قبل أن يجف حبر الدعوة إلى إرباك الحياة في المنامة فيما عرف بجمعة الكرامة، والتي انتهت بتحقيق الفوضى المبتغاة؛ بدأت الدعوة إلى «التسخين» لـ14 فبراير. أحد الوفاقيين «بلدي سابق» نشر في منتصف الشهر الحالي تغريدة جاء فيها أن «المنتظر أن يكون يوم 14 فبراير القادم مختلفاً عما قبله.. فلذلك لابد الآن التسخين له» «يقصد لابد من التسخين له من الآن». تغريدة لا تكتفي بالدعوة إلى التسخين والاستعداد لذلك اليوم، لكنها تهتم بالتحريض على أن يكون ذلك اليوم بداية مرحلة جديدة من العنف الذي لا يراد له أن ينتهي. وبعيداً عن الخطأ الشائع في ما يخص لفظة «القادم» حيث الصحيح هو «المقبل» لأن اليوم والأسبوع والشهر والسنة لا أقدام لها لتأتي عليها فهي تقبل ولا تقدم؛ فإن الدعوة ذاتها خطيرة، وما كان ينبغي أن تصدر عن «قيادي» ينتمي إلى جمعية تردد أنها ضد العنف وأن حراكها سلمي، فأي فرق والحال هذه بين جمعية الوفاق وما صار يعرف بائتلاف فبراير، خصوصاً أن التسخين المقصود هنا ليس للخروج في مسيرة أو اعتصام ولكن لتنفيذ إضراب عام يعطل كافة مناحي الحياة في البحرين ويخنقها؟
دعوة أخرى سبقت هذه الدعوة وتصب في الموضوع نفسه نشرت على شكل تغريدة أيضاً تدعو إلى ألا يقتصر الإضراب العام على يوم 14 فبراير فقط وإنما ينبغي أن يبدأ في ذلك اليوم ويستمر «ليشل البلد حتى التجمد». لم يتبين ما إذا كانت هذه التغريدة صادرة عن الوفاق أو غيرها، لكنها في كل الأحوال احتوت على جرعة أكبر من التحريض المباشر والتوجيه، فخاطبت البسطاء الذين يراد لهم الوقوف في الصف الأمامي لتلقي الضربة بالقول «اعمل على تعطيل الاقتصاد.. وانهش أكتافه.. وكسر أرجله..»، وهو اعتراف جديد أن ضرب الاقتصاد غاية من دونه لا يمكن «إسقاط النظام».
لكن التحريض على الإضراب في ذلك اليوم الذي يعتبرونه ذكرى الانطلاقة لا يتم فقط عبر تويتر وفيسبوك، لكنه يتم عبر سلسلة من الفضائيات الإيرانية وعلى رأسها فضائية السوسة «العالم»، وتلك التي تهيمن على مقدراتها وتنفذ ما تؤمر، حيث بدأت في سن أسنانها للترويج لذلك الإضراب الذي من الواضح أن خيالهم زين لهم أنه سهل يسير، وأن «الشعب البحريني كله» سيقوم بتنفيذه في ذلك اليوم وسيستمر فيه!
في فبراير ومارس 2011 حاول البعض تنفيذ إضراب عام لكنه فشل، فلجأ إلى سد مخارج القرى بجذوع النخل والحجارة كي يمنع المواطنين من التوجه إلى أعمالهم غصباً عنهم فيتحقق الهدف المتمثل في «شل البلد حتى التجمد»، لكنه فوجئ برفض المواطنين لهذا التصرف الذي يعبر عن قصر نظر وليس عن حكمة، ففشلت تلك التحركات ولم يتجرأ ذلك البعض على تكرارها طوال السنتين الماضيتين، ما يعني أن الدعوة الجديدة هذه ستلاقي المصير ذاته وستفشل كل التحركات المسنودة من منظمات ودول لا تريد الخير لشعب البحرين.
المؤسف أن قياديي الجمعيات السياسية التي تردد دائماً أنها مع الحوار والسلمية ومع الإصلاح وأنها لا تسعى إلى إسقاط النظام لم يصدر منهم حتى الآن ما يفيد أنهم ضد هذا التحرك الذي لا علاقة له بالسلمية لأنه يعطل حياة الناس ويشيع الفوضى في البلد ويتسبب في إضعاف الاقتصاد والتأثير عليه سلباً. هل هم مع الدعوة إلى الإضراب وتعطيل الاقتصاد و»نهش أكتافه وكسر أرجله» أم ضده؟ وإذا كانوا ضده؛ فلماذا لم يسمع منهم حتى الآن ما يفيد بذلك خصوصاً أن سكوتهم يعني رضاهم وموافقتهم على هذه الخطوة التي ستعيد الجميع إلى المربع الأول؟