أكتب هذا المقال استكمالاً لمقال كتبته في نفس هذا الوقت تقريباً قبل عام بعنوان «لدي حلم»، وحينها اكتشفت من ردود بعض القراء أننا محبطون جداً وبنا مشاعر قلق وغضب وتوجس من الآخر ومن القادم ومما يدور حولنا من أحداث وما يصل إلينا من أخبار؛ تجعلنا ننظر من خلف نظارة سوداء تصبغ كل شيء أمامنا باللون الأسود، لكنني متمسك بذات الأمل وسأعيد ذات المقدمة الافتتاحية!!
وهي كالتالي «رغم أن ما سأقوله قد يبدو مناقضاً للأحداث التي يعيشها الوطن، إلا أنني لدي ثقة بالبحرين وقيادتها وأحلم بمستقبل واعد لأهلها، لكنها أحلام مشروطه يتوقف تحقيقها على توفر مناخات معينة الكل مدعو لتهيئتها ومسؤول عن المشاركة فيها».
لدي حلم «حلمت» أن تتوقف مظاهر التخريب في الشوارع والتصعيد بكل وسائله ويعترف من أشعل الفتنة بخطئه ويبادر بالاعتذار للبحرين، «حلمت» بأن يعود التعايش بين أبناء المجتمع بمختلف مكوناته، ونتصدى معاً لمشكلاتنا مجتمعين يداً بيد وملتفين حول قيادتنا نعمل معها على رفع مستوى الإنتاجية وحلحلة ملفات الإسكان والكهرباء والصحة والتعليم، «حلمت» بأن نجد إعلامنا بكل أشكاله أكثر قدرة على عكس الصورة الحقيقية لواقع إنجازات الوطن والدفاع عنه في الداخل والخارج، دون أن يغفل عينه عن تحدياته وحتى أماكن القصور والخلل فيه ويعمل على وضعها أمام الرأي العام وصناع القرار، «حلمت» بأن أرى مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها الجمعيات السياسية تعمل بعيدة عن التكتلات والعصبية الطائفية والارتباطات الخارجية، تنطلق من هويتها الأيديولوجية وتكوينها الثقافي وخطها السياسي، لكنها تتسامى عن كل ذلك لتعمل باسم الوطن كله ولأجل الوطن كله دون أن تحاول الاستئثار به أو تقصي فريق منه.
كان ذلك بعض ما حلمت به وقد مر اليوم عام كامل، فهل تحقق منه شيء هل تحركت بعض المواقف التي تسببت بها أحداث فبراير 2011 الجسام؟!
باعتقادي لم يطرأ الكثير من التغيير على المشهد السياسي والاجتماعي الداخلي، فعلى المستوى الشعبي تبدو الأمور تراوح مكانها بعد حوالي سنتين من اندلاع الأزمة «الفتنة» إذ لايزال الاستقطاب الطائفي مستمر ولايزال الانقسام المجتمعي حاضراً، قد أقول «بتحفظ» إن هناك انفراجة لدى بعض الأوساط المعتدلة.
من جانبها بذلت الدولة مساعي عديدة، نظر لها البعض بأنها مبالغ فيها وأعدها تنازلات، في حين وجدها فريق آخر بأنها تقع في صميم مسؤوليتها باعتبارها راعية الجميع، أما ما يعرف «بالمعارضة» فوصفت تلك المساعي كعادتها بغير الجادة!! حيث شهد الربع الأول من هذا العام تقرير اللجنة الوطنية لمراجعة تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، وتم العمل على تنفيذ قسم كبير من تلك التوصيات ومراجعة تنفيذها، كما وتكررت دعوات البدء في حوار جديد في قبل شهر تقريباً، وبين هذا وذاك كانت هناك تحركات ووساطات ورسائل بعثتها الدولة مراراً «للمعارضة» كي تتيح لها باب الدخول في مساعي حلحلة الأوضاع، لكن «المعارضة» ظلت محتفظة بصلف غريب بنفس خطابات الأزمة، بنفس المواقف الجامدة التي لا تتجاوب مع أي مبادرة ولا تطرح بديلاً قابلاً لأن يلقى القبول من مختلف الأطراف، وهو ما تحاول أن تصفه بأنه ثبات على مواقفها المستحقة!! في حين يوضح بجلاء أنها لا تملك أفقاً وليس لديها بديل سياسي يمكن التوافق عليه، كما إنها غير قادرة على إقناع جماهيرها التي بثت فيها جرعات مفرطة من خطابات المطلبية والأحقية والأكثرية والصموووود ولا تنازلات، فكيف لها أن تقنعها اليوم بأن كل ذلك كان من أجل التحشيد وجمع الجموع، وألا خيار أمام الجميع غير القبول بما يلقى توافق مختلف الأطراف ولا مجال لفرض مطالب فئوية!! وهي حتى غير قادرة على تجريم وإيقاف عمليات التخريب فهي كانت بالأمس القريب تبرر ذلك علناً!!
مشكلة المعارضة مع جماهيرها وقع فيها كذلك قياديون وسياسيون في الجانب الآخر، ضخوا أيضاً في جمهورهم جرعات مكثفة من التخويف والرفض وعدم إمكانية الثقة من جديد أو التعايش مع تلك الفئة، فاختلط لذا كثيرون، الرفض لتلك الفئة من المأزمين برفض مكون كامل من مكونات المجتمع -وهو أمر قد تعذر عليه الجماهير لهول ما حدث- لكن تلك القيادات أصبحت غير قادرة على إعادة احتواء مشاعر الناس وأصبح الخطاب الشعبوي الذي استخدموه في بداية الأزمة وقادوا به الجماهير هو من يقودهم اليوم ويمنعهم حتى من إبداء آرائهم بحرية تجاه بعض المتغيرات، ببساطة أصبح «ضغط ومزاج» الشارع يحرك قياداته «من كل الأطراف» وليس العكس، وهذا واقع غير صحي.
بعد كل ذلك مازال «لدي حلم» بتجاوز تلك الأزمة رغم أن طريق الرجوع لن يكون سهلاً بل شاقاً يتطلب الكثير من الصبر والعمل والتسامي على الجراح وتغليب الكل على الفئة والرجوع الخالص إلى أحضان الوطن، ورغم أن بلوغه قد يطول، لكنه طريق النجاة الوحيد الذي لا بديل عنه، وأعتقد قد يشهد الربع الثاني من عامنا هذا بداية الانفراجة، إذا ما صدقت النوايا، لأن لا بديل أمامنا كأبناء وطن واحد سوى التعايش.