هل بالإمكان رأب الصدع بين الإسلام والغرب في ضوء المواجهات المحتدة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها المختلفة في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان وفي الغرب نفسه؟ وهل بالإمكان تجاوز الملابسات التي أضيفت إلى تعقيدات الماضي وعقده وتاريخه المليء بالحروب والدماء؟ وما السبيل إلى تطبيع العلاقات بين المسلمين والغرب على أساس عادل وإنساني يأخذ في الاعتبار الحاجات والحقوق الخاصة بالطرفين اللذين يحتاجان في النهاية إلى بعضهما البعض.
للإجابة عن هكذا أسئلة، من الضروري التمييز بين المفهوم السياسي والاقتصادي للغرب وبين المفهوم التاريخي والثقافي له؛ فالمفهوم الأول بدأ يفرض نفسه فقط منذ سنة 1945، تحت القيادة المعلنة والمتصاعدة للولايات المتحدة الأمريكية وينطلق من المفهوم الأنجلو- سكسوني للشرق الأوسط، أما المفهوم الثاني (وهو الأقدم)؛ فإنه يستحضر في النظر إلى الإسلام المرجعيات التاريخية والفكرية والثقافية التي تعود إلى أعماق القرون الوسطى.
ولذلك لا غرابة أن يتم التأكيد وباستمرار في العلاقات الثنائية بين الدول سواء على مستوى خطاب الوحدة الأوروبية مع بداية الإعلان عن الحوار الأورو-متوسطي على علاقات الجوار التاريخية بين أوروبا المتوسطية وبين العالم العربي (ومعه المحيط التركي)؛ المنتمي إلى الحوض المتوسطي على وجه الخصوص، حيث تجري المفوضات السياسية والاقتصادية والأمنية منذ مؤتمر برشلونة في 1995 وحتى اليوم على أساس العمل على تجاوز مرحلة التبادل غير المتكافئ والتهميشي مع هذه الدول وضرورة التفاوض دون توقف مع دول قليلة الاهتمام والخبرة بالشرعية الديمقراطية، من أجل بناء تاريخ مشترك جديد قائم على أساس من التضامن من أجل السلم والأمن والازدهار على قاعدة الاحترام المتبادل من مختلف الشركاء لهذه القيم (هذا هو الشعار المعلن على الصعيد الرسمي على الأقل).
إن هذا التاريخ المشترك الذي يفترض أن تجري حوله المفاوضات بين الدول التي تنتمي إلى هذا الحيز الجغرافي - التاريخي - الاقتصادي، يعني تدشين مرحلة جديدة من الدبلوماسية الوقائية، خارج أوقات الأزمات الحادة، بغرض تأسيس سياسة مشتركة ليس في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية فحسب، بل في المجال الثقافي بالدرجة الأولى، سياسة للبحث في علوم الإنسان والمجتمع والتاريخ تعمل على ردم الهوة التاريخية (وهوة من الأوهام في الكثير من جوانبها) لإشاعة ثقافة إنسانية تضامنية تؤسس لتبادل المنافع والحاجات والتعاون ووضع حد للظلم والعدوان والاستغلال، بل قد نحتاج إلى إعادة النظر في العديد من الجوانب المتعلقة بالإعلام والتعليم، هنا وهناك، بحيث يتم تقديم الإجابات التي تحظى بالصدقية والتي يتم التأكد من صحتها علمياً في كل ما يتعلق بالمشكلات التي قسمت منذ قرون ما يسمى بالوعي الحضاري والوطني والديني، والذي كرسه عدد من التكييفات المنحازة (الأسطورية والأيديولوجية) للتاريخ، والقابلة للتوظيف في كل أوان ضد (العدو) الذي تم تشكيله منذ زمن بعيد، وذلك في اتجاه تكثيف اللقاءات والحوارات بين الأديان والثقافات والتي يتم تكثيفها انطلاقاً من الدعوات الأخلاقية إلى التسامح والإعلانات المتبادلة بشأن احترام قيم الآخر.
وحده التضامن الإنساني بين الشعوب يمكنه أن يوصل الفكر الإسلامي والمسلمين إلى مواجهة التحديات الأكثر نوعية للحداثة والعصر بالاستفادة من العلاقات الكونية الجديدة، ومن إنجازات الفكر العلمي ومن السؤال الفلسفي، وذلك لأن الفكر الإسلامي التقليدي قد رفض باستمرار القبول بالإنجازات التحررية والعقلانية التي تم تحقيقها في المرحلة التاريخية التي يهيمن فيها الغرب على العالم، وبالعكس من ذلك ظل منغلقاً على نفسه داخل سياج عدائي ضد الغرب، مع الحرص على الاستمرار في تضخيم الصورة المتعلقة بالمقاومة والاحتماء بالملاذات والمرجعيات المرتبطة بالهويات، مما أسهم في تصوير الإسلام على أنه أيديولوجية قتال دائمة، في ظل مجتمعات محرومة ومظلومة تخضع للهيمنة والاعتداء السياسي والثقافي والسيطرة من قبل الغرب مع إحساس متزايد بالضعف والإهانة والإحباط.
إن مثل هذه الجدلية رغم بداهتها ووضوحها فإنها لم تقرأ على نحو موضوعي من قبل الغرب، بل إنها مقروءة قراءة معكوسة تماماً وبشكل انتقائي وعدائي في معظم الأحيان، مثلما هو الشأن بالنسبة للعديد من الكتاب المؤثرين جداً مثل (برنار لويس) الذي يفسر أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بأنها نتيجة طبيعية للعوامل الداخلية الخاصة بالإسلام وطبيعته وطبيعة الأنظمة العربية والإسلامية.
إن فكراً نقدياً مسلحاً بأدوات وإمكانات العقل الضرورية يمكنه إعطاء معنى جديداً ومهام جديدة لهذا التاريخ المشترك للشعوب المتحررة من ذاكرة المواجهة المثخنة بالدماء والكراهية.
للإجابة عن هكذا أسئلة، من الضروري التمييز بين المفهوم السياسي والاقتصادي للغرب وبين المفهوم التاريخي والثقافي له؛ فالمفهوم الأول بدأ يفرض نفسه فقط منذ سنة 1945، تحت القيادة المعلنة والمتصاعدة للولايات المتحدة الأمريكية وينطلق من المفهوم الأنجلو- سكسوني للشرق الأوسط، أما المفهوم الثاني (وهو الأقدم)؛ فإنه يستحضر في النظر إلى الإسلام المرجعيات التاريخية والفكرية والثقافية التي تعود إلى أعماق القرون الوسطى.
ولذلك لا غرابة أن يتم التأكيد وباستمرار في العلاقات الثنائية بين الدول سواء على مستوى خطاب الوحدة الأوروبية مع بداية الإعلان عن الحوار الأورو-متوسطي على علاقات الجوار التاريخية بين أوروبا المتوسطية وبين العالم العربي (ومعه المحيط التركي)؛ المنتمي إلى الحوض المتوسطي على وجه الخصوص، حيث تجري المفوضات السياسية والاقتصادية والأمنية منذ مؤتمر برشلونة في 1995 وحتى اليوم على أساس العمل على تجاوز مرحلة التبادل غير المتكافئ والتهميشي مع هذه الدول وضرورة التفاوض دون توقف مع دول قليلة الاهتمام والخبرة بالشرعية الديمقراطية، من أجل بناء تاريخ مشترك جديد قائم على أساس من التضامن من أجل السلم والأمن والازدهار على قاعدة الاحترام المتبادل من مختلف الشركاء لهذه القيم (هذا هو الشعار المعلن على الصعيد الرسمي على الأقل).
إن هذا التاريخ المشترك الذي يفترض أن تجري حوله المفاوضات بين الدول التي تنتمي إلى هذا الحيز الجغرافي - التاريخي - الاقتصادي، يعني تدشين مرحلة جديدة من الدبلوماسية الوقائية، خارج أوقات الأزمات الحادة، بغرض تأسيس سياسة مشتركة ليس في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية فحسب، بل في المجال الثقافي بالدرجة الأولى، سياسة للبحث في علوم الإنسان والمجتمع والتاريخ تعمل على ردم الهوة التاريخية (وهوة من الأوهام في الكثير من جوانبها) لإشاعة ثقافة إنسانية تضامنية تؤسس لتبادل المنافع والحاجات والتعاون ووضع حد للظلم والعدوان والاستغلال، بل قد نحتاج إلى إعادة النظر في العديد من الجوانب المتعلقة بالإعلام والتعليم، هنا وهناك، بحيث يتم تقديم الإجابات التي تحظى بالصدقية والتي يتم التأكد من صحتها علمياً في كل ما يتعلق بالمشكلات التي قسمت منذ قرون ما يسمى بالوعي الحضاري والوطني والديني، والذي كرسه عدد من التكييفات المنحازة (الأسطورية والأيديولوجية) للتاريخ، والقابلة للتوظيف في كل أوان ضد (العدو) الذي تم تشكيله منذ زمن بعيد، وذلك في اتجاه تكثيف اللقاءات والحوارات بين الأديان والثقافات والتي يتم تكثيفها انطلاقاً من الدعوات الأخلاقية إلى التسامح والإعلانات المتبادلة بشأن احترام قيم الآخر.
وحده التضامن الإنساني بين الشعوب يمكنه أن يوصل الفكر الإسلامي والمسلمين إلى مواجهة التحديات الأكثر نوعية للحداثة والعصر بالاستفادة من العلاقات الكونية الجديدة، ومن إنجازات الفكر العلمي ومن السؤال الفلسفي، وذلك لأن الفكر الإسلامي التقليدي قد رفض باستمرار القبول بالإنجازات التحررية والعقلانية التي تم تحقيقها في المرحلة التاريخية التي يهيمن فيها الغرب على العالم، وبالعكس من ذلك ظل منغلقاً على نفسه داخل سياج عدائي ضد الغرب، مع الحرص على الاستمرار في تضخيم الصورة المتعلقة بالمقاومة والاحتماء بالملاذات والمرجعيات المرتبطة بالهويات، مما أسهم في تصوير الإسلام على أنه أيديولوجية قتال دائمة، في ظل مجتمعات محرومة ومظلومة تخضع للهيمنة والاعتداء السياسي والثقافي والسيطرة من قبل الغرب مع إحساس متزايد بالضعف والإهانة والإحباط.
إن مثل هذه الجدلية رغم بداهتها ووضوحها فإنها لم تقرأ على نحو موضوعي من قبل الغرب، بل إنها مقروءة قراءة معكوسة تماماً وبشكل انتقائي وعدائي في معظم الأحيان، مثلما هو الشأن بالنسبة للعديد من الكتاب المؤثرين جداً مثل (برنار لويس) الذي يفسر أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بأنها نتيجة طبيعية للعوامل الداخلية الخاصة بالإسلام وطبيعته وطبيعة الأنظمة العربية والإسلامية.
إن فكراً نقدياً مسلحاً بأدوات وإمكانات العقل الضرورية يمكنه إعطاء معنى جديداً ومهام جديدة لهذا التاريخ المشترك للشعوب المتحررة من ذاكرة المواجهة المثخنة بالدماء والكراهية.