ما تضمنه المؤتمر الصحافي الأخير للجنة الخدمات بمجلس الشورى والذي تم التركيز فيه على موضوع استقطاع الـ1% للتعطل لا يسعنا وصفه إلا بمؤتمر خصص لتوجيه “طراقات” لهذا المواطن البسيط، لما تضمنه من تبريرات وتصريحات بشأن ضرورة استمرار هذا الاستقطاع الظالم غير العادل المجحف، وكأن المواطنين “كفروا” بالله حينما طالبوا هذا الاستقطاع الذي مرر بطريقة “طعن” المواطن في ظهره.
آمناً بالله أن أعضاء مجلس الشورى يعينون من قبل الدولة، رغم أن بعضهم -وليس كلهم- مؤهلاتهم وخدماتهم للدولة لا تشفع لهم لتبوؤ هذا الموقع (حسب وجهة نظر كثير من المواطنين)، لكن هذا –أي التعيين- لا يعني أن يكون أعضاء الشورى “سيفاً” مسلطاً على رقاب المواطنين، وكأنهم لا يريدون إزعاج الدولة بتمرير مشروعات تخدم الناس أو تسقط عنهم ما يرهق كاهلهم.
أين عضوة الشورى التي قالت بأن حراكهم بشأن هموم الناس أقوى من حراك النواب؟! واضح تماماً كيف أن حراككم تجاه الناس مبني على التعامل مع المواطنين البسطاء من فوق “أبراج عاجية” وكأن أعضاء الشورى يمثلون “الطبقة المخملية” فقط من المجتمع.
ردود –ومع احترامي لأصحابها- ترفع الضغط وتصيب المواطن بالإحباط، وتدفعهم لمراجعة أحد توصيات الحوار الوطني بشأن ضرورة وجود مجلس الشورى للمطالبة بإلغائه، إذ ألا يكفينا تصريحات أجهزة الدولة بشأن أي مشروع معني بتعديل وضع الناس وزيادة مداخيلهم عبر تشغيل أسطوانة “ما في ميزانية”، حتى يأتي مجلس الشورى المفترض أنه يمثل نصف السلطة التشريعية ليخربها أكثر على رأس المواطن؟!
خذوا بعض ردود والتبريرات بشأن المطالبة بإلغاء استقطاع الـ1% الذاهبة لصندوق التعطل، مع تعليقنا بعدها:
التبرير الأول: مجلس الشورى مقتنع بأن تحميل الحكومة نسبة الـ1% سيؤثر سلباً على صندوق التأمين ضد التعطل وموازنة الدولة، ناهيك عن تأثيره سلباً على سمعة البحرين داخلياً وخارجياً بموجب الاتفاقيات التي الموقعة.
التعليق: الأمر الحقيقي الذي يؤثر سلباً على أي صندوق تأميني على سبيل المثال التأمينات والتقاعد الذي فشلتم مع النواب في توحيد مزاياه منذ عشر سنين، هي تلك الاستثمارات الفاشلة والخسائر فيها ما سبب العجز الإكتواري الذي يهدد تقاعد كل المواطنين، أضيفوا إليه صندوق تقاعد النواب عوضاً عن مزايا أعضاء السلطة التشريعية، هذا ما يهدد أي صندوق ويزعزع ميزانية الدولة، والأخيرة –أي الميزانية- بخير لو يتم محاربة الفساد الإداري والمالي بشكل حقيقي ووضع حد للمشاريع الفاشلة التي يهدر عليها الملايين. أما عن الاتفاقيات الدولية، فلا أظن بأن هذه الاتفاقيات تنص على “تكتيف” يد الدولة عن خدمة المواطنين ورفع الضرائب عنهم وزيادة مداخليهم. أما عن تأثيره على سمعة البحرين خارجياً، فوالله ما يحصل في دول الخليج من تحسين دائم لوضع المواطنين في مقابل الجمود الذي يعاني منه المواطن البحريني في تحسين أوضاعه هو ما يؤثر على سمعة البحرين ومواطنيها. اسمحوا لي تبرير غير متوقع وغير مقبول، ويدل على تعال ومطالعة المواطن بنظرة دونية.
التبرير الثاني: رفض الشورى المقترح المقدم من النواب عدة مرات، والمشروع أقر بإجماع مجلسي النواب والشورى في 2006 ولم يتم الاعتراض عليه إلا من قبل الشارع ورد عليه حينها.
التعليق: نعم “مرره عليكم” بنجاح وزير العمل السابق المقاطع للحكومة، وأقول مرره عليكم لأن النواب حاولوا بعدها سحب المشروع حينما أدركوا الغضب الشعبي تجاهه. والاعتراض الذي يذكره مجلس الشورى أنه صادر من قبل الشارع، هو –ومع احترامي لكم- أهم من اعتراض الوزارات والدولة وحتى اعتراضكم أنتم، المواطن هو الأساس أليس كذلك، هو حجر الزاوية كما يقول كل تصريح، بالتالي اعتراض المواطن يجب أن تقفوا عنده ألف مرة قبل أن تتغاضوا عنه وتبدلوه بالتجاهل.
التبرير الثالث: بشأن عدم شمول الوزراء في الاستقطاع، بأن النظام يسهم فيه من يستفيد منه أو من المتوقع أن يستفيد منه، ولكن لا يوجد وزير إذا أنهيت خدماته يبحث عن عمل (...) الوزير يصرف له معاش تقاعدي يعادل 80% مهما كانت مدة خدماته.
التعليق: ويقولون المواطنين سواء ولا يوجد تمييز، متناسين أن الوزراء يعاملون على أنهم مواطنين VIP يجب عدم مساواتهم مع المواطنين. الرد بحد ذاته استحقار للناس، إذ لماذا الوزير لا يستقطع منه هذا الـ1% الذي لن يفرق معه شيئاً نظير راتبه وامتيازاته وسياراته وتعديل وضعه وغيرها بينما يفرق مع المواطن؟! تبرير الشورى مؤسف، إذ بدلاً منه كان لابد من مساواة الوزراء في هذا الظلم الواقع على المواطن العامل في القطاع العام والخاص على حد سواء. أضيفوا مسألة أخرى وهي كارثة بحد ذاتها معنية بأن الوزير حتى لو عين ليوم واحد يتحصل على 80% من الراتب التقاعدي، ما شاء الله “عمار” يا البحرين، والمواطن البسيط يكرف 35 سنة وأكثر ويتم إذلاله حتى يتحصل على نسبة بالكاد تصل إلى 80%، وبعد ذلك يقولون ميزانية الدولة لا تتحمل، والله لا تتحمل بسبب هذه الوضعية المجحفة للوزراء. عموماً هل بإمكان مجلس الشورى أن يزودنا بعدد الوزراء الحاليين والسابقين ومن هم في مناصب بدرجة وزراء ورواتبهم وكم تؤثر في ميزانية الدولة، حتى نعرف بالضبط كيف أن إلغاء الـ1% على المواطن سيقود موازنة الدولة إلى الانهيار؟! والله إذا الموازنة ضعيفة وحالتها حالة اذهبوا إلى “تمكين” وما بيقصرون بملايينهم، إن شاء الله بـ”يمكنونكم”، أو استرجعوا الملايين التي أهدرت على طيران الخليج، وشكلكم ناسيين فلوس المارشال وإلا خلاص توزعت على الوزارات ومشاريعها وفق الخطة العشرية؟!
التبرير الرابع: بشأن عدم استقطاع التعطل من أعضاء مجلسي الشورى والنواب، التوضيح لعدم انطباق المعايير القانونية على أعضاء البرلمان، وأن المبلغ الذي يتقاضونه شهرياً هو مكافأة مالية لا راتب شهري.
التعليق: لا يا شيخ، مكافأة وليست راتب؟! طيب لأول مرة نسمع بأن المكافأة يصرف لها تقاعد، لا وفي حالتكم إلزامي ويصل إلى 80% عن دورتين تشريعيتين. والله مخجلة مثل هذه الردود، والتي تدفعنا للتمني بأن تعقدوا مؤتمركم القادم وسط جموع من المواطنين البسطاء لا الإعلاميين، وقولوا لهم نحن -أي الشوريين والنواب- ومعنا السادة الوزراء يمنعنا القانون من دفع الـ1% ويفرضه عليكم، لأننا إذا أوقفنا الاستقطاع فإن موازنة الدولة ستسقط على “وجهها”، وانظروا لردة فعلهم. والله سيقولونها في وجوهكم “يسقط مجلس الشورى”، لأنه أثبت بأن مضاره أكثر من نفعه، بالأخص في هذا الموقف السلبي تجاه علاوة فرضت فرضاً ورغم أنف المواطن.
لن أزيد في تفنيد المزيد من التبريرات هنا، لكنني سأختصر المسألة كلها بكلمة “عيب”، وإن كان من استياء سيصدر عن بعض أعضاء الشورى أو حتى رئاسته بشأن ما كتبناه هنا، سنذكرهم قبل ذلك بأن الدستور كفل للمواطن حق التعبير عن رأيه، بل منحه حق محاسبة من يمثله في السلطة التشريعية، وحينما استعرض بعض الشوريين عضلاتهم بأن أداءهم أفضل وأقوى من النواب، هذا يعني تمثيلهم بشكل أصدق للمواطن، وعليه المواطنون يقولون لكم بشأن موقفكم السلبي هذا، بأنكم مثلتموه أسوأ تمثيل. والله لو كنت عضواً في الشورى –ومع كامل احترامي وتقديري الشديد لمن منحني الثقة وعينني- فإن موقفاً مثل هذا لا يستدعي إلا “الاستقالة” احتراماً للمواطن وبسبب خذلانه، إذ لا يعقل أن يكون مجلس الشورى أقسى على المواطن من الدولة وبعض أجهزتها التي تعاني من البيروقراطية.
هذا الموقف لا توصيف له إلا بـ”سقطة” و”وصمة عار” في جبين المجلس.