يبدو أن الخشية من تفويت فرصة جديدة لاستثمار دعوات الحوار قد تحدث من جديد، هكذا على الأقل نستشعر مع تلمس المؤشرات الأولى لردود فعل الأطراف المؤثرة في استكمال حوار التوافق الوطني؛ وهي تجمع الوحدة الوطنية وائتلاف الجمعيات السياسية الوطنية (جمعية المنبر الوطني الإسلامي، جمعية الأصالة الإسلامية، جمعية الشورى الإسلامية، جمعية الوسط العربي الإسلامي، جمعية الحوار الوطني، جمعية حركة العدالة الوطنية، جمعية الصف الإسلامي، جمعية ميثاق العمل الوطني، جمعية التجمع الدستوري) من جانب؛ والجمعيات الخمس (الوفاق، وعد، القومي، الوحدوي والإخاء) من جانب آخر!!
بالنظر إلى بيان الجمعيات الخمس نجد أنه مازال يحمل نفس مفردات ومواقف وبيانات سابقة منذ مارس 2011 (مارس وليس فبراير)، فخطابات فبراير كانت مختلفة ولا داعي للرجوع إليها!! لكن المعارضة منذ مارس (السلامة الوطنية) وهي تردد نفس العبارات، فهل الوضع اليوم هو ذاته لم يتغير منذ ذلك الوقت!! بالطبع لا؛ فلماذا يا ترى هذا الجمود في المواقف؟!
لنضرب مثالاً بالبند الأول من بيان الجمعيات الخمس الأخير (إن أي حوار جاد يتطلب التوافق بين طرفيه على أجندته وآلياته ومدته الزمنية ليساهم ذلك في إعطاء الثقة الأولية بجدية هذا الحوار) نفس هذه العبارة تكررت تقريباً بالمعنى في بيان الجمعيات عند انسحابها من حوار التوافق الوطني الأول، ووصفه بعدم الجدية!! وهنا يحمل البيان نفس التلويح بعدم الجدية، وهو موقف مبدئي غير إيجابي وبالتأكيد لن يكون مثمراً!!
كذلك ما جاء في البند الثاني (تؤمن المعارضة بحق جميع الأطياف، بما فيها الرموز المعتقلة، الاشتراك في الحوار!! وأن يتم هذا الحوار عبر لقاء ممثل عاهل البلاد المفوض بالحوار مع أطراف المعارضة على انفراد وله أن يجتمع مع غيرها بالشكل الذي يراه مناسباً حتى يتم التوافق التام عبر اللقاءات المنفردة وعند تحقق التوافق يمكن عقد اجتماع عام للإعلان عن ذلك)، يبدو أن المعارضة إلى الآن لم تستوعب أنه ما عاد ممكناً أو مقبولاً أن تكون هناك حوارات جانبية بينها (تحديداً الوفاق كي نسمي الأشياء بأسمائها) وبين السلطة كما كان يحدث سابقاً، قد نفهم أن تكون هناك ترتيبات ثنائية غير معلنة ولقاءات لتهيئة الأرضية، لكن من الصعب أن يتم قبول حوارات تفصيلية وتفاهمات على جوهر قضايا الحوار بين السلطة و(الوفاق) دون بقية الأطراف السياسية الأخرى!!
من حيث المبدأ كنا ولا نزال وسنظل مع الحوار، لأننا نرى فيه المخرج الذي لا بديل عنه، وحتى حينما كان مجرد ذكر الحوار يجعلك عرضة لسيل من الاتهامات والاعتراضات صرحنا بدعمنا للحوار، لكننا نكرر أنه دعم مشروط بتغليب المصلحة الوطنية وبتوافق ورضا كافة الأطراف بغير اختطاف طرف (كما تحاول المعارضة اختطاف الحوار وتحويله إلى ثنائي مع الحكم) أو إلغاء طرف آخر (كما تحاول بعض الجهات إخراج المعارضة من العملية السياسية ورفض اعتبارها طرفاً مقبولاً في الحوار، وهذا أمر يعلم الجميع ومهما اختلفنا مع المعارضة ورفضنا ما قامت به منذ بدء الأزمة؛ إلا أننا ندرك أنه لا يمكن الوصول لحل للخروج من الأزمة دون مشاركتها فيه)، لذلك لا بد من نشر وعي حقيقي بين الناس يوضح أهمية الحوار وفرضياته وفرص نجاحه وتأثير ذلك على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الراهن حتى لا يكون رفض الحوار بعنجهية ولا الموافقة عليه بغير فهم.
من المهم كذلك أن تعلم الوفاق أننا لا ندفع بالحوار اليوم ولم ندفع به قط من أجلها هي أو لإيجاد مخارج لها أو لضمان استمالتها أو عودتها للعمل مع باقي أطراف السياسية، أو لأنها فرضت ذلك علينا، لم تكن الوفاق غايتنا ولا حتى من يسير في ذيلها، إنما كانت البحرين هي غايتنا حكماً وشعباً، ويجب أن يعرف ويفهم الجميع ذلك، لأن هناك من جماعات المعارضة من يحاول أن يحقق مكاسب وهمية بين أتباعه فيصور لهم أن كل دعوات الحوار تلك ماهي إلا محاولة لإرضاء المعارضة لأن مواقفها هي الأقوى والمتحكمة بالوضع والواقع وهذا طبعاً غير صحيح، كما هناك في المقابل من يحاول تهييج مشاعر الناس وتأليبهم على الحوار فيوهمهم أن كل هذا الحوار ماهو إلا من أجل إرضاء الوفاق وإسكاتها على حسابهم، وبالتالي يضمن عدم حصول قبول شعبي للحوار ونتائجه لدى الشارع المقابل من الأغلبية (سنة وشيعة) المضادة لجماعات التأزيم، لذلك نقولها للجميع لم يكن الحوار قط سبيلاً لإرضاء الوفاق (ولو كان كذلك لما دعمناه)، إنما ينادى به للخروج من الأزمة والبحث عن البديل الذي يحقق الأمن ويحافظ على المصلحة العامة ويضمن الاستقرار للجميع.
- شريط إخباري..
نخشى فعلاً أن تنشغل الأطراف في المغالبة بدلاً من السعي للخروج من عنق الزجاجة الخانق، نخشى أن تطغى الملاسنات والمشاحنات وتصفية المواقف أو محاولة الحفاظ على مكتسبات فئوية ضيقة أو تحقيق مكاسب سياسية خاصة على حساب مصلحة ومستقبل ومصير وطن بأكمله سيكمل عامين من الوجع والانقسام الذي دفع الجميع ثمنه باهظاً.