ازدادت دول مجلس التعاون قوة لثلاثة اعتبارات:
أولا: ثروات النفط والغاز الوفيرة مع ارتفاع أسعارها نتيجة حرب أكتوبر 1973 والاستخدام الرشيد لتلك الثروات في حدود ما هو متاح سياسياً وثقافياً ودولياً.
الثاني: تغير عقليات الحكام بالاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإرساء دعائم البنية الأساسية لبلاانهم.
الثالث: الانطلاق في إطار العالمين العربي والدولي لبناء علاقات جديدة، وباختصار تخلي حكام الخليج عن النمط شبه الانعزالي عالمياً والنمط الهادي عربياً وإقليمياً.
لذلك ازداد التعاون والمساعدات الخليجية لدول مشرق العالم العربي ومغربه في شماله وجنوبه. ومع تطور الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية بدأ يظهر التعاون الدولي والدور الخليجي عربياً ودولياً، وهذا ما أسميه صعود القوة الناعمة لدول الخليج العربية، على غرار نمط الصعود السلمي للصين مع بعض الاختلافات في الوزن والقوة والدينامية وركائز الصعود، لكن الملامح العامة هي حدوث تقدم اقتصادي واجتماعي، والقيام بدور خارجي أكثر نشاطاً ووضوحاً، والسعي لتحقيق سلام اجتماعي داخلي، وسلام خارجي دولي بقدر الإمكان، ومراعاة مصالح الشعوب من خلال عقد اجتماعي افتراضي يتم بمقتضاه رفع مستوى المعيشة مقابل التغيير السياسي على نار هادئة ودون صخب كبير، وكان ذلك هو الدرس الرئيس من أحداث الثورات العربية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وأيضا فيما يسمى بالربيع العربي.
أدى هذا الهياج الكبير والتداعيات اللاحقة إلى رفض هذه التسمية في مرحلة تالية من قبل من أطلقوها مثل الغرب وأمريكا، حتى أن مجلة “الفورن افيرز” غيرت الشعار إلى التغيير والإصلاح في المنطقة. ومن ناحية أخرى فإن كلاً من روسيا والصين بالطبع لديهما مفهوم الربيع والثورة من المحظورات لظروف خاصة بكل منها، والرئيس المصري المنتخب محمد مرسي رفض مصطلح الربيع وأطلق عليه العمل الممتد للإصلاح والتغيير في إشارة ضمنية لجهاد الإخوان المسلمين منذ تأسيسهـــــــــــا عــــــــــــــام 1928 حتى وصولها للسلطة عام 2012، ثم أُطلق عليها ثورة ثم سماها العبور الثاني في خطابه بمناسبة ذكرى حرب 6 أكتوبر المجيدة.
لقد أصبح الصعود الخليجي السلمي واضحاً في دور مجلس التعاون في الأزمات في السودان ولبنان واليمن وليبيا وفلسطين وأخيراً سوريا، حيث تعاملت دول الخليج مع كل دولة بصورة مختلفة من المساعدة الإنسانية والسعي للتوفيق بين الأطراف إلى المشاركة بقوات في ليبيا، ومبادرة خاصة باليمن ثم القيام بدور قوى في سوريا مما دفع لتحريك الأمور وشد أزر القوى الثائرة ضد نظام الأسد.
ولاتزال دول الخليج العربي تعمل من أجل مساندة الوضع الجديد في مصر وتونس وإن كان بتأنٍ وحذر أكثر من اللازم، كما تمكنت السعودية من عقد مؤتمر للتعاون والاستثمار الخليجي الأفريقي، وتلعب قطر دوراً مبادراً وقويا في اليمن والصومال والسودان وليبيا وسوريا، وبرزت قناة “الجزيرة” كأداة إعلامية للتغيير كما جاءت قناة “العربية” بعدها، وهكذا يتجلى تصاعد دور مجلس التعاون الإعلامي والسياسي وقد برزت الدبلوماسية الإماراتية بوجه خاص قوية في تصريحاتها ضد الأخوان المسلمين ووجهت لها عدة اتهامات.
أما الدبلوماسية البحرينية فقد انتهجت الحكمة والاعتدال، وظلت سلطنة عمان على منهجها التقليدي المعروف الذي يقترب من العزلة والحياد على غرار الموقف اللبناني في النصف الثاني من القرن العشرين حتى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، ثم تغيرت معادلة القوى السياسية اللبنانية والإقليمية المؤثرة على الساحة هناك.
إن الدور المتصاعد والواضح لدول الخليج أو معظمها يعكس تغيراً جوهرياً ويعبر عما لدى دول الخليج العربي من قوة، لكن هذا الدور مازال أقل مما تسمح به القوة الاقتصادية والمالية الخليجية، فهو في حاجه لمزيد من الدعم السياسي والمعنوي المتبادل من دول الثقل العربي التقليدي وفي مقدمتها مصر التي تتجه للاستقرار واستعادة دورها الحيوي النشط في الساحتين العربية والدولية.
وبما أن القوة الخليجية هي قوة اقتصادية نفطية ومالية في المقام الأول، وبالنظر لوقوع الخليج في منطقة ستراتيجية بالغة الحساسية لذلك فهي تحتاج أربعة عناصر أخرى من القوة وهي القوة العسكرية، والقوة المرتبطة بالإرادة والقرار السياسي الوطني والإقليمي، والقوة المرتبطة بالتنسيق الخليجي والانطلاق نحو الوحدة الخليجية، في إطار أو بخلفية من الهوية العربية التي تعبر عن الانتماء والتكامل العربي على غرار التكامل في الاتحاد الأوروبي، وأخيراً قوة التماسك الوطني الداخلي في كل دولة خليجية والتي هي عماد النشاط والدور لأية دولة.
هذه الشروط الأربعة هي الضمان للاستمرار وتأثير الصعود الخليجي، وإذا لم تتحقق فإن الصعود ربما لن يدوم، وسوف يؤدي بالخليج للارتماء في أحضان قوى أكبر دولياً أو إقليمياً، وهو ما أعتقد كباحث ومراقب أن أياً من دول الخليج لا ترغب فيه، بل وتسعى لتجنبه، ومن ثم فإنه ينبغي تعزيز صعود القوة الناعمة الخليجية بأدوات أكثر ديمومة وبتوسيع أفق التعاون الوثيق مع دولة لها دور بارز في التاريخ العربي القديم والحديث والمعاصر، وبوجه خاص في مسانده دول الخليج العربية في أوقات الأزمات وهي مصر الحديثة.
من هنا فان العودة بصورة ولو مختلفة وجديدة لمفهوم التكامل الاقتصادي العربي في إطار “المفهوم الصيني” المسمى المنافع المتبادلة بين دول الثقل التقليدي وبين القوة الخليجية الناشئة، وبالطبع هذا يستلزم جلسة عصف ذهني بين القادة من دول الخليج والدول العربية الأخرى أو بعضها على الأقل، تقوم على الصراحة والصدق مع الذات، وعلى المنافع المتبادلة الحقيقية، وعلى الوفاء بالعهد، وليس كما هو حال العالم العربي يقدم وعودا كثيرة، وينفذ القليل على مهل وترو، مما يثير التساؤل حول مدى مصداقية الوعود والقرارات والتعهدات التي قطعها العرب على أنفسهم في الكثير من القمم العربية.
إن عالم القرن الحادي والعشرين في منطقة الشرق الأوسط ليس هو عالم القرن العشرين لأن صعود القوة الناعمة الخليجية أصبح حقيقة ملموسة، وعلى باقي الدول العربية ودول الشرق الأوسط أن تأخذ ذلك مأخذاً حقيقياً وجاداً، كما إن عملية اتخاذ القرار في دول الخليج العربية تستحق التفكير برؤية استراتيجية تعتمد المنهج العلمي والتخطيط الاستراتيجي الفعلي من أجل التنفيذ والتفاعل الخليجي مع العمق الاستراتيجي العربي، ومع القوى الدولية صاحبة المصلحة في أمن واستقرار الخليج.
{{ article.visit_count }}
أولا: ثروات النفط والغاز الوفيرة مع ارتفاع أسعارها نتيجة حرب أكتوبر 1973 والاستخدام الرشيد لتلك الثروات في حدود ما هو متاح سياسياً وثقافياً ودولياً.
الثاني: تغير عقليات الحكام بالاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإرساء دعائم البنية الأساسية لبلاانهم.
الثالث: الانطلاق في إطار العالمين العربي والدولي لبناء علاقات جديدة، وباختصار تخلي حكام الخليج عن النمط شبه الانعزالي عالمياً والنمط الهادي عربياً وإقليمياً.
لذلك ازداد التعاون والمساعدات الخليجية لدول مشرق العالم العربي ومغربه في شماله وجنوبه. ومع تطور الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية بدأ يظهر التعاون الدولي والدور الخليجي عربياً ودولياً، وهذا ما أسميه صعود القوة الناعمة لدول الخليج العربية، على غرار نمط الصعود السلمي للصين مع بعض الاختلافات في الوزن والقوة والدينامية وركائز الصعود، لكن الملامح العامة هي حدوث تقدم اقتصادي واجتماعي، والقيام بدور خارجي أكثر نشاطاً ووضوحاً، والسعي لتحقيق سلام اجتماعي داخلي، وسلام خارجي دولي بقدر الإمكان، ومراعاة مصالح الشعوب من خلال عقد اجتماعي افتراضي يتم بمقتضاه رفع مستوى المعيشة مقابل التغيير السياسي على نار هادئة ودون صخب كبير، وكان ذلك هو الدرس الرئيس من أحداث الثورات العربية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وأيضا فيما يسمى بالربيع العربي.
أدى هذا الهياج الكبير والتداعيات اللاحقة إلى رفض هذه التسمية في مرحلة تالية من قبل من أطلقوها مثل الغرب وأمريكا، حتى أن مجلة “الفورن افيرز” غيرت الشعار إلى التغيير والإصلاح في المنطقة. ومن ناحية أخرى فإن كلاً من روسيا والصين بالطبع لديهما مفهوم الربيع والثورة من المحظورات لظروف خاصة بكل منها، والرئيس المصري المنتخب محمد مرسي رفض مصطلح الربيع وأطلق عليه العمل الممتد للإصلاح والتغيير في إشارة ضمنية لجهاد الإخوان المسلمين منذ تأسيسهـــــــــــا عــــــــــــــام 1928 حتى وصولها للسلطة عام 2012، ثم أُطلق عليها ثورة ثم سماها العبور الثاني في خطابه بمناسبة ذكرى حرب 6 أكتوبر المجيدة.
لقد أصبح الصعود الخليجي السلمي واضحاً في دور مجلس التعاون في الأزمات في السودان ولبنان واليمن وليبيا وفلسطين وأخيراً سوريا، حيث تعاملت دول الخليج مع كل دولة بصورة مختلفة من المساعدة الإنسانية والسعي للتوفيق بين الأطراف إلى المشاركة بقوات في ليبيا، ومبادرة خاصة باليمن ثم القيام بدور قوى في سوريا مما دفع لتحريك الأمور وشد أزر القوى الثائرة ضد نظام الأسد.
ولاتزال دول الخليج العربي تعمل من أجل مساندة الوضع الجديد في مصر وتونس وإن كان بتأنٍ وحذر أكثر من اللازم، كما تمكنت السعودية من عقد مؤتمر للتعاون والاستثمار الخليجي الأفريقي، وتلعب قطر دوراً مبادراً وقويا في اليمن والصومال والسودان وليبيا وسوريا، وبرزت قناة “الجزيرة” كأداة إعلامية للتغيير كما جاءت قناة “العربية” بعدها، وهكذا يتجلى تصاعد دور مجلس التعاون الإعلامي والسياسي وقد برزت الدبلوماسية الإماراتية بوجه خاص قوية في تصريحاتها ضد الأخوان المسلمين ووجهت لها عدة اتهامات.
أما الدبلوماسية البحرينية فقد انتهجت الحكمة والاعتدال، وظلت سلطنة عمان على منهجها التقليدي المعروف الذي يقترب من العزلة والحياد على غرار الموقف اللبناني في النصف الثاني من القرن العشرين حتى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، ثم تغيرت معادلة القوى السياسية اللبنانية والإقليمية المؤثرة على الساحة هناك.
إن الدور المتصاعد والواضح لدول الخليج أو معظمها يعكس تغيراً جوهرياً ويعبر عما لدى دول الخليج العربي من قوة، لكن هذا الدور مازال أقل مما تسمح به القوة الاقتصادية والمالية الخليجية، فهو في حاجه لمزيد من الدعم السياسي والمعنوي المتبادل من دول الثقل العربي التقليدي وفي مقدمتها مصر التي تتجه للاستقرار واستعادة دورها الحيوي النشط في الساحتين العربية والدولية.
وبما أن القوة الخليجية هي قوة اقتصادية نفطية ومالية في المقام الأول، وبالنظر لوقوع الخليج في منطقة ستراتيجية بالغة الحساسية لذلك فهي تحتاج أربعة عناصر أخرى من القوة وهي القوة العسكرية، والقوة المرتبطة بالإرادة والقرار السياسي الوطني والإقليمي، والقوة المرتبطة بالتنسيق الخليجي والانطلاق نحو الوحدة الخليجية، في إطار أو بخلفية من الهوية العربية التي تعبر عن الانتماء والتكامل العربي على غرار التكامل في الاتحاد الأوروبي، وأخيراً قوة التماسك الوطني الداخلي في كل دولة خليجية والتي هي عماد النشاط والدور لأية دولة.
هذه الشروط الأربعة هي الضمان للاستمرار وتأثير الصعود الخليجي، وإذا لم تتحقق فإن الصعود ربما لن يدوم، وسوف يؤدي بالخليج للارتماء في أحضان قوى أكبر دولياً أو إقليمياً، وهو ما أعتقد كباحث ومراقب أن أياً من دول الخليج لا ترغب فيه، بل وتسعى لتجنبه، ومن ثم فإنه ينبغي تعزيز صعود القوة الناعمة الخليجية بأدوات أكثر ديمومة وبتوسيع أفق التعاون الوثيق مع دولة لها دور بارز في التاريخ العربي القديم والحديث والمعاصر، وبوجه خاص في مسانده دول الخليج العربية في أوقات الأزمات وهي مصر الحديثة.
من هنا فان العودة بصورة ولو مختلفة وجديدة لمفهوم التكامل الاقتصادي العربي في إطار “المفهوم الصيني” المسمى المنافع المتبادلة بين دول الثقل التقليدي وبين القوة الخليجية الناشئة، وبالطبع هذا يستلزم جلسة عصف ذهني بين القادة من دول الخليج والدول العربية الأخرى أو بعضها على الأقل، تقوم على الصراحة والصدق مع الذات، وعلى المنافع المتبادلة الحقيقية، وعلى الوفاء بالعهد، وليس كما هو حال العالم العربي يقدم وعودا كثيرة، وينفذ القليل على مهل وترو، مما يثير التساؤل حول مدى مصداقية الوعود والقرارات والتعهدات التي قطعها العرب على أنفسهم في الكثير من القمم العربية.
إن عالم القرن الحادي والعشرين في منطقة الشرق الأوسط ليس هو عالم القرن العشرين لأن صعود القوة الناعمة الخليجية أصبح حقيقة ملموسة، وعلى باقي الدول العربية ودول الشرق الأوسط أن تأخذ ذلك مأخذاً حقيقياً وجاداً، كما إن عملية اتخاذ القرار في دول الخليج العربية تستحق التفكير برؤية استراتيجية تعتمد المنهج العلمي والتخطيط الاستراتيجي الفعلي من أجل التنفيذ والتفاعل الخليجي مع العمق الاستراتيجي العربي، ومع القوى الدولية صاحبة المصلحة في أمن واستقرار الخليج.