لسعد بن طفلة العجمي -وزير إعلام كويتي سابق- تعليق قاس لكنه مهم، نشر يوم عقدت ناسا مؤتمرها الصحافي أخيراً عن الوصول إلى المريخ، يقول بن طفلة «العالم يتابع المؤتمر الصحافي لناسا حول الوصول إلى المريخ، ونحن ننشغل بتغريدة شاذة لسفيه مجهول الهوية.. أوصلوا مسباراً للمريخ، يخططون للوصول إليه برائد فضاء عام 2030 ونحن لا نزال نعيش أحداث ومعارك ومذابح القرن التاسع الميلادي».
طرح جميل ومعبر عما في نفوس الكثيرين الذين لا يجرؤون بقول مثله رغم أنهم في دواخلهم يؤمنون به، خصوصاً تلك الجزئية المتعلقة بأننا لا نزال نعيش أحداث ومعارك ومذابح القرن التاسع الميلادي، والتي بالتأكيد لم يكن لنا فيها دوراً. أما المؤسف في هذا الأمر فهو أننا صرنا ندافع عن أقوال منسوبة لشخوص لا ندري على وجه الدقة إن كانوا قد قالوا ما نسب إليهم أم لا، لكننا نفترض، بل نؤمن أنهم قالوه ونصّبنا أنفسنا محامين عنهم دون أي اعتبار لمساحة الزمن التي تفصل بيننا.
من هنا صار أمراً طبيعياً تقدُّم الآخرين علينا في مختلف المجالات ووصولهم إلى ما لا نزال نعتقد أنهم إنما يدّعون وصولهم إليه (الكثيرون لا يزالون يعتقدون أن الوصول إلى القمر لم يكن حقيقة إنما كان مجرد ادعاء فرضته المنافسة بين أميركا والاتحاد السوفيتي)، وليس بعيداً أن الكثيرين اليوم يعتقدون أن مؤتمر ناسا هذا مجرد تعبير عن حلم أو أنه يراد من ورائه أمراً لا نعرفه تفرضه المنافسة أو السياسة!
هل يمكن أن يتغير تفكيرنا فنتفرغ للإبداع وللعطاء ولاستعادة دورنا العربي والإسلامي لنعود فاعلين في مشوار الحضارة الإنسانية؟
سؤال مهم ويعبر عما في نفوس العرب والمسلمين جميعاً، لكن لا أحد يحاول أن يترجمه إلى واقع، فلا تزال عواطفنا تجرنا إلى ما كان في زمن بعيد عنا فتغيب عقولنا وننفصل عن كل ما هو إيجابي في الحياة بل نستمر متلقين وتابعين للآخر الذي تمكن من التخلص من عبء التاريخ فاستطاع أن يبني وأن يسيطر ويتزعم.
مؤلم أن نكون نحن العرب والمسلمين في وضع كهذا، ومؤلم ألا نستطيع أن نعين أنفسنا على الخروج من الدائرة المغلقة التي سجنا أنفسنا فيها ففقدنا كل قدرة مفترضة، ولم يعد لنا أي إسهام حضاري يليق بنا وبنسبنا وبديننا. مؤلم أن نكون دون القدرة على التوصل إلى قناعة مفادها أن ما حدث في ذلك الزمان البعيد لا علاقة لنا به ولسنا مسؤولين عنه وعما قاله شخوصه وما دار بينهم من معارك.
مؤلم أن نعتقد بصحة كل ما نقله الآخرون إلينا عبر وسائل وأدوات ينقصها الدقة، فصرنا نؤمن حتى بالتفاصيل التي يصف الرواة فيها لون أزرار أقمصة شخوص ذلك الزمان لا مجرد ألوان ملابسهم وأشكالها. مؤلم أن ننجر إلى معارك في القرن الحادي والعشرين بسبب أقوال منسوبة إلى فلان أو علان من شخوص ذلك الزمان. مؤلم أن نترك جانباً كل ما وهبنا الله من قدرات عقلية تؤهلنا للمساهمة بفاعلية في مسيرة الحضارة الإنسانية ونوظفها بدلاً عن ذلك في تعميق الخلافات فيما بيننا وإبقائنا من ثم في آخر الصف.
أما الأكثر إيلاماً فهو أننا لا نتردد عن اتهام كل من يقول مثل ما قال بن طفلة العجمي بشتى أنواع الاتهامات ونعتبره تطاولاً يستدعي المحاسبة والعقاب، لا لأننا نرفض فكرة أن نكون فاعلين وأن يكون لنا دور في الحياة، فهذه أمنية نعبر عنها باستمرار، ولكن لأننا لا نقبل أن يقال إننا لا نزال نعيش أحداث ومعارك ومذابح زمن ولّى وانتهى.. وقد لا نتردد عن تكفيره!