برصيدهم في إدارة الأزمات في الربيع العربي تصبح دول الخليج هي المخرج عبر مبادرة لدمشق، فقد سارعت سوريا في 7 أغسطس 2011 إلى رفض البيان الخليجي معربة عن «أسفها» ولم تعرب عن «غضبها» لصدوره، وفي الوقت نفسه يأتي التقارب الخليجي خطوة لتدعيم أمن الخليج حتى تتوقف «الفزعة» الإيرانية لدمشق في المنامة بالشغب وفي الكويت بميناء مبارك الكبير، كما إن الحل الخليجي خطوة في تأمين سلامة الأردن شريكنا المستقبلي. ولأسباب يمنية وخليجية خرجت المبادرة الخليجية في صنعاء من أيدينا، لذلك يجب أن تكون المبادرة الخليجية لدمشق جهداً خليجياً مشتركاً لتنجح، ويتم عبرها انتقال السلطة والوحدة والتغيير والإصلاح، وأن تتضمن كما نرى آلية تنفيذية تشمل: 1- تشكيل مجلس انتقالي لجميع أطراف المعارضة للعمل كطرف مفاوض. 2- مع احتفاظ الرئيس بمنصبه اسمياً، تسليم السلطة لنائب الرئيس البعثي الهادئ فاروق الشرع الذي عمل في دبي 1976-1984، ليقوم بتشكيل حكومة وفاق وطني، ويدعو نواب الشعب للمصادقة على القوانين. 3- يتم إقرار قوانين الحصانة للرئيس وجماعته على أن يستقيل على إثرها. 4- إعداد دستور جديد، يتم عرضه على استفتاء شعبي، ثم انتخابات برلمانية يشكل على إثرها الحزب الفائز الحكومة الجديدة. 5- تكون دول مجلس التعاون والجامعة العربية وتركيا والاتحاد الأوروبي شهوداً على تنفيذ هذا الاتفاق. في الأزمة السورية فقط تبقى الكتابات القديمة صالحة للنشر في أي وقت، فالأوضاع لم تتغير منذ قيام المظاهرات الشعبية ضد قمع وفساد نظام الأسد، وما سبق كان جزءاً من مقال لنا نشرته «جريدة العرب» تحت نفس العنوان، فهل تبنت تركيا مقترحنا كما جاء في البند الثاني الذي نشر في 24 أغسطس 2011 بتسلم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع رئاسة حكومة انتقالية في سورية، كما جاء على لسان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، لأنه لم يعد لتركيا قبل بالصراع في سوريا وعادت لممارسة عقيدة عدم التورط، بل وتوريط الآخرين بدل منها. فقد تحدث وزير خارجيتها حين بدأت الحرب عن منطقة عازلة، ثم لوح بتدخل عسكري ثم منطقة حظر طيران، لكي يتراجع بنفس سرعة طرح مقترحاته خوفاً من هروب ملايين السياح لو واجهتهم دمشق على مستوى حرب شاملة، بعد ذلك أسقطت وسائط الدفاع الجوي السورية الفانتوم التركية، فاعتقدنا بوجود رد عسكري جاهز تنفذه القوات التركية خلال ساعات، ويكون ذريعة الحرب التي انتظرها كل من ساءهم قتل المدنيين على يد آلة العنف البعثية. وبدل من ذلك راحت أنقرة في تبرير طلعة تلك المقاتلة ومداها وأين أسقطت، وكأنها تبحث عن عذر لدمشق، وحين قصفت القوات السورية قبل أسبوعين بلدة تركية مخلفة القتلى، تصدر وسائل الإعلام أن تركيا تحذر سوريا بالرد في حال استمرار الانتهاكات لحدودها، وعندما استمر القصف السوري ردت تركيا بقصف عشوائي هزيل أرادت أن يصل لوسائل الإعلام أكثر من إرجاع القوات السورية بعيداً عن حدودها. ولم تنسَ أن تربط ذلك بطلب المزيد من المساعدة الدولية إزاء تدفق اللاجئين السوريين. باختصار لا نجد حين نبحث عن أجوبة ميدانية في الجهد التركي تجاه ما يجري في سوريا ما يوازي الضجة الإعلامية التي تخلقه حول دورها هناك، لقد كانت الرؤى الحاكمة لاقتراحنا قبل عام بتسلم فاروق الشرع للسلطة تعتمد -في ذلك الوقت- على الإدراك الانتقائي بالدرجة الأولى، بمعنى أننا كنا نرى ما نحبه في فاروق الشرع كونه درعاوياً سنياً عشائرياً عمل مع الخليجيين عن قرب حين عاش في دبي مديراً للخطوط الجوية السورية. أما بعد تبني تركيا لذلك، متأخرة، فنتخلى عن جزئية اختيار الشرع، فقد اتضحت المسارات التركية المحتملة للتعامل مع سوريا المستقبل عبر عقيدة عدم التورط، وفيها ترك دور أكبر للخليجيين لإنجاز المرحلة الافتتاحية من إزاحة بشار، خصوصاً بعد اقتراح الدوحة تدخل عسكري عربي، مما يعني دعم خليجي اقتصادي وسياسي وعسكري حتى عودة الأمور تدريجياً لطبيعتها في سوريا عبر مشاريع إعادة البناء، كما ستكون دول الخليج من يفتح لسوريا الجديدة النوافذ الغربية. في المشهد النهائي من الفيلم التركـي الضخــم فــتـــح «1453 Fetih» من إنتاج 2012، ويعرض حالياً، تظهر جثة قسطنطين الحادي عشر «Constantine XI» وهو مغطى دون إشارة إلى من قتل آخر إمبراطور بيزنطي يوم سقوط القسطنطينية، رغم أهمية الأمر، بل إن مؤرخ عثماني واحد طوال القرون الماضية لم يهتم بذكر من قتل قسطنطين، ثم تكرم إبراهيم حليم في كتابه المطبوع بالقاهرة 1905م بعنوان «التحفة الحليمية في تاريخ الدولة العلية» بذكر الرجل الذي غير مجرى التاريخ بطريقة لا تتناسب مع قدره، حيث جاءت عبارات المؤلف كالتالي «في الرابع والخمسين يوماً من المحاصرة هجم السلطان بعساكره على الآستانة فدخلوها وخرج الإمبراطور قسطنطين من سراية تكفور بعساكره خاصة للمدافعة وبيده السيف مسلول، فوجد نفراً عربياً مجروحاً فأراد قطع رأسه فسبقه العربي الجريح بضربة بسيفه فقطع بها رأسه فتم الفتح»، فهل نتوقع أن يدرك الأتراك أخيراً، وهم من أنكر حتى حروفنا العربية، أن حل الأزمة السورية عربي وخليجي تحديداً، حيث إن على مجلس التعاون طرح مبادرته فوراً مع أخذ الحذر من أن تعود أنقره لالتقاط حطام الناقة وتقودها للمعسكر العثماني.
{{ article.visit_count }}