لأول مرة منذ أحداث 2011 نستمع لخطاب غير سياسي من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد، حيث اعتدنا منذ تلك الأحداث على متابعة العديد من الرسائل السياسية في خطابات العاهل. فالخطاب ركز في أكثر من 95% منه على مسائل غير سياسية، بخلاف الخطابات السابقة التي تتركز حول المسائل السياسية أكثر. كيف نفهم خطاب العاهل إذن؟
427 كلمة فقط هي مجموع كلمات خطاب جلالة الملك بمناسبة العيد الوطني وذكرى توليه مقاليد الحكم في البلاد، ومن خلال الخطاب يمكن التعرف على أهم رسالتين سعى العاهل لإيصالهما للشعب، أولاً عدم التركيز على الشأن السياسي، وهو ما يعني أن تداعيات الأزمة في طريقها للنهاية، وفي الوقت نفسه هي استشعار من جلالته لاتجاهات الرأي العام الذي بات يعاني من نفور حاد تجاه القضايا السياسية بخلاف اتجاهاته في ديسمبر 2011.
وبالتالي فإن عدم التركيز على الشأن السياسي يعطي مؤشراً بضرورة عدم الانشغال المفرط بالسياسة، وأن هناك الكثير من القضايا التي تحتاج إلى اهتمام وعمل، فحتى لو استمرت تداعيات الأزمة السياسية، فإنه من غير المقبول عدم الانشغال بالقضايا التنموية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. ولذلك جاءت رسالة جلالة الملك واضحة في هذا الشأن عندما لم يتطرق كثيراً للقضايا السياسية الراهنة محلياً أو خارجياً رغم سخونتها.
الرسالة الثانية من الخطاب الملكي تمثلت في مكان إلقاء الخطاب والمشروع الذي أطلقه جلالته. فمن النادر أن تقام احتفالات العيد الوطني في مكان خارج باحات القصور الملكية، ولكن مكان احتفال هذا العام كان حرم جامعة البحرين، وهي رسالة أخرى هامة تشير إلى التقدير الكبير الذي يوليه جلالة الملك والدولة للعلم والعلماء.
وجاء مشروع وقف الأمير الراحل لرعاية طلبة الدراسات الجامعية والعليا ليتمازج بمكان الخطاب، ويؤكد ضرورة الاستثمار في الشباب نحو مزيد من الدراسة الجامعية بما يخدم احتياجات الدولة. وهي مسألة إذا ربطناها بعدم تناول الخطاب الملكي الشأن السياسي، فإنها تكون متناسقة للغاية، فجلالته لم يتطرق للشأن السياسي مباشرة لأول مرة منذ الأزمة الأخيرة ليؤكد ضرورة الانشغال بجهود التنمية، وفي الوقت نفسه يدشن مشروعاً وقفياً لدعم الطلبة الجامعيين بما يخدم أهداف التنمية.
الكلمة السامية جاءت في وقت مناسب للغاية، بعد أن عانى الرأي العام من الإفراط في تناول السياسة بشكل مبالغ فيه، وهي مبالغة مفرطة بحاجة إلى مزيد من الترشيد أكثر من أي وقت مضى.