للتذكير فقط؛ بالنسبة للذين يجهلون أسس ثقافة اليسار وفكره نذكر بارتباط نضال اليسار بالنضال ضد الرجعية والطائفية، وارتباط النضال من أجل بناء الديمقراطية بالنضال ضد الإمبريالية، وارتباط النضال السياسي بالنضال الاجتماعي، وارتباط النضال من أجل الحريات العامة والخاصة بالنضال من أجل حقوق الإنسان. وللتذكير أيضاً، لمن يجهل التاريخ القريب، في العام 1979 صادق حزب «توده» الشيوعي الإيراني على دعم الخميني مؤكداً المشاركة في الاستفتاء والانتخابات، وفي وقت سابق من نفس العام ساند الحزب الإسلاميين باعتبارهم الحكام الجدد، وبعد ذلك مباشرة شرعت المحاكم الإسلامية، في تنفيذ أحكام الإعدام في المناضلين من العمال والنقابيين والناشطين السياسيين. ومع ذلك فإن حزب «توده» شهر بالذين انتقدوا المحاكم الإسلامية واتهمهم بالعمالة للسافاك والاستخبارات الأمريكية، وتدريجياً انقلبت ثورة الخميني على حلفائها من اليسار (من «توده» ومن غير «توده») ونكلت بهم وأعدمت الآلاف منهم، «ومسحت الأرض بهم» وأسست لدولة الاستبداد والانفراد بالسلطة باسم الدين. لقد أكدت تلك التجربة المريرة بالنسبة لمن فقد ذاكرته وجود مخاطر كبيرة وحقيقية من التحالف مع القوى الدينية الطائفية على النضال من أجل الديمقراطية ومدنية الدولة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. فالخيار بين الوقوف مع الإصلاح السياسي الرسمي -مهما كان محدوداً- وبين المواقف الانقلابية للقوى الدينية - الطائفية، قد أفضى إلى انحياز جزء من اليسار إلى جانب القوى التي تشكلت في رحم الطائفية الجديدة المرتبطة بالمنظور الإيراني للحكم. كما إن الخيار بين الموقف الوطني في مواجهة التدخل الإمبريالي، وبين الموقف المتخاذل والمتواطئ مع الأجنبي (على شاكلة الحالة العراقية) قد أفضى هو الآخر إلى التورط في بعض المواقف في نوع القبول الغريب بالتعاون مع القوى الاستعمارية التي لا تخفي مصالحها وأطماعها في التدخل في الشأن الوطني والشأن الإقليمي باستغلال المشكلات والأزمات الداخلية. ويمكن هنا الاسترسال في استعراض الأمثلة العديدة التي تورط فيها هذا اليسار إرضاء لحلفائه -تواطؤاً أو تجاهلاً أو سكوتاً، سواء بالنسبة للنضال النقابي أو بالنسبة لقضايا المرأة والحريات أو بالنسبة للموقف من العنف ومن الطائفية المقيتة- لكن من الواضح أن هذا الحلف قد تم تأسيسه بالدرجة الأولى على أسس تتناقض مع مبادئ اليسار، بل وقع خلاله وبسببه تشويه القيم التي قام عليها اليسار، مثل المساواة والتضامن والعدالة والحرية ومعادة الإمبريالية، وفي المقابل كرس هذا التحالف قيم اليمين المرتكزة على الطاعة والتقديس لرجال الدين والاضطهاد للمرأة وخداع الجماهير. فكانت النتيجة على قدر الاختيار؛ التورط في معركة عبثية أسهمت في تأخر الحراك الديمقراطي والنضال الاجتماعي لتكريس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وتعزيز الشفافية والمحاسبة وتنمية ثقافة حقوق الإنسان وتكريسها في الممارسة العملية. إن التحالف مع الأحزاب الطائفية هدم للوطن وتخريب للتطور، لذلك لا بديل عن تصعيد التحالف بين القوى الديمقراطية التي تطرح دولة مدنية علمانية على أساس المواطنة الحرة دون أي شكل من أشكال التمييز، لأن الأحزاب الطائفية، ورغم ما تقوم به من محاولات لتعمية العيون وبث الخرافات وحديثها عن الوطن والديمقراطية، وبالرغم مما تنصبه من فخاخ لاعتقال الوطن في زنزانات مذهبية متخلفة، فإنها لن توصلنا إلا للكارثة، ببناء دولة الطائفية والمحاصصة والاستبداد. لا بد لليسار، إن أراد أن يحافظ على هويته السياسية وأن يكون مسهماً فعالاً في حركة التاريخ من أجل بناء الديمقراطية والعدالة، أن لا ينخدع وألا يكرر أخطاء اليسار في إيران والعراق، باستمراره في التحالف مع القوى الطائفية، وبدلا من ذلك، أن يحافظ على استقلاليته السياسية، والتوقف عن الاستمرار في التظاهر بأن المواجهة مع الإمبريالية لم تعد ضرورية، بل المطلوب أن يعلن صراحة رفضه القطعي للتعامل مع القوى الاستعمارية مهما كان الثمن، ومهما كانت المغريات كبيرة. ^ همس.. ماذا كانت نتيجة انسياق القوى الديمقراطية والليبرالية والتقدمية في دول أوروبا الشرقية وراء التحالف مع القوى الغربية ضد النظم الاشتراكية في أوروبا الشرقية؟ النتيجة كانت في أغلب الأحيان بطالة وانعداماً للسيادة، وانهياراً للتقدم الصناعي والاجتماعي، بل إن بعض تلك الدول قد تتحلل جغرافيا، وتنهار اجتماعيا واقتصاديا، فأين هي يوغوسلافيا؟ وأين هي تشيكوسلوفاكيا بإبداعاتها وانتصاراتها الفنية والعلمية والرياضية؟
{{ article.visit_count }}