجموعة من التناقضات الرئيسة والثانوية، والتي باتت تهز جذع الشجرة الحاكمة اليوم في طهران وتهدد وجودها الداخلي. وما لم تصل طهران إلى المعادلة السياسية الصحيحة التي تقنع الآخرين بمشاركتهم في صنع القرار السياسي فمن المتوقع أن تجد مشروعات التطويق التي تحدثنا عنها أرضاً خصبة يمكن الاستفادة منها في إنجاح تلك المشروعات، ومن يتابع تطور الأوضاع في طهران يلمس تطوراً إيجابياً في هذا الاتجاه لكنه بطيء ويشوبه كثيراً من التردد.
على نحو مواز هناك الأزمة الاقتصادية الطاحنة، والتي باتت تقض مضاجع حكام طهران خصوصاً بعد انهيار سعر العملة الإيرانية، وما صاحبها من خسائر فادحة في الدخل الوطني ضاعفت من شدتها أزمة ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات لم تشهدها طهران من قبل، وهذا يقتضي إعادة هيكلة الاقتصاد بعد الأخذ في الاعتبار احتمال استمرار برامج التطويق والمقاطعة التي تتشدد العواصم الغربية في تنفيذ بنودها ضد طهران. هذه الإعادة لا بد لها طالما أنها تؤسس لسياسة اقتصادية بعيدة المدى، مراعاة تأثيرات الحصار الاقتصادي الذي سوف تضيق دائرته في المستقبل المنظور. وكما يبدو هناك حركة إيرانية في هذا الاتجاه تحاول أن تستعين بالكفاءات المحلية علها تساعدها في الخروج من الأزمة، وبشكل استراتيجي من خلال وضع برامج استراتيجية بعيدة المدى.
في الوقت ذاته، وعلى صعيد السياسة الداخلية ومن منطلقات تكتيتكية قصيرة المدى؛ باشرت الدوائر الحاكمة في طهران إلى مد يدها نحو بعض قوى المعارضة، وعلى وجه الخصوص الدينية منها سوية مع تلك الكردية من أجل التخفيف من حدة الصراعات وإغرائها ببعض المكاسب إن هي توقفت عن ممارسة المعارضة المناكفة للنظام. وكشفت بعض التغييرات التي بدت في أعين الناظرين من الخارج على أنها شكلية وتجميلية عن هذا التوجه الإيراني الذي بحاجة لبعض الوقت قبل الحكم عليه.
وفي السياق التكتيكي الاقتصادي تحاول طهران التغلب على تداعيات الحصار الاقتصادي بتقديم بعض الحلول الآنية تتعلق بتحسين أوضاع المواطنين السكنية والخدماتية من تعليم ورعاية صحية، لكنها تواجه بعض الفشل جراء الأزمة الاقتصادية المطبقة على البلاد.
هذا على الصعيد الداخلي المحض؛ أما على الصعيد الخارجي السياسي فقد بدأت طهران تعيد النظر في تحالفاتها، وعلى قدم المساواة خلافاتها مع الدول الأخرى، وعلى وجه الخصوص تلك القربية من المناطق الملتهبة. وأسطع مثال على ذلك، ومن منطلق استراتيجي، ما يحدث في الساحة السورية اليوم التي لم يعد في وسع طهران أن تتراجع عن تحالفاتها القائمة مع نظام بشار الأسد فوقها حتى وأن قررت ذلك.
لذلك سوف تتحرك طهران خارجياً وعلى المستوى السياسي على خطين متوازيين؛ الأول دفاعي يعيد صياغة تلك التحالفات من أجل تشكيل جبهة عالمية تكون بمثابة السياج الذي يحيط بإيران ويحميها من أية هجمات خارجية، بما في ذلك احتمال مواجهة ضربة عسكرية محدودة لكنها مؤلمة، تحصر نفسها في المنشآت الاستراتيجية خصوصا تلك التي لها علاقة مع المشروع النووي الإيراني.
من جانب آخر هناك المدخل الهجومي الذي لن تترد طهران عن اللجوء إليه، حيث سنجدها تتحرك مع حلفائها خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط لإثارة القلاقل الملوحة بهجمات عسكرية على مواقع استراتيجية شرق أوسطية، الأمر الذي يهدد بمرحلة ملتهبة في المستقبل المنظور. ولعل في دعم نظام بشار الأسد من أجل تصعيد العمليات العسكرية داخل سوريا ونقل المعارك من سوريا إلى دول مثل لبنان دلائل حية على هذا التوجه الإيراني.
على المستوى الاقتصادي الخارجي ستلجأ طهران إلى الاستفادة من قدراتها النفطية في عقد صفقات طويلة الأمد مع دول مثل الصين وروسيا وبعض دول أوروبا الغربية، بما فيها تلك المنخرطة في مشروع فرض الحصار على طهران، واستخدام تلك العقود في بناء جبهة سياسية مع الدول التي ستستفيد من عقود النفط تلك لمواجهة الجبهة المعادية لها التي تقودها واشنطن. في الوقت ذاته سوف تفتح أسواقها لصادرات تلك الدول فيما يشبه صفقات المقايضة؛ نفط مقابل بضائع، وتجيير ذلك سياسياً في معركتها ضد العقوبات المفروضة عليها.
نجاح طهران في كسر حلقات التطويق أو فشلها رهن بعوامل خارجية وداخلية كثيرة غير تلك التي أوردناها، لكن هناك ثلاث عوامل رئيسة في معادلة محاولات الكسر تلك، الأول هو داخلي محض ويقوم على مدى قدرة إيران على الصمود داخلياً في وجه برامج العزل المفروض عليها دون أن يؤدي ذلك إلى تفكك الجبهة الداخلية. أما الثاني فهو المصير الذي ينتظر نظام بشار الأسد، فطالما بقيت معادلة الصراع السوري دون حل فليس من المتوقع أن تشهد الساحة الإيرانية تطورات في أي من الاتجاهات المحتملة، وسوف تستمر الأمور على الحالة التي هي عليها الآن، وهي عمليات الشد والجذب بينها وبين من يعادونها. أما ثالثة الأثافي فهي الموقف من إيران في برامج المرشحين الأمريكيين المتنافسين، وهل يقدم أحدهما على وضع ضرب إيران كوسيلة للوصول إلى البيت الأبيض.
مشاريع تطويق إيران تضع المنطقة برمتها على كف عفريت، ويأمل المواطن العربي أن لا تكون الحكومات العربية بعيدة عن متابعتها وتقبل بما تفرضه عليها نتائج تلك المشروعات، في حالتي النجاح أو الفشل نصبح في خانة المتلقي السلبي غير القادر على الفعل في تلك الأحداث، حتى وإن هو أراد ذلك.