الاستماع للناس «مباشرة» مسألة مهمة يفترض أن تخصص لها أي دولة حيزاً كبيراً من المساحة، خاصة وإن كانت تعاني -مثلما نعاني في البحرين- من ضياع أصوات الناس وعدم وصولها بأمانة للمسؤولين أو قادة البلد.
سأستعرض معكم حادثة، بعدها سأناقش القول بأن أصوات الناس في البحرين لا تصل بأمانة للمسؤولين.
خبر نشر مؤخراً يفيد أن محاضراً سعودياً في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة استقل «المترو» خلال زيارته الأخيرة لإمارة دبي، ولاحظ أنه من المفيد لو تم عرض وقت وصول المترو للمحطة التالية، والإعلان لمستخدمي الخدمة عن أوقات الوصول بطريقة إلكترونية عبر الشاشات في المحطات. المحاضر السعودي كتب هذا الاقتراح «وغرد» به على موقع «التويتر»، فما كان من مدير إدارة أنظمة المواصلات بمؤسسة المواصلات العامة بدبي إلا الاتصال به على الفور ليخبره أن اقتراحه سيكون طور التنفيذ.
الجميل أن الفكرة نفذت وتم تدشينها خلال 57 يوماً من تقدم الزائر السعودي لدبي به، وتم التدشين بحضور ولي عهد دبي، ولم يغفل الإشارة للمحاضر السعودي صاحب المقترح في كلمة التدشين، مع أن الأخير لم يتمكن من الحضور رغم دعوته لرؤية اقتراحه المفيد وهو يطبق على أرض الواقع.
في البحرين أصوات الناس لا تصل كلها بأمانة؛ وذلك لأن قنوات التوصيل لا تمنح صوت المواطن أو رأيه الأولوية عبر الممارسة العملية، بينما تستخدم المواطن في شعاراتها وتصريحاتها الرنانة فقط.
أجزم بذلك باعتبار أن المواطن يشتكي من عدم توصيل همومه بأمانة لا من قبل مجلس النواب، ولا من قبل قنوات التواصل مع المسؤولين، وأن صوته وإن وصل لا يلقى الاهتمام وإلا لحلت كثير من مشكلاته.
مجلس النواب كأحد هذه القنوات كانت كل شعاراته مرتكزة على الناس ومطالبهم وإيصال أصواتهم، بل توصيف المجلس من قبل الدولة حدد موقعه تجاه الناس ببيان أنه «حلقة الوصل» بين الناس والدولة، وأنه -أي المجلس- الأداة التي ستجعل الناس تشارك السلطة التنفيذية في صناعة القرار.
اليوم الناس يشتكون من مجلس النواب وتواصل النواب معهم والأهم العمل لأجل تحقيق تطلعاتهم. كثير من الناس يرون بأن النواب لا يوصلون أصوات الناس بقدر ما يوصلون أصواتهم هم، ولا يسعون لتحقيق رغبات الناس وحل مشاكلهم بقدر ما يسعون لتحقيق مقترحاتهم ورؤيتهم الشخصية هم. طبعاً لن نعمم هنا حتى لا نظلم من يجتهد لتوصيل صوت الناس بأمانة.
في جانب آخر، أبواب كثير من المسؤولين مغلقة أمام الناس، مغلقة أمام المراجعين وأصحاب المشاكل والهموم، بالتالي ماذا تظنون لو كان المتوجه لها ساعياً بدلاً من إيصال همه إلى تقديم مقترح أو فكرة من شأنها خدمة البلد وتطوير بعض الخدمات فيه، أو المساعدة في حل مشاكل معضلة؟!
الفكرة ليست بمنح المواطن المساحة وفتح الأبواب الواسعة أمامه لبث شكواه وهمه، بقدر ما هي عملية الاهتمام بمنحه فرصة العمل على تطوير البلد والمساهمة في بنائه وتصليح أخطائه من خلال الاستماع له والتفاعل مع مقترحاته.
اليوم الحلول المقبولة التي يمكن للدولة التعاطي معها لا تكون إلا عبر مجلس النواب، هذا إن تقدم الأخير بحلول تعبر بالضبط عما في نفس المواطن، أو من خلال ما «يتكرم» به الوزراء أو المسؤولون أو المستشارون. أو ما ينشره الإعلام أو يتعاطاه الكتاب رغم إن الحالة الأخيرة لا تتم بصورة دائمة، طيب أين موقع المواطن بالتالي؟!
كثير من المواطنين لديهم أفكار نيرة وتخرج منهم مقترحات قد تكون أكثر عمقاً في الفهم والتحليل من مسؤولين في البلد حتى، فلماذا لا يستمع لهم، ولماذا لا تطبق أفكارهم؟!
المشكلة أن القناعة سادت اليوم في مجتمعنا، بأن التفاعل لا يكون إلا مع النواب إن قام بعضهم بإثارة الغبار، بالتالي يفرض ذلك على المسؤولين التواصل معهم خوفاً من استخدام الأدوات الدستورية بحقهم، أو تفاعلاً في جانب آخر مع وسائل الإعلام من صحف وكتاب، فقط خوفاً من أن تركز هذه الوسيلة الإعلامية أو قلم هذا الكاتب أو ذاك على هذا المسؤول أو غيره وتسبب لهم قلقاً. لكن بمعزل عن ذلك كله، ما هي ردات الفعل تجاه ما يصدر من المواطن نفسه من هموم وما يقدمه من مقترحات لو لم تكن عبر وسطاء المجلس النيابي أو الصحافة؟!
لأقرب الصورة أكثر، لو أراد نائب أو كاتب مقابلة وزير أو مسؤول رفيع للتباحث معه بشأن وضع معين، أو التواصل معه لتقديم مقترح ما، فإن الأبواب تفتح له بسهولة جداً، وبعض اللقاءات تتم في غضون ساعات من طلبها، ومعها تكون الآذان مفتوحة وكل صور «التوجيب» موجودة، لكن لو استعضنا بالنائب أو الكاتب بالمواطن، فهل سيتم التعامل معه بنفس الصورة، أم سيكون عليه أن ينتظر وينتظر وربما ينتهي انتظاره دون أن يرى حتى الباب الخارجي للوزارة؟!
آراء الناس مهمة، فليس كل من وجد في منصب مؤثر على الساحة السياسة والاجتماعية والإعلامية هو الممتلك الوحيد للأفكار والمقترحات التي من شأنها تطوير المجتمع، والله في هذا المجتمع أناس يفكرون أفضل من عشرة وزراء أو مستشارين مجتمعين، مع الاحترام للوزراء والمستشارين وخلافهم، فلماذا لا نستمع للناس، ولماذا لا نفتح لهم قنوات تواصل مباشرة مع الدولة؟!
لا تلوموا المواطن إن قال بأن صوته لا يصل بأمانة للدولة، إذ هو يمتلك الإثباتات على ذلك، فكم مقترحاً أو فكرة أو رأياً وصلوا مباشرة لموقع صنع القرار أو للمعنيين دون الاحتياج لوسيط نيابي أو إعلامي؟! كم مواطناً نجح في مخاطبة الدولة وتقديم اقتراحاته مباشرة وتم التعامل معها بجدية وبسرعة؟! على سبيل المثال صفحات بريد القراء في الصحف يتم فيها التفاعل مع المشاكل الإنسانية بصورة عاجلة وهذا أمر طيب، لكن إلى جانب ذلك، المواضيع التي تتضمن أفكاراً واقتراحات هل يتم التعامل معها بنفس الاهتمام؟!
إن كنتم بالفعل تنشدون التطوير وتحديث منظومات المجتمع فاستمعوا للناس مباشرة، دعوهم يتكلمون عن همومهم بلا «مكيجة للواقع»، فهم من يدهم في النار أكثر من غيرهم، هم من يمكنهم التعبير عن الوضع بشكل أفصح وأوضح عن أي شخص آخر يقوم بدور «حلقة الوصل». لا توصلوا رسالة خاطئة للمواطن تفيد بأننا كدولة لسنا في حاجة للاستماع للمواطن مباشرة.
اسألوا المواطنين أنفسهم، فهم من ينطبق عليهم القول: «اسأل مجرباً ولا تسأل طبيباً»! أو بالأصح في وضعنا الحالي الذي يستغرب فيه الناس كيف لا تصل أصواتهم بكل أمانة لأصحاب القرار يمكننا القول: «اسأل مواطناً ولا تسأل وزيراً!».
سأستعرض معكم حادثة، بعدها سأناقش القول بأن أصوات الناس في البحرين لا تصل بأمانة للمسؤولين.
خبر نشر مؤخراً يفيد أن محاضراً سعودياً في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة استقل «المترو» خلال زيارته الأخيرة لإمارة دبي، ولاحظ أنه من المفيد لو تم عرض وقت وصول المترو للمحطة التالية، والإعلان لمستخدمي الخدمة عن أوقات الوصول بطريقة إلكترونية عبر الشاشات في المحطات. المحاضر السعودي كتب هذا الاقتراح «وغرد» به على موقع «التويتر»، فما كان من مدير إدارة أنظمة المواصلات بمؤسسة المواصلات العامة بدبي إلا الاتصال به على الفور ليخبره أن اقتراحه سيكون طور التنفيذ.
الجميل أن الفكرة نفذت وتم تدشينها خلال 57 يوماً من تقدم الزائر السعودي لدبي به، وتم التدشين بحضور ولي عهد دبي، ولم يغفل الإشارة للمحاضر السعودي صاحب المقترح في كلمة التدشين، مع أن الأخير لم يتمكن من الحضور رغم دعوته لرؤية اقتراحه المفيد وهو يطبق على أرض الواقع.
في البحرين أصوات الناس لا تصل كلها بأمانة؛ وذلك لأن قنوات التوصيل لا تمنح صوت المواطن أو رأيه الأولوية عبر الممارسة العملية، بينما تستخدم المواطن في شعاراتها وتصريحاتها الرنانة فقط.
أجزم بذلك باعتبار أن المواطن يشتكي من عدم توصيل همومه بأمانة لا من قبل مجلس النواب، ولا من قبل قنوات التواصل مع المسؤولين، وأن صوته وإن وصل لا يلقى الاهتمام وإلا لحلت كثير من مشكلاته.
مجلس النواب كأحد هذه القنوات كانت كل شعاراته مرتكزة على الناس ومطالبهم وإيصال أصواتهم، بل توصيف المجلس من قبل الدولة حدد موقعه تجاه الناس ببيان أنه «حلقة الوصل» بين الناس والدولة، وأنه -أي المجلس- الأداة التي ستجعل الناس تشارك السلطة التنفيذية في صناعة القرار.
اليوم الناس يشتكون من مجلس النواب وتواصل النواب معهم والأهم العمل لأجل تحقيق تطلعاتهم. كثير من الناس يرون بأن النواب لا يوصلون أصوات الناس بقدر ما يوصلون أصواتهم هم، ولا يسعون لتحقيق رغبات الناس وحل مشاكلهم بقدر ما يسعون لتحقيق مقترحاتهم ورؤيتهم الشخصية هم. طبعاً لن نعمم هنا حتى لا نظلم من يجتهد لتوصيل صوت الناس بأمانة.
في جانب آخر، أبواب كثير من المسؤولين مغلقة أمام الناس، مغلقة أمام المراجعين وأصحاب المشاكل والهموم، بالتالي ماذا تظنون لو كان المتوجه لها ساعياً بدلاً من إيصال همه إلى تقديم مقترح أو فكرة من شأنها خدمة البلد وتطوير بعض الخدمات فيه، أو المساعدة في حل مشاكل معضلة؟!
الفكرة ليست بمنح المواطن المساحة وفتح الأبواب الواسعة أمامه لبث شكواه وهمه، بقدر ما هي عملية الاهتمام بمنحه فرصة العمل على تطوير البلد والمساهمة في بنائه وتصليح أخطائه من خلال الاستماع له والتفاعل مع مقترحاته.
اليوم الحلول المقبولة التي يمكن للدولة التعاطي معها لا تكون إلا عبر مجلس النواب، هذا إن تقدم الأخير بحلول تعبر بالضبط عما في نفس المواطن، أو من خلال ما «يتكرم» به الوزراء أو المسؤولون أو المستشارون. أو ما ينشره الإعلام أو يتعاطاه الكتاب رغم إن الحالة الأخيرة لا تتم بصورة دائمة، طيب أين موقع المواطن بالتالي؟!
كثير من المواطنين لديهم أفكار نيرة وتخرج منهم مقترحات قد تكون أكثر عمقاً في الفهم والتحليل من مسؤولين في البلد حتى، فلماذا لا يستمع لهم، ولماذا لا تطبق أفكارهم؟!
المشكلة أن القناعة سادت اليوم في مجتمعنا، بأن التفاعل لا يكون إلا مع النواب إن قام بعضهم بإثارة الغبار، بالتالي يفرض ذلك على المسؤولين التواصل معهم خوفاً من استخدام الأدوات الدستورية بحقهم، أو تفاعلاً في جانب آخر مع وسائل الإعلام من صحف وكتاب، فقط خوفاً من أن تركز هذه الوسيلة الإعلامية أو قلم هذا الكاتب أو ذاك على هذا المسؤول أو غيره وتسبب لهم قلقاً. لكن بمعزل عن ذلك كله، ما هي ردات الفعل تجاه ما يصدر من المواطن نفسه من هموم وما يقدمه من مقترحات لو لم تكن عبر وسطاء المجلس النيابي أو الصحافة؟!
لأقرب الصورة أكثر، لو أراد نائب أو كاتب مقابلة وزير أو مسؤول رفيع للتباحث معه بشأن وضع معين، أو التواصل معه لتقديم مقترح ما، فإن الأبواب تفتح له بسهولة جداً، وبعض اللقاءات تتم في غضون ساعات من طلبها، ومعها تكون الآذان مفتوحة وكل صور «التوجيب» موجودة، لكن لو استعضنا بالنائب أو الكاتب بالمواطن، فهل سيتم التعامل معه بنفس الصورة، أم سيكون عليه أن ينتظر وينتظر وربما ينتهي انتظاره دون أن يرى حتى الباب الخارجي للوزارة؟!
آراء الناس مهمة، فليس كل من وجد في منصب مؤثر على الساحة السياسة والاجتماعية والإعلامية هو الممتلك الوحيد للأفكار والمقترحات التي من شأنها تطوير المجتمع، والله في هذا المجتمع أناس يفكرون أفضل من عشرة وزراء أو مستشارين مجتمعين، مع الاحترام للوزراء والمستشارين وخلافهم، فلماذا لا نستمع للناس، ولماذا لا نفتح لهم قنوات تواصل مباشرة مع الدولة؟!
لا تلوموا المواطن إن قال بأن صوته لا يصل بأمانة للدولة، إذ هو يمتلك الإثباتات على ذلك، فكم مقترحاً أو فكرة أو رأياً وصلوا مباشرة لموقع صنع القرار أو للمعنيين دون الاحتياج لوسيط نيابي أو إعلامي؟! كم مواطناً نجح في مخاطبة الدولة وتقديم اقتراحاته مباشرة وتم التعامل معها بجدية وبسرعة؟! على سبيل المثال صفحات بريد القراء في الصحف يتم فيها التفاعل مع المشاكل الإنسانية بصورة عاجلة وهذا أمر طيب، لكن إلى جانب ذلك، المواضيع التي تتضمن أفكاراً واقتراحات هل يتم التعامل معها بنفس الاهتمام؟!
إن كنتم بالفعل تنشدون التطوير وتحديث منظومات المجتمع فاستمعوا للناس مباشرة، دعوهم يتكلمون عن همومهم بلا «مكيجة للواقع»، فهم من يدهم في النار أكثر من غيرهم، هم من يمكنهم التعبير عن الوضع بشكل أفصح وأوضح عن أي شخص آخر يقوم بدور «حلقة الوصل». لا توصلوا رسالة خاطئة للمواطن تفيد بأننا كدولة لسنا في حاجة للاستماع للمواطن مباشرة.
اسألوا المواطنين أنفسهم، فهم من ينطبق عليهم القول: «اسأل مجرباً ولا تسأل طبيباً»! أو بالأصح في وضعنا الحالي الذي يستغرب فيه الناس كيف لا تصل أصواتهم بكل أمانة لأصحاب القرار يمكننا القول: «اسأل مواطناً ولا تسأل وزيراً!».