بصراحة، مللنا سياسة، وتعب الناس من هذا «الشد والجذب» الحاصل بين أطراف المعادلة في الحالة البحرينية. نريد أن نطلب من الناس السكوت وإن كانت من دعوة فإنها توجه لله وحده بأن يحفظ هذه البلد وأهلها الطيبين.
أحياناً يقولها المواطن من باب «براءة الذمة» بأن الدولة «أبخص»، ويمضي آخرون للقول بأن الدولة «تشوف شيء ما يشوفه الناس»، لكن المشكلة أن الوضع الحاصل في البحرين وطريقة التعاطي في جانب وأسلوب التمادي في جانب آخر لا يدفع المواطن للسكوت ومحاولة عيش حياته بصورة طبيعية، بل يدفعه للصراخ بأعلى رأسه، لأنه هو –الظاهر- من «يشوف إللي الدولة ما تشوفه».
أحياناً نتساءل إلى أي مستوى يجب أن نصل له حتى تتحرك الدولة وتضرب الإرهاب بقوة؟!
عندما اعتدى المخربون على مواطن بريطاني وقطعت أصابعه وصلت الضجة إلى الصحافة البريطانية، وخرج قضاؤنا بعدها بحكم عشر سنوات على من اعتدوا عليه، رغم أنه لم يقتل، لكن قطعت أصابعه.
أستذكر الحادثة هذه وأتذكر صور قطع الأصابع لرجال الأمن، وتعقبها مشاهد دهس الشرطي وقتله، وهو المشهد الذي استخف به أمين الوفاق في مقابلة أخيرة له خلال ذهابه إلى مصر ليغازل شعبها العروبي الوطني ويقرن حراك جماعته الطائفي العنصري المذهبي بحراك الشعب المصري الذي لم يتجمع في ساحة التحرير بناء على تقسيمات مذهبية أو سياسية أو عنصرية.
كنت أتساءل ماذا لو أن الاعتداء طال مقيمين أمريكيين أو جنوداً في القاعدة، ولو على سبيل الخطأ، هل سيسكت السفير الأمريكي أم أنه سيلوم الدولة ويطالب بتطبيق القانون على من اعتدى على مواطنيه الذي يفترض بأنه مسؤول عنهم؟!
ماذا لو أن الاعتداءات طالت أفراداً من ذوي الحسب والنسب، ومن عوائل معروفة، هل كانت الدولة ستسكت، أو هل ستظل تطبق القانون بـ»القطارة» أو على امتداد شهور طويلة بين استئناف وطعون ومداولات وتخفيف أحكام.
مللنا من تصريحات المسؤولين اليومية التي تشير لوجود أجندة خارجية تستهدف البحرين، وأن ما يحصل مخطط انقلابي، وأن هناك من يريد الإضرار بالبلد، وأن هناك من يستغل مساحة الحرية الواسعة وحول الممارسة السياسية إلى ممارسة انقلابية، وأن هناك من يستغل المنابر الدينية في التحريض والتحشيد ضد الدولة.
والله الناس تعرف كل ذلك، وحفظت كل شيء عن ظهر قلب، وتدرك بأن الدولة عبر بعض مسؤوليها يمكن أن تتحول لأفضل «محلل سياسي»، لكن ما عجزت الناس في التحصل على إجابة عليه هو السؤال التالي: «ماذا أنتم فاعلون؟!».
نعرف أن البحرين فيها إرهاب وتيرته آخذة في التصاعد، وأن هناك ضغوطاً خارجية تبدأ من السفير الأمريكي في المنامة وتصل لمستويات أكبر، وندرك تماماً بأن ما تقوم به جماعات التحريض والانقلاب هو تجاوز للقانون.
طيب، الزبدة هنا، ماذا أنتم فاعلون؟!
الوضع البحريني لا يحتاج مزيداً من الكلام، الناس بدأت تتملل في كل جانب، من انساق وراء المحرضين يرى في غياب العقاب وتطبيق القانون محفزاً له للمواصلة في غيه، بل يراه دافعاً لتطوير إرهابه ووضع أهداف أكبر له، اليوم يقتل شرطي، غداً يقتل الناس في بيوتهم أو تهدم عمائر على رأس أهلها. في المقابل الناس المخلصة بدأت تفقد الثقة بأننا بالفعل في دولة مؤسسات وقانون، باعتبار أن القانون لا يحاسب من يتجاوزه، وذهب ليحاسب من قام برد فعل –حتى لو كان خاطئاً- فقط بدافع الدفاع عن النفس.
دائماً ما كنا نقول بأن المشاكل في البحرين في جانب التطوير والتحديث وحل المعضلات ماضية في الازدياد، لا لأن النية في الإصلاح ليست موجودة، بل لأن الكلام أكثر من الفعل، ولأن التصريحات «تخب» على الأعمال المقرونة بها، هذا إن وجدت الأعمال بالسرعة المطلوبة.
اليوم نعيش نفس الحال، تصريحات وتصريحات وتصريحات، وفي المحصلة نرى الإرهاب يزيد والاستقواء على الدولة يتعاظم، والبلد تتحول إلى بيئة طاردة للناس، مستثمرون يهربون، ومواطنون ملوا، وباتوا مقتنعين بأنهم سيصلون لمرحلة يحمون فيها أنفسهم بنفسهم.
كلما أقرأ أو أسمع تصريحات لمسؤول في الدولة يفيدنا بمعلومات بتنا نعرفها تماماً ونحفظها، أو يشخص الوضع الحالي، أرد على الفور مخاطبا ًنفسي: «طيب، عرفنا، فماذا أنتم فاعلون؟!».