لماذا يتقبّل بعض الناس كلمات الإطراء بسرورٍ ورحابة صدر، فيما يميل البعض الآخر إلى النظر بسوء نيةٍ إلى التعبيرات اللطيفة التي تُقال في حقّهم، سواءً كانت تطابق الواقع أم تخالفه؟ إن محاولة الإجابة عن هذا السؤال تكتسب أهميةً بالغةً، لأن الإنسان المتحضِّر يرغب في أن تكون الكياسة أسلوباً متداولاً للتعامل اليومي بين البشر عوضاً عن الفظاظة والابتذال.
ويعتقد النفسانيون أن الناس الذين ينفرون من سماع التعبيرات الرقيقة التي تمسّ شخوصهم يمتازون بضعف الثقة في النفس، ويبخسون في الغالب قدراتهم الذاتية، كما أنهم يمتلكون مستوىً متدنيّاً من تقدير الذات. وقد تعود دوافع تصرفات هذه الفئة من الناس إلى سنوات الطفولة التي عاشوها في كنف البيئة الأسرية، فمن المحتمل أن تكون العائلة قد اعتادت مثلاً في أثناء تربيتها لأبنائها عدم تشجيعهم على سماع كلمات المديح، لأن هذا السلوك كان مضاهياً للتدليل الزائد، بينما اعتُبر انتقاد السلوكيات الخاطئة لدى الطفل أسلوباً فاعلاً لإعداده لتحمّل قسوة الحياة الواقعيّة؛ وحينما يكبُر هؤلاء الأشخاص، يرسخ لديهم ثمة اعتقاد بأنهم لا يستحقون الكلمات الرقيقة التي تٌبث باتجاههم، وأن ما يتم مدحُهم عليه قد جاء بفعل الصدفة.
ثمة عامل آخر يجعل الناس المُمتَدَحين يسخرون من التعبيرات المعسولة الموجهة نحو ذواتهم، ويتمثل في الخوف من خذلان الآخرين، فالبنت التي يُقال لها مثلاً أنها فائقة الجمال في حضور أمّها تعتقد أن موقفها الإيجابي حيال هذا الإطراء غير مقبول اجتماعياً، لأنه لا يحقّ له أصلاً أن تعتبر نفسها أجمل من أمها، وذلك بسبب ضعف تقديرها لذاتها، كما إن البعض يظنّ أن تقبل المديح يجّر وراءه الحسد، ويخبئ للشخص المُمتدَح فشلاً وحظاً تعيساً في المستقبل.
غير أن البعض يمتدح الآخرين عن قصد، أي بهدف تحقيق غرض يراود نفسه، وفي هذه الحالة يندرج الإطراء ضمن أشكال النفاق الاجتماعي، وحينها يفتقر للمصداقيّة باعتباره مجاملةُ ومحاباة قد لا تكون في محلّها اصلاً، فالكلمة الطيبة الصادرة من القلب حقاً قد تصنع العجائب، أما الكلمة المنثورة في الهواء زيفاً وبهتاناً فقلّما تجلب التعاطف، وغالباً ما تُنسى سريعاً!