انتشرت في الآونة الأخيرة، مقالات مختلفة لبعض المحللين النفسانيين والكتاب حول طبيعة المشاكل الأسرية المترتبة على طريقة استخدام مواقع التواصل الضوئي (أنستغرام) تحديداً، وكم أثر هذا الموقع سلباً على الكثير من العلاقات الأسرية في الخليج العربي والمنطقة، خصوصاً بين الأزواج وبين الأسرة الواحدة كذلك.
لعل من أبرز هذه المقالات التي انتشرت مؤخراً مقال كتبته الدكتورة والكاتبة والإعلامية الكويتية فوزية الدريع، حول ما يسببه موقع (أنستغرام) الشهير من (مصائب) أسرية، وكيف ساهم في خلخلة العلاقات الأسرية، وعلى إثره حدثت مجموعة من حالات الانفصال بين الأزواج، وهدم صرح الثقة الحاصلة بين الناس، كما خلق حالة من البلبلة في العلاقة الأسرية بين الجنسين بشكل عام.
أنستغرام، ليس هو المشكلة، وليس المشكلة في تويتر وفيس بوك وحتى (واتساب)، ولا في أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، بل كل المشكلة تقع في مستوى أسلوب تفكيرنا ومدى طبيعة استخدامنا لكافة وسائل الاتصال الحديثة، فالمشكلة فينا إذاً وليست في التكنولوجيا أو في تلك المواقع.
نحن وليومنا هذا لم نستطع استثمار هذه المواقع بالشكل المطلوب، بل تطرفنا في استخدامها، ولجأنا عبر ثقافتنا إلى الجانب الحاد منها، ولهذا كلما دخل عاقل إلى تلك المواقع الكبيرة والمتخصصة، وجدها مليئة بالمهوسين والفوضويين، اضطر حينها إلى الخروج منها بسلام، مخافة أن تصيبه لوثة من المشاركين في تلك المواقع، أو أن تقوم بتشكيل وحرف وعيه نحو وعي المجموع (القطيع)، ومن هنا فإن العقلاء يحذرون ويحاذرون في استخدام تلك المواقع الاجتماعية مخافة أن ينزلقوا في فوضتها، فيخوضوا مع الخائضين.
مواقع إلكترونية عالمية لتبادل الأفكار، وأخرى لتبادل الصور، وبعضها لتبادل المعلومات وترويج الثقافات والعلوم، والكثير منها لاكتشاف المواهب والإبداعات الخلاقة، ومع ذلك، وبسبب الشحن النفسي والتوتر السياسي وبسبب ضحالة ثقافة مستخدمي هذه المواقع في وطننا العربي المنكوب، نجدها عربياً، تحولت إلى ساحات للمهاترات والسب وتفريغ العقد النفسانية بطريقة قذرة.
نحن مجتمعات مسكونة بالخوف والمرض وعدم الثقة بأي شيء، ومن هنا نظل نتعامل مع الأشياء من حولنا، حسب ما يختزله عقلنا من كوارث فكرية ومصائب سياسية واجتماعية لا حصر لها.
جولة سريعة في أنستغرام أو في تويتر أو في أي موقع عالمي آخر، ستؤكد لنا أن المجتمعات العربية لم تدرك مدى وكيفية استخدام تلك المواقع بطريقة رائدة وعلمية، فالشتائم وملاحقة المثالب والعيوب والسخرية من الآخر المختلف هو ديدن غالبية من يستخدم هذه المواقع الرائدة على المستوى العلمي والفكري، كما هو الحال في عدم استفادتنا من كل وسائل الاتصال الأخرى منذ أول يوم خرجت إلى الوجود.
إن عدم ثقة الزوج بالزوجة أو العكس حين ينشر أحدهم صورة في (أنستغرام)، فيأتي من يترك تعليقاً أو إعجاباً بالصورة، فتحدث مشكلة عظمى داخل عش الزوجية، فهذا يدل على أن طريقة تفكيرنا أصبحت (متعفنة)، لأن كل ما حولنا بات متعفناً أيضاً، كما يشير هذا السلوك أن الثقة لم تعد موجودة أصلاً في أوساط الأسرة وفي أوساط عالمنا العربي الموبوء بالأمراض السياسية والمجتمعية والأسرية، ذلك العالم (العربي) الذي لم يعد أحد يثق به على الإطلاق، لأنه لم يعد يثق بنفسه.