بعد حوار التوافق الوطني وما توصل إليه من توصيات إزاء الاحتقان السياسي بين الحكومة والمعارضة السنية والشيعية والإرادة الشعبية للفئة الصامتة، الملك يدعو إلى حوار آخر لتسوية المسائل العالقة من أجل المضي قدماً في المشروع الإصلاحي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذه الدعوة جاءت في الوقت الذي أصبحت فيه البحرين قوية منيعة رافعة الرأس بعد كل التشويه الكاذب والأزمة المفتعلة المتواصلة خلال السنتين الماضيتين، فلم يعد للترهيب والتخريب اللذين تتبناهما إحدى الجمعيات السياسية من أثر للضغط أو سبيل لإضعاف الحكومة.
مما لاشك فيه أن جمعية الوفاق التي تتبع نظام الشمولية والتبعية الدينية لولاية الفقيه تنادي وعلى استحياء بالحوار من أجل ترشيح أعضائها في الانتخابات النيابية القادمة والخروج من المأزق الذي طوقت به شعبيتها، واستهانت بسمعتها، بعد أن كشف مؤيدوها عن أقنعتها الطائفية وتبعيتها لإيران وأمريكا، إضافة إلى الضغوط التي بدأت تتلقاها من الدول الغربية لنبذ العنف والجلوس على طاولة الحوار، وإلا فإن دعمهم لها لا يمكن أن يكون مبرراً أمام الرأي العام الدولي.
الشارع البحريني بين مؤيد للحوار وبين رافض له، فالمؤيدون لهذا الحوار هم جماعة تريد حلاً لمهازل الراديكاليين الذين يحرقون مكتسبات الوطن باسم حرية الرأي والتعبير. أما الجماعة الرافضة لمبدأ الحوار فهم من لدغتهم الأفعى فيخافون من الحبل. المعارضون لمبدأ الحوار يرفضون الحوار مع بعض الجمعيات التي نادت بإسقاط النظام، فالمعارضون للحوار لا يعارضون مبدأ الحوار بقدر رفضهم أن لا حوار مع من ذهب إلى الدوار وسعى بغير المنهج الديموقراطي السليم للتغيير.
إن الجلوس على طاولة الحوار مع القوى السياسية هو البرهان على الديمقراطية وحرية الرأي التي ينادي بها ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين. فإذا كنا نرفض لغة الغاب ولوي الذراع ونرفض الإرهاب والترهيب فلا شك فيه بأننا نرحب بالحوار الهادف الذي تجتمع فيه ركائزه على المصلحة العامة للأفراد والجماعات. فلابد من جميع الأطراف والجمعيات السياسية من الجلوس معاً من أجل حوار متكامل، وألا ندع لمن كان في الدوار ونادى بإسقاط النظام أن يخيط لنا ما يناسبه لنلبسه نحن، فلن نقبل حكومة منتخبة اليوم ونحن على يقين بأن الوفاق ستنادي للتصويت “لقائمة إيمانية” بقرار وفتوى من عيسى قاسم والمرجعية الإيرانية ليتم تشكيل حكومة دينية شمولية أقبح وأشنع شكلاً ومضموناً من أي تجربة مرت بها البحرين، ولنا في تجربة العراق ما لا يخفى على مبصر، كما لا توجد ضمانات تمنع ذلك، بل إن الانتخابات النيابية والبلدية في 2006 و2010 لدليل قاطع على شكل الحكومة التي تريدها الوفاق ومن والاهم.
الله عزوجل بين لنا أرقى أنواع الحوار وأهذبها عندما تحاور مع الشيطان عندما خلق آدم عليه السلام، فالشيطان عدو الله وعدو البشرية جميعاً، وجميعنا يعلم بأن الشيطان تحدى الله بالعصيان والتخريب وتدمير البشرية، ومع ذلك أذِن الله عزوجل للشيطان بأن يتحاور ويتجادل معه ليعطي الله عزوجل لنا درساً في أبجديات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير حتى مع الخصوم.