تحدثنا كثيراً عن «مهازل» في التصرفـــات والسلوكيـــات سببها «الكراسي» و«المناصب»، خاصة حينما يتم وضع شخص «متخرع» و«ما شـــــاف خيـــر» في منصـــب «يخب عليه»، فينسى الأهم بأنه «موظف» في الدولة، يعني «خادم» للدولة وللمواطنين، ويتحول إلى «فرعون» وكل حديثه بصيغة «الأنا»، ومن يخالفه «يا ويله» كأنه شتم الدولة وتطاول عليها.
الزمن تغير، وكثير من المسؤولين والوزراء باتوا يدركون أنهم اليوم غير قادرين على معاملة الناس بـ«فوقية» و«تعال»، استوعب كثير منهم أن الناس ليســــوا «فداويـــة» أو «صبابـــي قهــوة» لديهم، أنت يا وزير ويا مسؤول مجبر بحكم موقعك وبحكم القسم الذي أقسمته أمام الله وثم ولي الأمر جلالة الملك بأن تعمل لأجل هذا الوطن والمواطن، والذي لو استدعى عملك 24 ساعة متواصلة دون أن تصدر عنك جملة «تذمر» واحدة.
نعم، ليــس من حق أي مســـؤول رفيــــع المقـــام والمستـــوى أن يتذمر من الناس ومشاكلهم، أن «يتأفف» من متابعتهـــا ومن الاستماع لهم ومن «حنتهم»، فهو قبل بهذا المنصب لأجل خدمة الناس، ومخطئ إن كان يظن بأن قبوله المنصب يعني تنعمه بالراتب الكبير والحصانة والجواز الدبلوماسي أو الخاص له ولعائلته والسيارات الفارهة والسواقين والموظفين وتعديل الوضع وغيرها دون أن يقدم شيئاً للمواطن في المقابل.
مشكلـــــــة «بعـــــض» هــــؤلاء المسؤولين –إلا من رحم ربي- أنه ينظر للناس على أنهم «رعاع» وأنهم طبقة أقل من طبقته «الهاي كلاس» بالتالي يتعامل مع كل شيء بفوقية وبنظام «أنا ربكم الأعلى».
نقول لمثل هؤلاء المسؤولين بأن لا المنصب ولا المال ولا النسب والحسب هو ما يرفع قدر الإنسان، ما يرفع قدر الإنسان هو عمله وأخلاقياته وتواضعه وتعامله المحترم مع الناس وإرضاؤه لربه.
شخصياً لا «ذرة احترام» أملكها لمسؤول يتعامل مع الناس على أنهم أدنى مستوى منه في البشرية، أو مسؤول يطالع البشر من فوق خشمه أو يغلق أبوابه في وجوههم.
الكبر والغرور آفات، من يعاني منها عليه أن يبحث عن علاج «نفسي» لهما، وحينما يتنامى لعلم الدولة أن مسؤولاً أو وزيراً تشبعت فيه هذه الصفات وأخذ يتصرف وفقها وحول قطاعه لـ»عزبة خاصة»، فإن الدولة مطالبة –نكرر مطالبة- بأن تزيله وتكف الناس من أذاه وشره، إذ مثل هؤلاء البشر بمثل نفسياتهم هم من يجلبون «العار» على المجتمع بأكمله، مثل هؤلاء الذين ينظرون للناس على أنهم في مرتبة «حثالة» ومكرم جميع الناس في بلدنا عن هذا الوصف، مثل هؤلاء لا يستحقون مواقعهم. يا ولي الأمر إن خير من استأجرت القوي الأمين.
أكتب هذه السطور وكلي غضب بعد قراءتي لخبر يفيد بنظر المحكمة الصغرى الجنائية لقضية عضو في مجلس الشورى متهم بإهانة رجل مرور والاعتداء عليه، وتشير التفاصيل إلى أن الحادثة وقعت قبل تعيينه في الشورى قبل عامين، إذ حينما أوقفه رجل المرور أخذ الأخ يصرخ في وجهه ويؤنبه لإيقافه وبأنه –أي رجل المرور- يجهل شخصه ومن يكون!
أفا يا رجل المرور، والله عيب علي ك، أتجهل شخصه؟! هذا «نفر كبير»، بالتالي لا يجب أن تعامله مثل بقية المواطنين ذوي المستويات الدونية، هذا شخص يجب أن تؤدي له التحية وتقول له «تآمر عمي» و»آسف أنا الغلطان إني وقفتك»!
المؤسف أن مثل هذا الشخص بمثل هذه السلوكيات والتصرفات المتعالية ليست فقط على الناس بل على رجل مرور يؤدي واجبه وفق القانون، مثل هذا الشخص يوضع في مكان هام ويعول عليه خدمة بلده! مثل هذا الشخص «المتعالي» هل يمكن أن يخدم المواطن البسيط «الحافي والمنتف»؟! والأهم هل هذه أخلاقيات نبحث عنها في مسؤولين يمكنهم رفع قدر البلد وأهلها؟!
في هذه الحالة إن قال لي أحد أن الدولة تطبق شعار «وضع الرجل المناسب في المكان المناسب» قــــد أفقــــد أعصابــــي وأرميـــه بـ»مولوتوف»، ولن يطالني شيء لأني سأقول «تعبيراً عن الرأي .. سلمية .. إصلاح لا إسقاط» .. إلى آخره.
زبدة القول يا جماعة، إننا مللنا من بشر كهؤلاء يولون مسؤوليات ومناصب معنية بشؤون الناس والبسطاء من المواطنين، مللنا من مسؤولين يتعاملون مع الناس بغرور وكبر، ودنا نقول للنواب أن يضعوا تشريعاً يمنع المسؤولين من القيام بمثل هذه التصرفات، لكن المشكلة أن بعض النواب أصبح يتعامل بصورة «ألعن» من المسؤولين أنفسهم.
والله نحتاج لتشريع يخول أي مواطن أن يوجه «صفعة» لكل مسؤول مغرور متعال متكبر ينسى أنه موظف وخادم للوطن والمواطنين حينما يتعامل معه بنفس هذا الأسلوب.
كراسي الدولة ومناصبها ليست أملاكاً خاصة للبعض، والناس لهم كرامتهم ويتوجب احترامهم وعدم التعامل معهم كعبيد وخدم، إذ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!
رسولنا الكريم دخل عليه أعرابي وسحبه من ياقة قميصه حتى أحمرت رقبته وقال له: اعطني يا محمد (هكذا حاف بدون رسول الله ولا شيء) مما أعطاك الله، فلم يقل له الرسول: أتعرف أنت تكلم من؟ بل ابتسم وأمر بمنحه ما سأل. وهنا «النفر الكبير» شقال لرجل المرور: أنت ما تعرف أنا من؟! والله مهزلة!