بحسب وصف وسائل إعلام مختلفة، وبحسب وصفها هي أيضاً في تقاريرها الإخبارية فإن هيئة الإذاعة البريطانية الـ»بي بي سي» تمر بأسوأ أزمة في تاريخها بسبب فضائح متوالية وضعت مصداقيتها على المحك وباتت تواجه بردود فعل مشمئزة في الداخل البريطاني إضافة لاهتزاز صورتها خارجياً.
الإمبراطورية الإعلامية العريقة والتي تصنف على أنها «سيدة» القنوات العالمية بدأت تهتز صورتها بشكل قوي منذ أن أعلنت في أكتوبر من العام 2011 أنها ستسرح أكثر من ألفي موظف بحلول عام 2017 وذلك بسبب تجميد رسوم التلفزيون التي يتم تحصيلها من المشاهدين البريطانيين وذلك في مساع لخفض ميزانيتها بواقع الخمس.
المثير أنه منذ هذا الإعلان والفضائح بدأت بالظهور، وسقطات الـ»بي بي سي» تتوالى، وأكملتها «هفوات» من القناة نفسها جعلت مصداقيتها موضع شك.
في يونيو الماضي، صدر تقرير عن الـ»بي بي سي» قدم على أنه نقد ذاتي لتعاطي القناة ومراسليها مع «الربيع العربي». في هذا التقرير أكدت رئيسة قسم الأخبار «هيلين بودين» أن تغطية القناة لأحداث «ربيع العرب» شابها الانفعال العاطفي ما أدى لحجب رؤيتها لأشياء لا ينبغي أن تصدر عن مؤسسة إعلامية بوزن الـ»بي بي سي».
«بودين» أشارت لضياع مصداقية القناة نتيجة مشاعر المراسلين الشخصية ما تجاوز الموضوعية وجاء على حساب التحليل الموضوعي، كما بينت بأن استشهاد القناة بأفلام الفيديو المصورة بالهواتف المحمولة كانت مثار انتقاد باعتبار أن القناة أخفقت فيما لا يقل عن 74% من الحالات بشأن تنبيه المشاهدين بأنها لا تستطيع التحقق بشكل مستقل من مصداقية تلك الفيديوهات.
هذا كان تقريراً مثيراً جداً، استجلب النقاش بشأن ما إذا كانت الـ»بي بي سي» محتاجة لأن تنتقد ذاتها على الملأ وتعترف بأخطائها، إلا أن الغالبية رأوا بأن «الاعتراف بالخطأ» أفضل من الاستمرار في الدفاع عنه و»ادعاء» بأنه لم يحصل أو وضع مبررات «غير منطقية» له.
في سبتمبر الماضي، اضطرت الـ»بي بي سي» ومراسلها المعروف «فرانك غاردنر» إلى تقديم اعتذار رسمي للملكة «إليزابيث» بعد أن نشر «غاردنر» حديثاً خاصاً لها بشأن رأيها في موضوع القبض على الإسلامي «أبو حمزة المصري»، وذلك بعد استياء الملكة من نشر رأيها في حديث لم يكن للنشر، إذ قال «غاردنر» بأن الملكة «مثل الجميع كانت منزعجة من تعرض بلدها ورعاياها للإهانة من رجل استخدم هذا البلد منبراً لبث أفكاره الحاقدة والعنيفة».
في اعتذارها قالت الـ»بي بي سي» بأن هذه المحادثة كانت يجب أن تبقى خاصة وأنها تأسف بعمق مثل الصحافي لـ»خيانة ثقة الملكة»! تخيلوا، وصفت القناة نفسها وصحافيها المخضرم بأنهم «خانوا ثقة الملكة»، أي خيانة ثقة بريطانيا العظمى!
تتوالى الكوارث على القناة، ففي أكتوبر الماضي ضجت الصحف البريطانية على مدار أسبوعين بكشف فضائح لنجم القناة المذيع «جيمي سافيل» المتوفى العام الماضي ترتبط بتحرشات جنسية لقصر قام بها في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، والتي ظهرت بعد أن قرر ضحاياه الحديث، حيث تحصلت الشرطة البريطانية على 12 ادعاء بعد اتصالها بأربعين من الضحايا المحتملين. وللتوثيق هنا فإن بعض الضحايا قالوا بأن الاعتداء الجنسي كان موجوداً بكثرة داخل المؤسسة الإعلامية ولم يقتصر فقط على «سافيل»، في اتهام خطير جداً.
القناة فتحت تحقيقين بخصوص هذه القضية، الأول بشأن ملابسات ما حصل، والثاني بشأن عدم بث برنامج تحليلي بخصوص الموضوع كان يفترض أن يعرض أقلها لتقليل الضرر على صورة وسمعة القناة.
مدير القناة آنذاك «جورج انتسويل» قال: «سنعتمد في هذا التحقيق على الأدلة والبحث في الأعماق النفسية، فثقة جمهورنا لها أهمية كبيرة عندنا وسنفعل كل ما في قدراتنا للحفاظ على هذه الثقة».
ذكرتُ «جورج انتسويل» هنا وأوردت نص تصريحه لسبب بسيط جداً، إذ في الثاني من نوفمبر الحالي بثت القناة في برنامجها «نيوزنايت» حديثاً لشاهدة قالت بأنها ضحية اعتداء جنسي من قبل مسؤول كبير سابق في حزب المحافظين في منزل للشبان في السبعينيات، ورغم أن الاسم لم يذكر إلا أنه تم تداول اسم اللورد «إليستر ماك إلبين» وزير المال السابق خلال عهد «مارغريت تاتشر» على مواقع التواصل الاجتماعي بالأخص «تويتر» قبل أن تتراجع الشاهدة عن أقوالها.
«ألبين» رفع على الفور دعاوى قضائية على الـ»بي بي سي»، والقناة قدمت على الفور في اليوم التالي اعتذاراً رسمياً للورد على الخطأ الذي ارتكبته، وفي مقابلة لراديو الهيئة مع «انتسويل» حاول الأخير تبرير ما حصل إلا أنه سقط بشكل مريع حينما اعترف بأنه لم يعرف بشأن مضمون البرنامج ولم يعرف بشأنه إلا في اليوم التالي وبعد أن ضج «التويتر» بالفضيحة.
بعد المقابلة كررت القناة اعتذارها وقدم «انتسويل» استقالته وقال في بيان له: «قررت أن الشيء الأكثر نزاهة الذي يمكن القيام به هو الاستقالة» مضيفاً بأنه قرر الاستقالة «نظراً لكون المدير العام هو أيضاً رئيس التحرير والمسؤول في نهاية الأمر عن كل مضمون البرامج».
طبعاً القناة وصلت بعد رحيل مديرها إلى تسوية مالية مع اللورد «إلبين» بلغت 185 ألف جنية إسترليني (110 آلاف دينار بحريني)، مع تعهد الأخيرة بملاحقة من شهروا به عبر «التويتر» قضائياً.
بعد هذه الحادثة بدأت قطع «الدومينوز» بالتساقط، فيوم الثلاثاء الماضي اتهمت الشرطة البريطانية «مايكل سوتر» مقدم البرامج السابق في الـ»بي بي سي» بالاعتداء الجنسي على قصر بين عامي 97 و99، وقالت بأن هذه القضية لا علاقة لها بقضية «سافيل». مقابل ذلك بدأت ممارسة ضغوط على رئيس مجلس أمناء الهيئة اللورد «كريس باتن» للاستقالة من منصبه بذريعة أنه يمارس عشرة وظائف أخرى، رغم أن «باتن» صرح بعد استقالة «انتسويل» بأن الـ»بي بي سي» تحتاج إلى عملية إصلاحات هيكلية جذرية شاملة متعهداً بإجراءات لضمان خضوع برامج الهيئة للتحرير بشكل سليم. لكن الخطوة الأكثر أهمية هو إعلان جهاز تنظيم وسائل الإعلام في بريطانيا أمس الأول (الخميس) عن بدء تحقيقات بشأن المسألة ما يوحي بتوقع اتخاذ إجراءات صارمة قريباً.
بعيداً عن كل ذلك، النقاش يدور اليوم في بريطانيا بشأن الفضيحة طبعاً، لكن يتركز في جانب محدد معني بالكيفية التي ستحاول من خلالها الـ»بي بي سي» المحافظة على مصداقيتها.
البعض يقول بأن استقالة «انتسويل» كانت أمراً مفروغاً منه إذ يجب عليه تحمل مسؤولية بث المعلومات الخاطئة أو «المفبركة»، بينما البعض الآخر يشكك بأن الاستقالة حصلت فعلياً، ويمضي للقول بأنها «إقالة» وليست «استقالة» لتحفظ بها الـ»بي بي سي» ماء وجهها، باعتبار أن «انتسويل» المستقيل خرج من الهيئة بشيك قيمته 450 ألف جنيه إسترليني (270 ألف دينار بحريني) نظير عمل 45 يوماً فقط كانت مدة ولايته على رأس القناة!
الـ»بي بي سي» طبقت قاعدة هامة في عالم الإعلام، قاعدة تستخدم للخروج من فضيحة أو أزمة مدوية، وهي التخلص من «مصدر الفضيحة» و»المسؤول الأول عن الخطأ» لأجل حفظ ماء وجهها ليس إلا.
تخيلوا الآن لو قامت الـ»بي بي سي» بإعادة «انتسويل» إلى منصبه بعد هذه الفضيحة، هل يحق لها بعد ذلك أن تدعي بأنها «سيدة المصداقية» و»منبع الفضائل والأخلاقيات الإعلامية»؟!
الإمبراطورية الإعلامية العريقة والتي تصنف على أنها «سيدة» القنوات العالمية بدأت تهتز صورتها بشكل قوي منذ أن أعلنت في أكتوبر من العام 2011 أنها ستسرح أكثر من ألفي موظف بحلول عام 2017 وذلك بسبب تجميد رسوم التلفزيون التي يتم تحصيلها من المشاهدين البريطانيين وذلك في مساع لخفض ميزانيتها بواقع الخمس.
المثير أنه منذ هذا الإعلان والفضائح بدأت بالظهور، وسقطات الـ»بي بي سي» تتوالى، وأكملتها «هفوات» من القناة نفسها جعلت مصداقيتها موضع شك.
في يونيو الماضي، صدر تقرير عن الـ»بي بي سي» قدم على أنه نقد ذاتي لتعاطي القناة ومراسليها مع «الربيع العربي». في هذا التقرير أكدت رئيسة قسم الأخبار «هيلين بودين» أن تغطية القناة لأحداث «ربيع العرب» شابها الانفعال العاطفي ما أدى لحجب رؤيتها لأشياء لا ينبغي أن تصدر عن مؤسسة إعلامية بوزن الـ»بي بي سي».
«بودين» أشارت لضياع مصداقية القناة نتيجة مشاعر المراسلين الشخصية ما تجاوز الموضوعية وجاء على حساب التحليل الموضوعي، كما بينت بأن استشهاد القناة بأفلام الفيديو المصورة بالهواتف المحمولة كانت مثار انتقاد باعتبار أن القناة أخفقت فيما لا يقل عن 74% من الحالات بشأن تنبيه المشاهدين بأنها لا تستطيع التحقق بشكل مستقل من مصداقية تلك الفيديوهات.
هذا كان تقريراً مثيراً جداً، استجلب النقاش بشأن ما إذا كانت الـ»بي بي سي» محتاجة لأن تنتقد ذاتها على الملأ وتعترف بأخطائها، إلا أن الغالبية رأوا بأن «الاعتراف بالخطأ» أفضل من الاستمرار في الدفاع عنه و»ادعاء» بأنه لم يحصل أو وضع مبررات «غير منطقية» له.
في سبتمبر الماضي، اضطرت الـ»بي بي سي» ومراسلها المعروف «فرانك غاردنر» إلى تقديم اعتذار رسمي للملكة «إليزابيث» بعد أن نشر «غاردنر» حديثاً خاصاً لها بشأن رأيها في موضوع القبض على الإسلامي «أبو حمزة المصري»، وذلك بعد استياء الملكة من نشر رأيها في حديث لم يكن للنشر، إذ قال «غاردنر» بأن الملكة «مثل الجميع كانت منزعجة من تعرض بلدها ورعاياها للإهانة من رجل استخدم هذا البلد منبراً لبث أفكاره الحاقدة والعنيفة».
في اعتذارها قالت الـ»بي بي سي» بأن هذه المحادثة كانت يجب أن تبقى خاصة وأنها تأسف بعمق مثل الصحافي لـ»خيانة ثقة الملكة»! تخيلوا، وصفت القناة نفسها وصحافيها المخضرم بأنهم «خانوا ثقة الملكة»، أي خيانة ثقة بريطانيا العظمى!
تتوالى الكوارث على القناة، ففي أكتوبر الماضي ضجت الصحف البريطانية على مدار أسبوعين بكشف فضائح لنجم القناة المذيع «جيمي سافيل» المتوفى العام الماضي ترتبط بتحرشات جنسية لقصر قام بها في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، والتي ظهرت بعد أن قرر ضحاياه الحديث، حيث تحصلت الشرطة البريطانية على 12 ادعاء بعد اتصالها بأربعين من الضحايا المحتملين. وللتوثيق هنا فإن بعض الضحايا قالوا بأن الاعتداء الجنسي كان موجوداً بكثرة داخل المؤسسة الإعلامية ولم يقتصر فقط على «سافيل»، في اتهام خطير جداً.
القناة فتحت تحقيقين بخصوص هذه القضية، الأول بشأن ملابسات ما حصل، والثاني بشأن عدم بث برنامج تحليلي بخصوص الموضوع كان يفترض أن يعرض أقلها لتقليل الضرر على صورة وسمعة القناة.
مدير القناة آنذاك «جورج انتسويل» قال: «سنعتمد في هذا التحقيق على الأدلة والبحث في الأعماق النفسية، فثقة جمهورنا لها أهمية كبيرة عندنا وسنفعل كل ما في قدراتنا للحفاظ على هذه الثقة».
ذكرتُ «جورج انتسويل» هنا وأوردت نص تصريحه لسبب بسيط جداً، إذ في الثاني من نوفمبر الحالي بثت القناة في برنامجها «نيوزنايت» حديثاً لشاهدة قالت بأنها ضحية اعتداء جنسي من قبل مسؤول كبير سابق في حزب المحافظين في منزل للشبان في السبعينيات، ورغم أن الاسم لم يذكر إلا أنه تم تداول اسم اللورد «إليستر ماك إلبين» وزير المال السابق خلال عهد «مارغريت تاتشر» على مواقع التواصل الاجتماعي بالأخص «تويتر» قبل أن تتراجع الشاهدة عن أقوالها.
«ألبين» رفع على الفور دعاوى قضائية على الـ»بي بي سي»، والقناة قدمت على الفور في اليوم التالي اعتذاراً رسمياً للورد على الخطأ الذي ارتكبته، وفي مقابلة لراديو الهيئة مع «انتسويل» حاول الأخير تبرير ما حصل إلا أنه سقط بشكل مريع حينما اعترف بأنه لم يعرف بشأن مضمون البرنامج ولم يعرف بشأنه إلا في اليوم التالي وبعد أن ضج «التويتر» بالفضيحة.
بعد المقابلة كررت القناة اعتذارها وقدم «انتسويل» استقالته وقال في بيان له: «قررت أن الشيء الأكثر نزاهة الذي يمكن القيام به هو الاستقالة» مضيفاً بأنه قرر الاستقالة «نظراً لكون المدير العام هو أيضاً رئيس التحرير والمسؤول في نهاية الأمر عن كل مضمون البرامج».
طبعاً القناة وصلت بعد رحيل مديرها إلى تسوية مالية مع اللورد «إلبين» بلغت 185 ألف جنية إسترليني (110 آلاف دينار بحريني)، مع تعهد الأخيرة بملاحقة من شهروا به عبر «التويتر» قضائياً.
بعد هذه الحادثة بدأت قطع «الدومينوز» بالتساقط، فيوم الثلاثاء الماضي اتهمت الشرطة البريطانية «مايكل سوتر» مقدم البرامج السابق في الـ»بي بي سي» بالاعتداء الجنسي على قصر بين عامي 97 و99، وقالت بأن هذه القضية لا علاقة لها بقضية «سافيل». مقابل ذلك بدأت ممارسة ضغوط على رئيس مجلس أمناء الهيئة اللورد «كريس باتن» للاستقالة من منصبه بذريعة أنه يمارس عشرة وظائف أخرى، رغم أن «باتن» صرح بعد استقالة «انتسويل» بأن الـ»بي بي سي» تحتاج إلى عملية إصلاحات هيكلية جذرية شاملة متعهداً بإجراءات لضمان خضوع برامج الهيئة للتحرير بشكل سليم. لكن الخطوة الأكثر أهمية هو إعلان جهاز تنظيم وسائل الإعلام في بريطانيا أمس الأول (الخميس) عن بدء تحقيقات بشأن المسألة ما يوحي بتوقع اتخاذ إجراءات صارمة قريباً.
بعيداً عن كل ذلك، النقاش يدور اليوم في بريطانيا بشأن الفضيحة طبعاً، لكن يتركز في جانب محدد معني بالكيفية التي ستحاول من خلالها الـ»بي بي سي» المحافظة على مصداقيتها.
البعض يقول بأن استقالة «انتسويل» كانت أمراً مفروغاً منه إذ يجب عليه تحمل مسؤولية بث المعلومات الخاطئة أو «المفبركة»، بينما البعض الآخر يشكك بأن الاستقالة حصلت فعلياً، ويمضي للقول بأنها «إقالة» وليست «استقالة» لتحفظ بها الـ»بي بي سي» ماء وجهها، باعتبار أن «انتسويل» المستقيل خرج من الهيئة بشيك قيمته 450 ألف جنيه إسترليني (270 ألف دينار بحريني) نظير عمل 45 يوماً فقط كانت مدة ولايته على رأس القناة!
الـ»بي بي سي» طبقت قاعدة هامة في عالم الإعلام، قاعدة تستخدم للخروج من فضيحة أو أزمة مدوية، وهي التخلص من «مصدر الفضيحة» و»المسؤول الأول عن الخطأ» لأجل حفظ ماء وجهها ليس إلا.
تخيلوا الآن لو قامت الـ»بي بي سي» بإعادة «انتسويل» إلى منصبه بعد هذه الفضيحة، هل يحق لها بعد ذلك أن تدعي بأنها «سيدة المصداقية» و»منبع الفضائل والأخلاقيات الإعلامية»؟!