كثيراً ما تحدثنا ونتحدث عن أهمية التعقل والعقل ودور العقلاء في أزمة البحرين، وفي كل مرة ومنذ حوالي خمسة أعوام أو يزيد، نقوم بمدحهم واستدرار مشاعرهم الإنسانية نحو المزيد من إعمال العقل على أرض الواقع، إلا أن (عمك أصمخ)، فإما أنهم لا يريدون أن يحركوا ساكناً أو أنهم بالفعل ليسوا من طائفة العقلاء، وفي كلتا الحالتين هنالك مصيبة.
ما عسى أن نستفيده من شريحة العقلاء وهم جالسون في منازلهم لا يريدون أن يتركوا لهم بصمات إيجابية في المشهد السياسي والوطني في البحرين؟ وما عسانا سنجني من حجم الصراخ والألم والاستغاثة من كل العقلاء، حين يصرون على صمتهم وعدم تدخلهم، لفرملة الأخطاء والإعوجاج من الأطراف المجنونة؟
عقلاء مع وقف التنفيذ، هذا هو أفضل ما يمكن لنا قوله في حالة عقلاء البحرين، ومن الطبيعي جداً، حين لا يستخدم العاقل عقله على أرض الواقع تكون حاله حال العالم الذي لا يستخدم علمه والذي لَعَنَهُ الحديث الشريف.
عقلاء، لكن لا نجد لهم من أثرٍ، حين حلول وقت الشدائد والمحن، عقلاء لكن ليس في وضعٍ كوضع البحرين، عقلاء لكن ليسوا كالعقلاء، بل إن كل الذي اكتشفناه واقعاً هو حالة قدسية مجردة يسبغها عليهم مجتمعنا دون مطالبته لهم بالتحرك الفعلي لتكوين حائط صدٍّ لكل أشكال الخروج عن العقل والتعقل.
ربما يقول البعض؛ ما عسى أن يفعله العقلاء في مجتمع يغلب عليه الجنون؟ ونحن نقول هل جرَّب هؤلاء العقلاء دورهم العُقلاني في تثبيت واقع المجتمع من أجل التعايش والتآخي والدعوة للتوازن وحفظ النفس وصونها؟ أم أنهم إلى الآن لم يقوموا بأي تحرك وطني ولو كان صغيراً؟ إذا لم يستخدم العاقل عقله في هذه الظروف الصعبة، فمتى سيستخدمه إذاً؟.
في ظل الإرهاصات المجتمعية الكبيرة قد نخلق الأعذار للعقلاء، لكن هذا ليس في كل حين، فالوطن ومن يعيش على أرض هذا الوطن يستحقون أن ينزل لهم العاقل (ولو قليلاً) من برجه العاجي لمواجهة المرجفين في المدينة، وأن يتكلم بقوة الحكمة عن أخطاء كل الأطراف إن سنحت له الفرصة بذلك، لا أن يقف في الصفوف الخلفية أو يقبع متخاذلاً في غرفة نومه.
إن صمت العقلاء يزيد من حالة الضغط على بعضٍ من الذين يحاولون إعادة القطار إلى سكته ومساره الصحيح. كما إن صمتهم يعتبر فرصة سانحة لكل مجانين الوطن في التحرك بكل حرية في تنفيذ مشتهياتهم وشهواتهم ونزواتهم الجنونية، لأن الذي كان من المفترض أن يقوم بحالة التصدي لمشاريعهم بات نائماً في العسل عبر صمت غير مبرر.
صحيح أنهم عقلاء على المستوى الفكري والنظري، لكن حين ينتفي دورهم هذا من المجتمع فإنهم والمجانين سواء، لأن خطر الصمت عن الأخطاء يعادل خطر الأخطاء الصادرة من العابثين بوعي ومكتسبات الوطن.
هنالك عقل مجرد، وهنالك عقل مغلَّف بالضمير الإنساني الحي، فالأول يحاكي مصلحته الشخصية، والثاني لا ينام ولا يهدأ إلا بعد أن يقوم بأداء رسالته في وجه كل إعوجاج يصدر من المجانين، وإلا إذا لم يقم العاقل بهذه الرسالة الراقية، فإنه والمجنون سواء.