هناك الكثير من المؤشرات على أن هذه السنة ستكون سنة إيران في البيت الأبيض بكل ما يحمله ذلك من تداعيات على المنطقة. آخر المؤشرات تمثل في التسريبات عن ما سمي «صفقة إيران - سوريا» التي تدرسها إدارة أوباما بهدف القيام بتحرك على الجبهتين يبدأ بالتوصل إلى تفاهم مع روسيا بشأن سوريا لرحيل الأسد وبطانته على أن تخلفه حكومة انتقالية من «المعتدلين» السنة والعلويين. أما بالنسبة لإيران فيتم تسويق الصفقة لها بمبادرة جديدة من واشنطن للدخول في حوار مباشر معها حول برنامجها النووي، على أساس أن البديل سيكون السير في خط تشديد العقوبات والحرب السرية والإلكترونية مع الاحتفاظ بخيار الضربة العسكرية الذي سترتفع احتمالاته مع مرور الوقت.
المروجون لهذه الصفقة يرون أن فيها شيئاً لكل طرف من الأطراف الثلاثة. فأمريكا لا ترغب في تدخل عسكري مباشر في سوريا، بينما تشعر بالقلق من وجود جهاديين وإسلاميين متشددين في ساحات القتال ضد نظام الأسد. وروسيا باتت مقتنعة بصعوبة بقاء الأسد لكنها لا تريد أن تبدو كمن تلقى صفعة جديدة من الغرب الذي تقول إنه خدعها في ليبيا، وبالتالي فإن صفقة لرحيل الأسد وتسلم حكومة انتقالية تضم علويين وسنة ستكون مخرجاً مقبولاً لها. أما بالنسبة لإيران فإنها لا تريد أن تخسر كل شيء مع الرحيل المتوقع لحليفها في دمشق، والصفقة المطروحة تفتح لها باباً مع واشنطن وتمكنها في الوقت ذاته من القول إنها مشاركة في الترتيبات الانتقالية.
الواقع أن أوباما بإطلاقه مبادرة جديدة متوقعة تجاه إيران، يكون قد عاد إلى المسار الذي دشن به ولايته الأولى قبل أربع سنوات لكن مع تغييرات فرضتها الظروف المتغيرة في المنطقة بما في ذلك الأحداث في سوريا، واستمرار البرنامج النووي الإيراني على الرغم من العقوبات والحرب الإلكترونية. فمنذ أيامه الأولى في البيت الأبيض عام 2009، بدأ أوباما في إرسال إشارات إلى إيران للدخول في «حوار إيجابي» مفتوح على كل القضايا موضع الخلاف بين البلدين، أعقبها برسالة مباشرة إلى «القيادة الإيرانية» والشعب الإيراني بمناسبة عيد النوروز دعا فيها إلى «حوار قائم على الاحترام المتبادل»، ثم بإعلانه في منتصف ذلك العام عن استعداد إدارته للحوار من غير شروط استباقية لتجاوز عقود من عدم الثقة والتوتر سادت العلاقات منذ الثورة الإيرانية وسقوط نظام الشاه ثم أزمة رهائن السفارة الأمريكية في طهران.
مبادرات أوباما التي تخللتها رسالتان إلى مرشد إيران علي خامنئي تعثرت ولم تقد إلى انفراج في العلاقات، ولا إلى حلحلة في الملف الأهم المتعلق ببرنامج طهران النووي، أو في الملفات الأخرى الساخنة على الرغم من الحديث عن «تفاهمات محدودة» في أفغانستان والعراق. وساهمت الأحداث أيضاً في دفن تلك الاستراتيجية بما في ذلك أحداث «الثورة الخضراء» في إيران التي واجهها النظام بقمع شديد دفع الإدارة الأمريكية إلى توجيه انتقادات إلى القيادة الإيرانية، وهي انتقادات تزايدت مع عدم إحراز تقدم ملموس على صعيد الملف النووي، ونشر تقارير استخباراتية في واشنطن عن أن إيران ستكون في وضع يمكنها من عبور «نقطة اللاعودة» وامتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي خلال فترة لا تتجاوز عام 2014 أو 2015 على أبعد تقدير.
استراتيجية أوباما عرضته لانتقادات شديدة في الداخل، وتساؤلات في الخارج حول أهدافها ونتائجها المتواضعة، بل إن هناك من رأى أنها بعثت برسالة خاطئة إلى القيادة الإيرانية شجعتها على تبني مسار أكثر راديكالية في المنطقة وجعلها تعمل للتمدد والتدخل في مختلف الاتجاهات بما أجج من حدة الصراعات والتوتر. هذه القراءة قد لا تكون بعيدة عن الواقع لاسيما مع الانسحاب الأمريكي من العراق وتنامي التدخل الإيراني هناك مع صعود حلفاء طهران، وبروز المحور الإيراني - السوري بقوة على الساحة، والتحذيرات مما سمي بـ»الهلال الشيعي» الذي اعتبرته عدة دول بمثابة تهديد مباشر للتوازنات الإقليمية. أمام الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة، وإحباط أوباما من عدم تحقيق اختراق مع طهران بمبادرات الحوار، بدأ الخطاب الأمريكي يتغير ويأخذ خطاً أكثر تشدداً في اتجاه تعزيز العقوبات على إيران وقيادتها بهدف تعطيل برنامجها النووي، وهو البديل الذي فضلته إدارة أوباما على خيار التدخل العسكري الذي كانت ترى فيه محاذير ومخاطر كبيرة.
إذاً لماذا يعود أوباما اليوم إلى سياسة يعترف حتى مؤيدوها بأنها لم تنجح في ثني طهران عن مواصلة جهودها المتسارعة في البرنامج النووي؟
ربما يشعر أوباما أنه في ولايته الثانية بات أكثر تحرراً من الضغوط التي يواجهها أي رئيس يفكر في إعادة ترشيح نفسه للبيت الأبيض، ولذلك يريد إعطاء فرصة ثانية وربما أخيرة لسياسة «الحوار الإيجابي» علها تحقق نتائج أفضل مما حققته في السابق خصوصاً مع التغيرات الناجمة عن «الربيع العربي» وإحساس إيران بأنها ربما تكون على وشك أن تفقد أهم حلفائها الإقليميين مع تداعي قبضة نظام بشار الأسد وما يعنيه ذلك بالنسبة لحلفائها في لبنان والعراق وفلسطين. لكن الأهم من ذلك أن إدارة أوباما ربما باتت تشعر بأن خياراتها محدودة لأن الساعة الرملية تشير إلى اقتراب إيران من عبور «نقطة اللاعودة» في برنامجها النووي، استناداً إلى التقديرات الاستخباراتية والتقارير عن أن العقوبات والضغوط المالية والاقتصادية، إضافة إلى الهجمات الإلكترونية، ربما تكون أبطأت البرنامج الإيراني لكنها لم توقفه، بل إن القيادة الإيرانية بدت وكأنها تحاول تسريع خطاها النووية.
هناك عامل آخر يدفع أوباما لمحاولة تجريب سياسة الحوار مع طهران مرة أخيرة، وهو تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية على أمريكا وعلى الاقتصاد العالمي برمته، مما يجعل واشنطن مترددة بل وقلقة من كلفة الدخول في حرب جديدة قد تتزايد احتمالات وقوعها مع ترجيح فوز نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة. وهناك من يرى أن أوباما دعم موقفه بترشيح جون كيري لحقيبة الخارجية، مع احتمال ترشيح تشاك هاغل لوزارة الدفاع، وكلاهما لديه مواقف معلنة في تأييد سياسة الحوار مع طهران، لكن مع عدم استبعاد الخيار العسكري كورقة أخيرة.
أياً كان الطريق الذي ستسلكه إدارة أوباما فإن التداعيات ستكون كبيرة، ولا يمكن لأحد في المنطقة إغفالها.
نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
المروجون لهذه الصفقة يرون أن فيها شيئاً لكل طرف من الأطراف الثلاثة. فأمريكا لا ترغب في تدخل عسكري مباشر في سوريا، بينما تشعر بالقلق من وجود جهاديين وإسلاميين متشددين في ساحات القتال ضد نظام الأسد. وروسيا باتت مقتنعة بصعوبة بقاء الأسد لكنها لا تريد أن تبدو كمن تلقى صفعة جديدة من الغرب الذي تقول إنه خدعها في ليبيا، وبالتالي فإن صفقة لرحيل الأسد وتسلم حكومة انتقالية تضم علويين وسنة ستكون مخرجاً مقبولاً لها. أما بالنسبة لإيران فإنها لا تريد أن تخسر كل شيء مع الرحيل المتوقع لحليفها في دمشق، والصفقة المطروحة تفتح لها باباً مع واشنطن وتمكنها في الوقت ذاته من القول إنها مشاركة في الترتيبات الانتقالية.
الواقع أن أوباما بإطلاقه مبادرة جديدة متوقعة تجاه إيران، يكون قد عاد إلى المسار الذي دشن به ولايته الأولى قبل أربع سنوات لكن مع تغييرات فرضتها الظروف المتغيرة في المنطقة بما في ذلك الأحداث في سوريا، واستمرار البرنامج النووي الإيراني على الرغم من العقوبات والحرب الإلكترونية. فمنذ أيامه الأولى في البيت الأبيض عام 2009، بدأ أوباما في إرسال إشارات إلى إيران للدخول في «حوار إيجابي» مفتوح على كل القضايا موضع الخلاف بين البلدين، أعقبها برسالة مباشرة إلى «القيادة الإيرانية» والشعب الإيراني بمناسبة عيد النوروز دعا فيها إلى «حوار قائم على الاحترام المتبادل»، ثم بإعلانه في منتصف ذلك العام عن استعداد إدارته للحوار من غير شروط استباقية لتجاوز عقود من عدم الثقة والتوتر سادت العلاقات منذ الثورة الإيرانية وسقوط نظام الشاه ثم أزمة رهائن السفارة الأمريكية في طهران.
مبادرات أوباما التي تخللتها رسالتان إلى مرشد إيران علي خامنئي تعثرت ولم تقد إلى انفراج في العلاقات، ولا إلى حلحلة في الملف الأهم المتعلق ببرنامج طهران النووي، أو في الملفات الأخرى الساخنة على الرغم من الحديث عن «تفاهمات محدودة» في أفغانستان والعراق. وساهمت الأحداث أيضاً في دفن تلك الاستراتيجية بما في ذلك أحداث «الثورة الخضراء» في إيران التي واجهها النظام بقمع شديد دفع الإدارة الأمريكية إلى توجيه انتقادات إلى القيادة الإيرانية، وهي انتقادات تزايدت مع عدم إحراز تقدم ملموس على صعيد الملف النووي، ونشر تقارير استخباراتية في واشنطن عن أن إيران ستكون في وضع يمكنها من عبور «نقطة اللاعودة» وامتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي خلال فترة لا تتجاوز عام 2014 أو 2015 على أبعد تقدير.
استراتيجية أوباما عرضته لانتقادات شديدة في الداخل، وتساؤلات في الخارج حول أهدافها ونتائجها المتواضعة، بل إن هناك من رأى أنها بعثت برسالة خاطئة إلى القيادة الإيرانية شجعتها على تبني مسار أكثر راديكالية في المنطقة وجعلها تعمل للتمدد والتدخل في مختلف الاتجاهات بما أجج من حدة الصراعات والتوتر. هذه القراءة قد لا تكون بعيدة عن الواقع لاسيما مع الانسحاب الأمريكي من العراق وتنامي التدخل الإيراني هناك مع صعود حلفاء طهران، وبروز المحور الإيراني - السوري بقوة على الساحة، والتحذيرات مما سمي بـ»الهلال الشيعي» الذي اعتبرته عدة دول بمثابة تهديد مباشر للتوازنات الإقليمية. أمام الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة، وإحباط أوباما من عدم تحقيق اختراق مع طهران بمبادرات الحوار، بدأ الخطاب الأمريكي يتغير ويأخذ خطاً أكثر تشدداً في اتجاه تعزيز العقوبات على إيران وقيادتها بهدف تعطيل برنامجها النووي، وهو البديل الذي فضلته إدارة أوباما على خيار التدخل العسكري الذي كانت ترى فيه محاذير ومخاطر كبيرة.
إذاً لماذا يعود أوباما اليوم إلى سياسة يعترف حتى مؤيدوها بأنها لم تنجح في ثني طهران عن مواصلة جهودها المتسارعة في البرنامج النووي؟
ربما يشعر أوباما أنه في ولايته الثانية بات أكثر تحرراً من الضغوط التي يواجهها أي رئيس يفكر في إعادة ترشيح نفسه للبيت الأبيض، ولذلك يريد إعطاء فرصة ثانية وربما أخيرة لسياسة «الحوار الإيجابي» علها تحقق نتائج أفضل مما حققته في السابق خصوصاً مع التغيرات الناجمة عن «الربيع العربي» وإحساس إيران بأنها ربما تكون على وشك أن تفقد أهم حلفائها الإقليميين مع تداعي قبضة نظام بشار الأسد وما يعنيه ذلك بالنسبة لحلفائها في لبنان والعراق وفلسطين. لكن الأهم من ذلك أن إدارة أوباما ربما باتت تشعر بأن خياراتها محدودة لأن الساعة الرملية تشير إلى اقتراب إيران من عبور «نقطة اللاعودة» في برنامجها النووي، استناداً إلى التقديرات الاستخباراتية والتقارير عن أن العقوبات والضغوط المالية والاقتصادية، إضافة إلى الهجمات الإلكترونية، ربما تكون أبطأت البرنامج الإيراني لكنها لم توقفه، بل إن القيادة الإيرانية بدت وكأنها تحاول تسريع خطاها النووية.
هناك عامل آخر يدفع أوباما لمحاولة تجريب سياسة الحوار مع طهران مرة أخيرة، وهو تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية على أمريكا وعلى الاقتصاد العالمي برمته، مما يجعل واشنطن مترددة بل وقلقة من كلفة الدخول في حرب جديدة قد تتزايد احتمالات وقوعها مع ترجيح فوز نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة. وهناك من يرى أن أوباما دعم موقفه بترشيح جون كيري لحقيبة الخارجية، مع احتمال ترشيح تشاك هاغل لوزارة الدفاع، وكلاهما لديه مواقف معلنة في تأييد سياسة الحوار مع طهران، لكن مع عدم استبعاد الخيار العسكري كورقة أخيرة.
أياً كان الطريق الذي ستسلكه إدارة أوباما فإن التداعيات ستكون كبيرة، ولا يمكن لأحد في المنطقة إغفالها.
نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط