أحاول دائماً ألا أجعل من ردود الفعل التي أتلقاها في مواقع التواصل الاجتماعي مقياساً للصح والخطأ، وعودت نفسي على عدم التأثر بما أقرأ أو الرد عليه مدحاً كان أو ذماً.
اليوم استُثني شاب من هذه القاعدة؛ اسمه حسن، وأظنه في بداية العشرينات هكذا يبدو من صورته، لا أعرفة شخصياً لكنه رد على تغريده كتبت فيها «منذ متى عرفت البحرين صنع قنابل محلية!! أليست هذه أصابع المخابرات الإيرانية وحزب الله؟ هل ننتظر أن يحدث تفجير في مجمع أو سوق؟!»، فكتب لي «أستاذ إما أنك جبان ولا تنطق بالحق.. أو أنك بعت أبناء وطنك!!)، لا أعرف لمَ وجدتني أرد على تغريدته فكتبت «لماذا تقول ذلك يبدو أنك لا تقرأ كل ما أكتب.. ولم تظن أنني قد بعت أبناء وطني؟!»، فكتب «أستاذ إذا إنته عايش ترى إحنه مزنوطين.. الشعب ما طلع إلا بعدما فاض به»، فكتبت له «أدعوك فقط لفتح بصيرتك هل البحرين تستحق كل ما جرى؟ من الذي أشعل الفتنه وباع دم الشباب؟ ومن الذي قال فليسقط من يسقط من الموتى؟!».
بعد أن دار بيني وبينه حوار متواصل وجدته شاباً مؤدباً في كلامه مقارنة بغيره، لكنه ولاشك من ضمن آلاف الشباب الواقعين فريسة لاستغلال رؤوس ما يعرف بـ»المعارضة، تماماً كما أحسن أحد المغردين وصفهم «بمن باعوا أنفسهم لسياسي فاسد أو لرجل دين ذي مآرب»، فهؤلاء يقومون بشكل ممنهج بعملية غسل أدمغة الشباب وحشو رؤوسهم بكلام معاد ومكرر لآلاف المرات تجعل من أي شاب يصدق تماماً أنه مستهدف لانتمائه لطائفته تحديداً، ومرفوض في وطنه وغير معترف به، وأن أبناء الطائفة الأخرى مفضلون عليه وألا مجال للحل في البحرين، وأن كل ما تقوله الحكومة كذب وكل ما يقوم به النظام لا يمكن الوثوق به، وأنهم -المعارضة- من سيخلصه من ذلك وعليه أن يتبعهم؛ وما إلى ذلك مما يُحشى به عقل شاب في مقتبل العمر كحسن فيرى فيهم «قادة المعارضة» أصحاب الخبرة وصواب الرأي، فإذا امتزج ذلك بما يتعمدون فعله من طرق باب المظلومية الكامن في ثنايا سيكلوجية الخطاب الجمعي الشيعي يضمنون ولاءً مطلقاً من هؤلاء الشباب، فهم قليلو الخبرة بما يسهل عملية التأثير فيهم ويضمن انقيادهم.
لك يا حسن ولكل الذين هم مثلك من شباب يافع أظن فيهم الخير لو أنهم لم يصبحوا فريسة سهلة لرؤوس التأزيم، أدعوك فقط للتفكر بعيداً عن اعتبارات الانتماء الطائفي، فقط فكر كبحريني يحب بلده ويغار عليه ويتمنى له الخير، وأسالك: من قال إن البحرين بلد مثالي في كل شيء ولا توجد لدينا مشاكل اجتماعية واقتصادية ومعيشية؟ لا أحد يدعي ذلك!!، لكن لحظة؛ من قال أيضاً أن ذلك يخص طائفة دون غيرها؟ هل أبناء الطائفة السُنية يحصلون على بيت بعد أن يقدموا طلبهم بسنة وأنت تحتاج لعشر سنين؟!! وهل يحصلون على خدمات صحية أفضل منك؟ هل رواتبهم في نفس الوظيفة أعلى من راتبك؟ هل يحصلون على مستوى تعليم أفضل منك؟ ألا يوجد من أبناء طائفتك وزراء ومديرون وأطباء ومسؤولون كبار وقضاة ومعلمون وفي كل المهن؟ ألم تبتعثهم الدولة وتعينهم وتكرمهم؟
هناك مشاكل يا حسن نعم؛ لكنها مشاكل وطنية عامة وهي تحديات أمام الجميع لا تفرق بين شيعي وسُني، وحلها لا يكون بتدمير البلد وبالتخريب وشق الصف وإنما بالعمل السياسي السلمي المقبول والمتفق عليه بين جميع أفراد الشعب وليس طائفة دون أخرى، أرجع إلى بداية الأزمة حينما مدت الدولة يدها؛ لماذا لم يتجاوبوا؟ وحينما جاءتهم دعوات توحيد الصف من تجمع الفاتح الأول الذي ذكر فيه الشيخ عبداللطيف آل محمود مطالب سياسية كبيرة في كل نواحي الحياة ودعاهم لها، لماذا رددوا ليسقط النظام؛ هل هذه دعوات إصلاح سياسي؟! أم انقلاب على الشرعية؟ ولا تقل لي إنه لا يجب الوثوق بالنظام؛ فهذا يجعل منك في مواجهة مع كل أبناء وطنك؛ فهل يرضيك ذلك؟
ثم يا حسن كيف تريدنا أن نثق بمعارضة يقبل أحد رموزها رأس رئيس دولة تطمع في وطنك وتعتبره جزءاً من أراضيها؟ ألم يحضر رموز من المعارضة اجتماع محافظات إيران كممثلين عن محافظة البحرين كما يسمونها؟ أليست هذه خيانة للوطن؟ هل ترضى بذلك؟ وكيف تريد من الطرف الآخر ألا يعتبر من يفعل ذلك خائناً لوطنه؟ وكيف تريد منه أن يصدق أن المعارضة تريد إصلاحات سياسية؟!
يا حسن كان الوطن يسير إلى الأمام في مشروعه الإصلاحي يُسرع أحياناً ويبطئ أحياناً، ينجز هنا ويتعثر هناك، لكنه كان يسير في الاتجاه الصحيح إلى أن قام من خدعوك بأكبر فتنة تمر بها البحرين، وصدقني هم لا يريدون إصلاحات سياسية وإن خدعوك وأمثالك بذلك!! وأخشى أن يقدموا دمك ذات يوم في سبيل تحقيق أهدافهم كما قدموا دماء شباب في مقتبل العمر خدعوهم واستغلوا حاجتهم واندفاعهم وضحوا بهم، فلا تكن أنت ضحيتهم القادمة التي سيتاجرون بها.