وضع الطائفة الشيعية الكريمة كلها في سلة واحدة وفي ميزان واحد ووصمهم بفكر واحد ليس من العقل في شيء، الشيعة ليسوا كلهم متشددين؛ كما إن السُنة ليسوا كلهم تكفيريين؛ بل على العكس فالسواد الأعظم من الطائفتين هم نحن الناس البسطاء المعتدلين الذين نأخذ من الدين ما يجعلنا نتعايش بسلام، ولا نأخذ بالاختلافات ولا نحن في سباق لإثبات صوابنا وخطأ الآخر.
نحن بحاجة لإنصاف الفئة الصامتة من الشيعة كما نطالب بأن يتم إنصافنا، فكثيرون منهم يحيون في الظل قمعت إرادتهم في التعبير وتم السطو على رأيهم لأنهم بلا صوت مثلنا تماماً، لكنهم أشد منا تأثراً بكل ما يحدث لأنهم يعيشون داخل القرى والمناطق المتأزمة، فيما نحن نسمع عن الاختناق بمسيل الدموع وعن اشتعال النيران في المنازل والسيارات وعن التهجم على المعارضين للفوضى وإسكاتهم بالتخوين أو بالقوة، لكننا لم نعش هذا الوضع المأساوي دقيقة بدقيقة كما عايشوه.
لم يكن ما سمعناه من شكوى أهالي العكر هو الأول ولن يكون الأخير، لكن الأصوات التي ننتظر أن تعلو من داخل القرى وتؤيد الإجراءات الأمنية وتنتقد العصابات التي تجوب الأحياء قد لا تتجاوز أسوار البيوت خوفاً مما قد يصيبهم من انتقام وبطش من منطلق إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، وربما خوفاً من العقاب الإلهي؛ فالمرجعيات قد أفتت بفتح أبواب البيوت «للثوار» في أي وقت من ليل أو نهار، ولو طفنا على المواقع الإلكترونية لرأيتم كمّ النداءات للأهالي في القرى لدعم الثوار وتسهيل اختبائهم من رجال الشرطة، ولو أن الأهالي متعاونون أو سعداء بهكذا حال لما احتاج الأمر إلى إطلاق النداءات باسم آل البيت والأولياء، البيوت لها حرمات وفيها أطفال وكبار ومرضى، والأجواء تختنق بدخان الإطارات تارة ومسيل الدموع تارة، طبيعي أن يسأم الأهالي ويتذمرون لكن لا تنتظروا أن يعلنوا شكواهم ببساطة وهم في وسط معاقل للإرهاب، حيث يعبث الصبية بالنار و»المولوتوف» وكل شيء ممكن الحدوث.
لا أرى كثيراً من الإخوة من الطائفة الشيعية الكريمة إلا مثلنا؛ يختلفون ولديهم الرغبة في الانتقاد وتصحيح الواقع، لكنهم غير قادرين على البوح إما خوفاً من النبذ وسط محيطهم أو التعرض للأذى، وهذا ينبئنا بكمّ الظلم الذي يتعرضون له حين تعمم ضدهم الاتهامات ويوصمون بالخيانة والعمالة، كثير منهم يقولون بأنهم يرفضون العنف وأنه ليس الطريق الصحيح وأنه أساء للطائفة أكثر مما نفعها، وكثير يدينون تضييع الفرص السياسية وتحويل الحراك إلى احتلال شوارع وتخريب وحرب عصابات ومطاردات مع الشرطة داخل القرى.
آن لنا أن نسمي الأمور بمسمياتها وأن نتوقف عن تعميم أحكامنا على هذه الفئة أو تلك. فالعدالة التي نبتغيها لن تتحقق ونحن نظلم بعضنا.