الوقت يداهم إيران وبشدة، وحرب الاستنزاف الاقتصادية والسياسية بدأت تضيق الخناق عليها؛ استنزاف اقتصادي بعقوبات تزيد يوماً بعد يوم واستنزاف سياسي محلي وإقليمي يهدد أذرع إيران و«مداساتها» التي تحركهم في الدول العربية بالتقليم.
لم يعد في الأمر متسع لرفاهية «التقية»؛ فالأوامر صدرت بالتحرك السريع وإن أدى هذا التحرك إلى كشف حجم التنسيق، وفضح التحالف، فالمصلحة القومية الإيرانية فوق أي اعتبار.
ففي لبنان والبحرين وفي نفس اليوم تفجيرات قاتلة ذهب ضحيتها رجال أمن، وفي ذات الوقت يتحدث حسن نصرالله ويتحدث علي سلمان بذات اللغة ويستخدمان ذات المصطلح وهو «التوافقية الطائفية»، يا لها من مصادفة، لم يعد هناك وقت حتى للدبلجة، فلم يعد هناك متسع لتغيير مصطلح بلدات إلى قرى مثلاً.. لا وقت للدبلاج، انشر البيان كما هو وردد الخطاب دون بحرنته أو سعودته أو تكويته وحالما تسمعه باللبناني أو العراقي انسخ وانشر!! فيتحدث ابن القرية البحرينية بلسان يحتاج إلى ترجمة مستخدماً مصطلحات تحتاج إلى مترجم لترجمتها لجمهوره القروي!!
ثم يا لها من مصادفة أن تجتمع حركة أحرار البحرين مع ولاة أمورهم في اجتماع المحافظات الإيرانية، وهي حركة ولدت الوفاق من رحمها ولم تنجح في الانفصال عنها؛ بل زاد تقاربهما وهيمن سعيد الشهابي على قرار الوفاق الحركي الميداني، ولم يتمكن الفرع الأمريكي في الوفاق من تغيير المسار فانصاع وخضع وسار في الركب الإيراني، حتى إن بيانهم الذي صدر بعد صراع داخلي عنيف وبعد جهد جهيد وبعد ضغط شديد من السفارة الأمريكية، قتل منذ اللحظات الأولى، قتله الشهابي وجماعته.
وحركة أحرار البحرين باجتماعها المذكور كمحافظين من محافظي إيران أزالت حتى غشاء التقية عنها، فاجتمعت وصورت الاجتماع لتعلنها صراحة؛ نعم نحن أتباع الولي الفقيه، والبحرين ما هي إلا واحدة من محافظته أدام الله ظله، سعيد الشهابي يضع الوفاق أمام استحقاقها الإيراني، فلا وقت للتقية الآن، المعسكر الإيراني هو من يتحكم في المشهد الوفاقي والائتلاف مهدد بالانهيار.. انظروا من يقود «هستيريا» العكر!!
ثم يتزامن صياح الشيعة في لبنان مع صياحهم في البحرين بالأسطوانة المشروخة ذاتها حول الحصار والمجاعة والإبادة والاضطهاد والاستئصال والعقاب الجماعي والجوع والعطش و.. و..، إلى آخر المفردات الكربلائية التي تستفز الذاكرة!
الرهان على الوفاق الديمقراطي المدني انتهى، الرهان على الوفاق الأمريكي أصبح رهاناً خاسراً، رهانكم على بضعة أفراد يفتقدون القدرة على القيادة وليست لهم قواعد شعبية ويحاولون جاهدين دون فائدة الإمساك بزمام الأمور رهان دون جدوى، لا يمكن إعادة بث الروح في الميت، وما تقوم به السفارة الأمريكية بالنفخ في تلك الدمى لن يأتي بنتيجة؛ خصوصاً وأن الأمور بدأت تخرج بالفعل عن السيطرة داخل الوفاق.
ضغطكم على الوفاق لاستصدار بيان لم يجدِ، فهي بين نارين؛ ناركم ونار سعيد الشهابي وائتلاف 14 فبراير، وحتى عيسى قاسم انتهى كرجل إصلاحي كما كنتم تعتقدون، أصبح الآن المفتي لحركة 14 فبراير الراديكالية العنيفة التي تهدد بحرق خزانات البترول في سترة، وكما أفسد عيسى قاسم الاتفاق مع ولي العهد يفسد الآن أي فرصة للهدوء وأي فرصة للتقارب وأي فرصة للحوار، إن استحقاق الحوار أصعب من أن يتحمله عيسى قاسم، الآن كل الأطراف كشفت عن عورتها الفارسية وكل هؤلاء لا يمكن أن يخرجوا عن العباءة الإيرانية، خصوصاً الآن وإيران تختنق، لا وقت لحوار ولا وقت لتفاوض المصلحة الإيرانية فوق أي اعتبار الآن.
المعسكر الإيراني العربي رهن لإشارة من مكاتب استخدام الخدم الإيرانية، رهن من إشارات الحرس الثوري، تحركهم في لبنان والبحرين وسوريا واليمن والعراق وحتى في الكويت انطلق حين أعطيت الإشارة، وبدأ التحرك العلني «النائب المعمم الكويتي القلاف يطالب أمير الكويت بفتح باب التطوع في الأمن ليدخل كي يضرب الشعب الكويتي ويأدبه، ودشتي يبشر شيعة الخليج أن حرباً ستأتي قريباً وسينتصرون هم فيها»، من الواضح أن إيران بدأت بخلط الأوراق وأمرت بإشعال المنطقة، وهنا ليست البحرين هي التي في مهب ريح تلك الحرب؛ فالتهديد ليس على دول خليجية فحسب؛ بل تذكروا أن الممرات المائية لشريانكم وأسطولكم الخامس هي التي في مهب الريح معنا ومعها علاقة تاريخية طويلة مع حلفائكم هي الأخرى أصبحت في مهب الريح.
لقد مددتم يد الدعم للوفاق بكل ما تستطيعون فما أن يتعثر أحدهم إلا وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانات «القلق» دفاعاً عنهم، معتقدة أنها تراهن على مستقبل الديمقراطية والاستقرار بالمنطقة، وأن أية اضطرابات هنا أو هناك ستحدث في هذه الفترة هي عثرات متوقعة ومشروعة في حسبة التغيير، وستعود الأمور لطبيعتها وتستقر البحرين بعدها!!
هيهات.. ها قد جاء وقت الاستحقاق لتكتشف الولايات المتحدة الأمريكية بأنها ربت طوال السنوات العشر الأخيرة خيلاً فارسية صنعت في إيران والتجميع بحريني، اليوم قرار الوفاق لم يعد بيد الدمى الأمريكية التي كانت تتعبد في سفارتها، اليوم الخيوط تنتهي في إيران؛ فهي التي تحرك «مداساتها» في المنطقة وبلا دبلجة لزوم التمويه.