إنني ممن يعتقدون بأن دول مجلس التعاون تستطيع الدفاع عن نفسها في مواجهة دول الجوار بل والعالم الخارجي إذا أقامت الاتحاد الخليجي على أساس المواطنة الشاملة وإنني دائماً أستشهد بإسرائيل فسكانها محدودون ومواردها الطبيعية محدودة ومع ذلك طورت قوة حقيقية صناعية وتكنولوجية وبشرية جعلتها تتفوق على جميع الدول العربية، عبر مفهوم المواطنة أو الهوية اليهودية بغض النظر عن نظرتنا لطبيعة هذه الهوية وعدوانيتها. كذلك اليابان فهي دولة بلا موارد وسكانها محدودون مقارنة بجيرانها ومع ذلك تفوقت على دول جوار لها، أكبر حجماً في السكان والموارد ولديها تطور علمي وتكنولوجي، نفس الشيء بالنسبة للسويد فهي دولة محدودة الموارد، والسكان لا يزيدون على عشرة ملايين نسمة ومع ذلك فصناعات السويد التكنولوجية تغزو العالم، كذلك الأمر بالنسبة لفنلندا.
ولهذا أقول إن دول مجلس التعاون أمامها التحدي الأول وهو توافر الإرادة الحقيقية الصلبة لبناء غد أفضل، وللدفاع عن منجزاتها وتدعيمها وتعزيزها، وهذا لا يكون إلا بانتقال مجلس التعاون إلى الاتحاد الخليجي، هذا الاتحاد هو الضمانة الحقيقية والتعبير الصادق عن توافر الإرادة، إنني أدرك أن هناك العديد من الحساسيات والمصالح الضيقة لفئات من بعض الدول الخليجية ومع هذا يكفي أن نقول إنه عندما تدق ساعة الخطر فإن القوة الأولى التي تدافع عن دول الخليج العربية هي هذه الدول ذاتها متمثلة في وحدتها وإرادتها، وهذا ما حدث بعد غزو العراق للكويت ولولا إرادة دول المجلس مؤيدة ومدعمة بالدول العربية وفي مقدمتها مصر وسوريا آنذاك، فإن الدول الكبرى ما كان يمكن لها أن تدعم الكويت. وللأسف أخذت هذه الدول الأجنبية نصيب الأسد من ثروات دول مجلس التعاون بينما حصلت مصر وسوريا على الفتات وضاع إعلان دمشق الذي كان يمكن أن يكون درعاً حامية لدول المجلس بل إن درع الجزيرة نفسه أصبح موضع تساؤل ولم يحقق سوى القليل من القوة والمنعة رغم الأفكار العظيمة التي طرحتها بعض الدول الأعضاء.
إن التحدي اليوم أمام القادة والشعوب والنخب السياسية والمثقفة لدول المجلس بالغ الأهمية، وإذا لم تقدم دول المجلس الاستجابة المناسبة في إطلاق الاتحاد الخليجي وتلكأت كعادة العرب جميعاً تحت دعاوى مختلفة، فإن الفرصة سوف تضيع، والإيمان بالهدف سوف يضعف. وأنا كباحث في الدراسات الإستراتيجية الدولية أحب أن أرى الضوء في نهاية النفق، وهذا الضوء هو في إطلاق الاتحاد الخليجي بين دولتين أو ثلاثة أو أربع ولو كان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم انتظر حتى يؤمن جميع قادة قريش برسالته ما كان للإسلام أن ينتشر ولكنه عمل في بناء الإسلام طوبة بعد طوبة وهكذا أي بنيان، فلا يمكن للطفل أن يولد رجلاً ولكنه يولد طفلاً، وينمو ولو ترك الجنين في بطن الأم أكثر من اللازم فسوف يموت.
ونسوق مثالاً آخر من الولايات المتحدة الأمريكية القوى العظمي في عالمنا المعاصر والتي ترجع قوتها إلى الحجم السكاني والمساحة والاقتصاد والثروات الطبيعية، هذه الولايات المتحدة التي تضم خمسين ولاية لم تكن بنفس المساحة والسكان أو عدد الولايات وإنما عند إنشائها كانت أقل من عشرين ولاية ثم أخذ عددها في الزيادة. ونفس الشيء ينطبق عل الاتحاد الأوروبي عند نشأته من 6 دول والآن أصبح يضم 27 دولة. إن النجاح يغري بالنجاح والفشل يقود إلى الفشل. هذه هي دروس السياسة والاقتصاد بل الحياة الإنسانية في شتى مظاهرها.
إن الاتحاد الخليجي ليس عملاً اختيارياً، ولكنه ضرورة استراتيجية ومصلحة عاجلة، ويجب أن ينظر له القادة والشعوب والنخب السياسية والمثقفة نظرة جادة وعاجلة من منظور استشراف المستقبل وليس منظور المصالح الآنية الحاضرة التي تكون أحياناً عاجزة عن استشراف المستقبل بعمق وبصيرة ثاقبة، فالنفط سوف ينضب، والولايات المتحدة سوف تغادر بقواتها وتترك دول الخليج بلا سند حقيقي سوى ذاتها وعروبتها. وصديق اليوم قد يتحول إلى عدو الغد والعكس صحيح لأن الصداقة والعداوة في السياسة لا تدوم. إن الذي يدوم هو المصالح والقوة والقدرات وكما قال المثل العربي تعبيراً عن ذلك «إذا أقبلت الدنيا علي إنسان منحته محاسن غيره وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه»، والمثل القائل «إن في الاتحاد قوة» وقصة الرجل العربي الذي قارب على الوفاة واستدعى أبناءه وأعطى كل واحد منهم عصاه وطلب كسرها فكسرها بسهولة وعندما أعطاه حزمة من العصي فلم يستطع كسرها، هذه القصة تأكيد على أن مفهوم الاتحاد قوة والتفرق ضعف.