في هذه المحطة من العمر.. في هذا التوقيت من رحلتنا القصيرة، فمهما طال العمر يصبح قصيراً جداً.. كأنه رجل استظل بظلال شجرة لبرهة من الوقت.. ثم غادر..!
في إدبار عام وإقبال آخر، تختلط فينا المشاعر، فما كنا نشعر به ونراه قبل عامين، أصبحنا اليوم لا نراه، بل نرى ألواناً أخرى، وأطيافاً أخرى، ونفهم الكلمات بشكل مختلف، تغيرت لدينا الأولويات، تغيرت في أعيننا الوجوه، كل كلمة يصبح لها أكثر من معنى على خلفية من القائل..!
نتذكر كل صورة جميلة للبحرين مرسومة رسماً في أذهاننا، نستذكر تلك البحرين الجميلة، صورة النخيل ومزارع، نستذكر صورة النخيل التي كانت تنتشر هنا وهناك.. أتذكر حين كنا نمر بالشارع المؤدي اليوم إلى جسر الملك فهد والمحاذي لعين عذاري، كنا نمر بالليل صيفاً، فنفتح نوافذ السيارة فيدخل هواء جميل بارد، لا يجعلك تشعر أنك بقيض البحرين، رغم أن في ذلك الوقت أخذت النخيل تموت واقفة. نستذكر فرجان البحرين، بالمحرق والمنامة والرفاع والحورة والقضيبية وكل المناطق الجميلة، أستذكر (اللوز البحريني، الكنار البحريني، لصبار البحريني) كنا نفرح كثيراً باللوز، وكنا نضع النواة في الشمس (العنقيشة) حتى تجف ونكسرها ثم (ناكل لصلوم).. كنا نفرح بالهمبة البحرينية (امتزاج الحلو بالمالح) كانت المنجا صغيرة، والنواة كبيرة إلا أن طعمها كان جميلاً.
هذه الأرض كانت جميلة بناسها الذين لم يفرقهم شيء، رغم الاختلاف، إلا أن المحبة موجودة، والطيبة موجودة، وتبادل الاحترام موجود، وتبادل المنفعة موجود، كنا نشعر أننا عيال بلد لا يفرقنا شيء، لكن اليوم.... الله يصلح الحال.
كان البحر جميلاً، تستطيع أن تذهب إلى البحر في أغلب الأماكن، حتى لون البحر كان مختلفاً، حتى رائحة البحر في ذاكرتنا كانت مختلفة، كنا نرى كل شيء بلونه الحقيقي، لكن اليوم تغيرت الألوان، وتغيرت خارطة المكان، حضر الإسمنت والرمل، الأول حل مكان النخيل، والثاني أبعد عنا البحر مسافات.. فصارت الصورة الجميلة ذكرى ومخيلة. اليوم لا أعرف ماذا أقول، أين هي البحرين التي في وجداننا، أين هي تلك الصورة الجميلة في امتزاج اللونين الأخضر بالأزرق، النخيل والأشجار، والبحر والعيون، لم نعد نرى تلك الصورة الا فيما ندر، ليست النفوس فقط التي تغيرت، إنما صورة البحرين الجميلة في ذاكرتنا أيضاً تغيرت.. قيل إن حفر ميناء سلمان قضى على مسارات الماء العذب فاختفت العيون، هكذا قيل. ما أقول لأمنياتي اليوم لعام جديد، أحسب أن كل بحريني أصبحت لديه أولويات أخرى، الأولى هي أن يحفظ الله هذا الوطن وأهله، صار المواطن يقدم الأمن على كل شيء، وسيادة وطنه على كل شيء، نعم أمنيات أهل البحرين تتعلق أيضاً بالحياة والمعيشة والإسكان، والتعليم، والراتب، والصحة، كل هذه الأمنيات موجودة، ومطلوبة، لكن القائمة أحسبها تغيرت منذ عامين، أصبح الأمن أولاً، والبقية تأتي لاحقاً. في هذه اللحظة ترى اختلافات، وانشقاقات، وتخويناً، وقذفاً لأبناء التيار الواحد، وهذه مصيبة وكارثة وفتنة، الجالس فيها خير من الواقف، لم نكن نتمناها أبداً، فقد أفرحتنا وحدتنا وهتافنا بصوت واحد ونحن نقف في برد فبراير بكل أطيافنا وانتماءاتنا، المتدين يقف جنب الليبرالي، المنقبة جنب البنت السفور، حين خرج أهل البحرين من أجل البحرين. أمنياتنا اليوم تبدلت، لم أعد أعرف كيف أرتب أمنياتي، حتى وإن كان الأمن أولاً، الصورة تمازجت وتبدلت ولم تعد تعرف من الذي معك، ومن الذي ضدك، كلهم يدعون وصلاً بالوطنية، ولا تستطيع أن تعرف من الصادق.
هذا العمر القصير أتعبنا، في عامين عشنا عشرين عاماً، في عامين تكاثر الشعر الأبيض وملامحنا صغيرة. أنت يا وطن أمنياتي، أنت الأرض والعرض، أنت الأول في الحب، ليحفظ الله هذا الوطن وأهله من كل مكروه وغدر وشر، وانقسام.
اللهم أمتنا على التوحيد، اللهم إنا لا نشرك بك أحداً، أنت الواحد الأحد، أنت ملك الملوك، فاغفر لنا ما دون ذلك، إنك انت الرحمن الرحيم.