أتصوّر أن المشكلة الأساسية التي يواجهها الشباب المعاصر تتمثل في كيفية إيجاد لغة مشتركة بينهم تضمن التواصل الفعال بمنأى عن النزعات أو التصورات المسبقة أو الغمز واللمز والتنابز، أي أن الاتصال يأخذ كامل مجراه برؤيةٍ موضوعيةٍ محايدةٍ تؤسِّس للقواسم المشتركة، وتبعد كافة الترسّبات الأيديولوجية التي تحد من تقارب الأفكار وتلاقحها الوطيد. إن التواصل بين البشر يتم عبر اللغة كوسيط لنقل الثقافة والمعرفة، فاللغة تقوم بتنظيم كل البُنى الثقافية المشتّقة من حاجات الإنسان البيولوجية انطلاقاً من تراكم المعارف المكتسبة، والتجارب المعيشة، والذاكرة التاريخية، والمعتقدات، والتي في مجموعها تساهم في إيجاد تصوّر خاص للعالم، ومن خلالها تؤسِّس الثقافة عبر اللغة قواعدها ومعاييرها العامة لتنظيم المجتمع برمّته، فتحكم سلوكاته الفردية والجماعية، وتوجه الظواهر والتطوّرات الاجتماعية فيغدو معها الفعل المعرفي بمثابة الوجه الآخر للظاهرة الاجتماعية الشائعة في المجتمع الحديث.إن اللغة ليست مجرّد وسيلة لنقل المعلومات والأفكار، ولكنها أكثر منذ ذلك ذات حمولة ترمز إلى كل العلاقات الإنسانية، ويتجلى ذلك في تركيبها ومعجمها، ومن يتأمّل اللغة فإنه حتماً سيتأمّل الثقافة التي أنتجتها، ورسخّت مفاهيمها عبر العصور، لأن اللغة ذاتها هي منتج ثقافي، بل تكاد بُنية الثقافة تشبه بُنية اللغة، كما إن الثقافة تفسح مجالاً خصباً لتبادل الحجج، أي أنها سند أساسي لإعمال الإمكانات اللغوية على مستوى اللسان. وربما لهذا السبب بالذات، يغدو اللسان مرآةً لثقافة الفرد، ومعبِّراً حقيقياً محايداً عن مداركه، وأفكاره، وتصوّراته عن العالم والناس، ويتجلى ذلك عند التفوّه بكلمةٍ أو عبارةٍ من دون قصدٍ أو نيّةٍ ماكرةٍ، كأن يذكِّر الفرد الحضور بحادثة طريفة في غمرة مناقشتهم الصاخبة لموضوع جدلي كي يفسح أمامهم فرصةً لالتقاط الأنفاس يستعيدون بعدها قدرتهم على إعادة النظر في المشهد القائم، ومتابعة المحاورة، ولكن في هذه المرة بهدوءٍ، دون تعصّب حاد للرأي، وهو ما يساهم في تحويل دفة المناقشة بين الشباب باتجاه الحوار العقلاني الرصين الذي يحقِّق أهدافهم المنشودة!