أي نوع من التغيير في أي مجال يتطلب أولاً تغييراً في الثقافة وتغييراً في الرؤية بشأن الأمور الإجرائية، بحيث ترتبط النظرة والرؤية بالرغبة في التطوير نحو الأفضل.
إحداث أي نوع من التغيير الإيجابي اليوم في أداء قطاعات الدولة بما ينعكس على مخرجاتها ويعود بالنفع على المواطن بدرجة أولى يتطلب إحداث هذا التغيير المطلوب في ثقافة عمل المؤسسات، ابتداء من إحداث التغيير بشأن دور القطاع وصولاً إلى تغيير ثقافة المسؤولين والموظفين بشأن رسالتهم وطريقة أدائهم.
هذه المعادلة شدد عليها وزير الدولة لشؤون المتابعة الأستاذ محمد المطوع في المؤتمر الصحفي بديوان صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء حفظه الله خلال إعلان نتائج تقييم التحكيم الثالث بمركز البحرين للتميز، وهو أوضح بأن «التغيير الجذري يتطلب تغييراً لثقافة المؤسسات»، شارحاً الآلية عبر إدخال هذه المؤسسات في «مختبرات للتنافسية».
قد لا يعرف كثير من الناس الدور المهم الذي يضطلع به «مركز البحرين للتميز» في مجال تغيير ثقافة أداء المؤسسات، وقد يظن البعض أنها مسألة تدخل في إطار الشعارات العديدة المرفوعة بشأن تطوير الأداء وتحسين المخرجات، على غرار الشعارات التي تتصدر التصريحات في الصحف ووسائل الإعلام «المبشرة» بثورة تصحيحية وإصلاحية في قطاعات الدولة، بيد أنها على خلاف ذلك تماماً، إذ بحسب الأرقام التي عرضت في المؤتمر وكون النتائج معنية بعملية تقييم هي «الثالثة» من نوعها يتضح بأن هذه الشعارات وضعت موضع التنفيذ منذ بدء عمل المركز، وها هي تفضي إلى تنافسية واضحة بين قطاعات الدولة بدأت تقاس بمدى التغيير الحاصل في الأداء.
حينما نعرف بأن المركز وضع خلال السنوات الثلاث الماضية أسساً ومنطلقات مبنية على معايير التميز العالمية بهدف الارتقاء بأداء قطاعات الدولة، فإن تطبيق هذه المعايير مع متابعة لها ستفضي بالتأكيد لنتائج إيجابية، وهو ما كشفته الأرقام والنسب المعنية بأداء مؤسسات الدولة وقطاعاتها.
عملية التغيير قد تأخذ وقتاً طويلاً جداً، لكن وتيرتها ستتسارع بالتأكيد حينما تكون مقرونة بتغيير ثقافة البشر وحينما يقتنعون بأن هذا التغيير هو الأساس في كل شيء.
الناس تتذمر دائماً من أداء قطاعات الدولة بالأخص القطاعات الخدمية، ولها في هذا الشأن أسباب مرتبطة بالأداء، ولكن الإيجابي فيما يحرص عليه مركز البحرين للتميز هو جعل رضا العميل هو أحد أهم عوامل القياس وتحديد الفاعلية في الأداء.
التميز في الأداء يستوجب «تحريك العقول البشرية» التي تعودنا على جمودها في دولنا العربية، بالتالي المقوم الإيجابي هنا هو تشجيع موظفي الدولة على التقدم بمشاريع استراتيجية تؤدي إلى الإبداع في الأداء الحكومي وتطوير طريقة عمله.
حينما ننفض الغبار عن عقولنا فإن الأفكار ستخرج بالتأكيد، وحينما نوجد بيئة محفزة تشجع الموظف على الإبداع والابتكار فإن كثيراً من الحلول والمشاريع والأفكار الإيجابية ستخرج وستأخذ طريقها للتطبيق على أرض الواقع.
يستحق مركز البحرين للتميز والقائمين عليه الإشادة والتقدير على جهودهم، خاصة وأن هذه الجهود منصبة على تغيير ثقافة الموظف والاستفادة من تطوير قدراته ومهاراته وحثه على التفكير الإبداعي بما ينعكس إيجاباً على أداء قطاعه، وهو أبلغ تأكيد على ما نردده دائماً بأن أهم ثروات هذه البلد تتمثل بمواطنها المخلص في ولائه المجتهد في عمله. نشكرهم على مساعيهم بشأن «نفض الغبار عن العقول».
في الختام لابد من إشادة واسعة بدعم سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان لهذه الجهود النيرة التي تحرص على الارتقاء بمنظومة العمل الحكومي انطلاقاً من عناصرها التي تشكل حجر الزاوية في أي عمل ونعني الموظفين والعاملين، خاصة في ظل توجيهاته بتخصيص جائزة للمؤسسات المتفوقة والمشاركين المتميزين من الدورة المقبلة وإيجاد نظام لقياس رأي المتعاملين في الخدمات الحكومية.
إيجابي جداً أن نرى هذه الجهود في مثل هذه المشاريع، مركز البحرين للتميز قدم لنا نموذجاً رائعاً لعملية البناء والتطوير في هذا الوقت الذي تحتاج فيه البحرين إلى التحديث «الحقيقي» ومواكبة الدول المتقدمة في ثقافة التغيير وتحسين الأداء إذ هي أهم العتبات في سلم التطور المؤثر.