تاريخ المصداقية السياسية في البحرين متذبذب إذا ما تمت مقارنته بين الحكومة من جهة والجماعات الراديكالية من جهة أخرى ممثلة في الوفاق والجمعيات السياسية التابعة لها. فكيف يمكن مقارنة هذا التاريخ بين الطرفين؟
بداية لابد من التأكيد على أن المصداقية السياسية مرتبطة بفجوة المصداقية والتي تعني الفرق القائم بين التوقعات والواقع، بمعنى حجم الفجوة بين توقعات الجماهير والفاعلين السياسيين في النظام السياسي من حكومة أو حتى جمعيات سياسية. وبالتالي لتقديم رؤية في هذا الجانب بعيداً عن الإفراط في التنظير، ينبغي مقارنة توقعات الجماهير بما أنجز على أرض الواقع من إنجازات فعلية. وعليه فإن المقارنة بين مصداقية الحكومة والجماعات الراديكالية لن تكون قائمة على الإنجازات الخدمية بقدر ما تكون قائمة على الرؤية السياسية، وما نتج عنها بشكل واقعي.
يمكن مقارنة فجوة المصداقية السياسية منذ العام 2001 باعتباره العام الذي شهد التحول الديمقراطي الحالي، فمنذ ذلك العام أكدت الحكومة التزامها بالإصلاح السياسي وسيادة القانون ومبدأ فصل السلطات واحترام الحريات وحقوق الإنسان وتفعيل دولة المؤسسات، ورغم صعوبة التحول الديمقراطي والإشكاليات التي تصاحبها عادة فإنها استطاعت تحقيق هذا الالتزام فعلياً بشكل أو بآخر.
ومن أمثلة ذلك التزامها باستكمال المؤسسات الدستورية المطلوبة لضمان استقرار النظام السياسي، واحترام الحريات المكفولة دستورياً، وكذلك احترام مبادئ حقوق الإنسان، وطوال التجاوزات التي تتكرر بين وقت وآخر كانت تتفاعل معها بمسؤولية، وهو ما دفعها للتوقيع على العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية في المجال الحقوقي، وتعديل العديد من التشريعات الوطنية في هذا المجال. كما أنشأت العديد من المؤسسات الرسمية المعنية بحقوق الإنسان من وزارة ومؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، وتفاعلت إيجابياً مع المؤسسات الدولية الحقوقية سواءً كانت تحت مظلة الأمم المتحدة وغيرها من خارج المنظومة الأممية.
بالمقابل قدمت الجماعات الراديكالية بقيادة الوفاق والجمعيات السياسية التابعة لها رؤيتها السياسية منذ التوافق التاريخي على ميثاق العمل الوطني، فتحفظت على التعديلات الدستورية الأولى في العام 2002، وظلت رافضة الدخول في العملية السياسية لمدة 4 سنوات بسبب ما أسمته «ضعف صلاحيات السلطة التشريعية». وكانت رؤيتها في تلك الفترة تقوم على ضرورة تشكيل مجلس تأسيسي جديد وإنشاء دستور تعاقدي جديد أو العودة لمكتسبات الدستور قبل التعديلات الدستورية (مكتسبات 1973).
ولم تجد الجماعات الراديكالية أي نتيجة، فاضطرت بفتوى دينية إلى المشاركة في العملية السياسية خلال العام 2006، وظلت تؤكد رغبتها في «الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي والملكية الدستورية الحقيقية وسيادة القانون والعدالة وإنهاء التمييز». ولم تتمكن من تحقيق مطالبها مرة أخرى، خاصة مع تجاوزها لمطالبها الحقيقية، فهي لم تحترم سيادة القانون عندما حرصت على تجاوز القانون بمسيرات متكررة، ولم توقف جماهيرها عن ممارسة الأنشطة الإرهابية وأعمال العنف السياسي، كما لم تحترم مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات عندما انصاعت في قراراتها ومواقفها السياسية للمؤسسة الدينية التي يرأسها عيسى قاسم، وأهم مثال على ذلك عدم قدرتها على التحرر من الخضوع لموقف المؤسسة الدينية وسطوتها فيما يتعلق بإقرار القسم الجعفري من قانون أحكام الأسرة الذي من شأنه أن ينهي حالات التمييز التي تتعرض لها المرأة رغم أنه مطلب حقوقي من حقوق الإنسان الدولية.
فجأة في العام 2011 قررت التخلي عن مطالبها السابقة بالإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي والملكية الدستورية فقامت الجماعات الراديكالية بمحاولة انقلابية وطالبت بإسقاط النظام وطرد الأسرة المالكة وبعض مكونات المجتمع الرئيسة صاحبها موجة عنيفة من الإرهاب.
فشلت هذه المحاولة فشلاً ذريعاً، فابتكرت سريعاً ما تسمى بـ «وثيقة المنامة» في ذريعة سياسية لإنقاذ موقفها داخلياً وخارجياً. وصارت تطالب بالحوار بين وقت وآخر، وفي الوقت نفسه تتمسك باللجوء إلى القوة والشارع والإرهاب للضغط من أجل تحقيق مطالبها.
بالمقابل أكدت الحكومة رغبتها في إنهاء تداعيات أزمة 2011 من خلال حوار التوافق الوطني فدعت كافة مكونات المجتمع إلى الحوار، فشاركت الجماعات الراديكالية في الحوار ولكنها انسحبت سريعاً.
استمرت المشاورات بعد حوار التوافق الوطني، ولكن الجماعات الراديكالية كانت مصرة على الحوار حسب شروطها التعجيزية وفق مبادئ إقصائية تنفي الآخر، ولا تسعى إلا إلى التفاوض لوحدها فقط مع ما تسميه «الحكم».
رغم ذلك استجابت الحكومة سريعاً لدعوة جلالة الملك لاستكمال حوار التوافق الوطني في المحور السياسي سعياً لإنهاء تداعيات الأزمة الأخيرة وإيقاف التأزيم نهائياً. فعادت الجماعات الراديكالية مرة أخرى لشروطها التعجيزية من إشراف دولي واستفتاء وتفاوض ووثيقة المنامة.. إلخ.
في ظل هذه المقارنة موجزة التفاصيل، كانت تطلعات الجماهير البحرينية واحدة نحو التحول الديمقراطي، وبالتالي هي التي تقرر طبيعة فجوة المصداقية السياسية بين الحكومة والجماعات الراديكالية، فهناك من اقتنع بأن الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي عملية مستمرة وتستغرق فترة طويلة نحو النضج السياسي، وهناك من انساق وراء المطالب والمواقف غير المستقرة التي تطرحها بين وقت وآخر وتبدلها سريعاً الجماعات الراديكالية. وهنا يمكننا معرفة أيهما أكثر مصداقية؛ الحكومة أم الراديكاليين؟
بداية لابد من التأكيد على أن المصداقية السياسية مرتبطة بفجوة المصداقية والتي تعني الفرق القائم بين التوقعات والواقع، بمعنى حجم الفجوة بين توقعات الجماهير والفاعلين السياسيين في النظام السياسي من حكومة أو حتى جمعيات سياسية. وبالتالي لتقديم رؤية في هذا الجانب بعيداً عن الإفراط في التنظير، ينبغي مقارنة توقعات الجماهير بما أنجز على أرض الواقع من إنجازات فعلية. وعليه فإن المقارنة بين مصداقية الحكومة والجماعات الراديكالية لن تكون قائمة على الإنجازات الخدمية بقدر ما تكون قائمة على الرؤية السياسية، وما نتج عنها بشكل واقعي.
يمكن مقارنة فجوة المصداقية السياسية منذ العام 2001 باعتباره العام الذي شهد التحول الديمقراطي الحالي، فمنذ ذلك العام أكدت الحكومة التزامها بالإصلاح السياسي وسيادة القانون ومبدأ فصل السلطات واحترام الحريات وحقوق الإنسان وتفعيل دولة المؤسسات، ورغم صعوبة التحول الديمقراطي والإشكاليات التي تصاحبها عادة فإنها استطاعت تحقيق هذا الالتزام فعلياً بشكل أو بآخر.
ومن أمثلة ذلك التزامها باستكمال المؤسسات الدستورية المطلوبة لضمان استقرار النظام السياسي، واحترام الحريات المكفولة دستورياً، وكذلك احترام مبادئ حقوق الإنسان، وطوال التجاوزات التي تتكرر بين وقت وآخر كانت تتفاعل معها بمسؤولية، وهو ما دفعها للتوقيع على العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية في المجال الحقوقي، وتعديل العديد من التشريعات الوطنية في هذا المجال. كما أنشأت العديد من المؤسسات الرسمية المعنية بحقوق الإنسان من وزارة ومؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، وتفاعلت إيجابياً مع المؤسسات الدولية الحقوقية سواءً كانت تحت مظلة الأمم المتحدة وغيرها من خارج المنظومة الأممية.
بالمقابل قدمت الجماعات الراديكالية بقيادة الوفاق والجمعيات السياسية التابعة لها رؤيتها السياسية منذ التوافق التاريخي على ميثاق العمل الوطني، فتحفظت على التعديلات الدستورية الأولى في العام 2002، وظلت رافضة الدخول في العملية السياسية لمدة 4 سنوات بسبب ما أسمته «ضعف صلاحيات السلطة التشريعية». وكانت رؤيتها في تلك الفترة تقوم على ضرورة تشكيل مجلس تأسيسي جديد وإنشاء دستور تعاقدي جديد أو العودة لمكتسبات الدستور قبل التعديلات الدستورية (مكتسبات 1973).
ولم تجد الجماعات الراديكالية أي نتيجة، فاضطرت بفتوى دينية إلى المشاركة في العملية السياسية خلال العام 2006، وظلت تؤكد رغبتها في «الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي والملكية الدستورية الحقيقية وسيادة القانون والعدالة وإنهاء التمييز». ولم تتمكن من تحقيق مطالبها مرة أخرى، خاصة مع تجاوزها لمطالبها الحقيقية، فهي لم تحترم سيادة القانون عندما حرصت على تجاوز القانون بمسيرات متكررة، ولم توقف جماهيرها عن ممارسة الأنشطة الإرهابية وأعمال العنف السياسي، كما لم تحترم مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات عندما انصاعت في قراراتها ومواقفها السياسية للمؤسسة الدينية التي يرأسها عيسى قاسم، وأهم مثال على ذلك عدم قدرتها على التحرر من الخضوع لموقف المؤسسة الدينية وسطوتها فيما يتعلق بإقرار القسم الجعفري من قانون أحكام الأسرة الذي من شأنه أن ينهي حالات التمييز التي تتعرض لها المرأة رغم أنه مطلب حقوقي من حقوق الإنسان الدولية.
فجأة في العام 2011 قررت التخلي عن مطالبها السابقة بالإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي والملكية الدستورية فقامت الجماعات الراديكالية بمحاولة انقلابية وطالبت بإسقاط النظام وطرد الأسرة المالكة وبعض مكونات المجتمع الرئيسة صاحبها موجة عنيفة من الإرهاب.
فشلت هذه المحاولة فشلاً ذريعاً، فابتكرت سريعاً ما تسمى بـ «وثيقة المنامة» في ذريعة سياسية لإنقاذ موقفها داخلياً وخارجياً. وصارت تطالب بالحوار بين وقت وآخر، وفي الوقت نفسه تتمسك باللجوء إلى القوة والشارع والإرهاب للضغط من أجل تحقيق مطالبها.
بالمقابل أكدت الحكومة رغبتها في إنهاء تداعيات أزمة 2011 من خلال حوار التوافق الوطني فدعت كافة مكونات المجتمع إلى الحوار، فشاركت الجماعات الراديكالية في الحوار ولكنها انسحبت سريعاً.
استمرت المشاورات بعد حوار التوافق الوطني، ولكن الجماعات الراديكالية كانت مصرة على الحوار حسب شروطها التعجيزية وفق مبادئ إقصائية تنفي الآخر، ولا تسعى إلا إلى التفاوض لوحدها فقط مع ما تسميه «الحكم».
رغم ذلك استجابت الحكومة سريعاً لدعوة جلالة الملك لاستكمال حوار التوافق الوطني في المحور السياسي سعياً لإنهاء تداعيات الأزمة الأخيرة وإيقاف التأزيم نهائياً. فعادت الجماعات الراديكالية مرة أخرى لشروطها التعجيزية من إشراف دولي واستفتاء وتفاوض ووثيقة المنامة.. إلخ.
في ظل هذه المقارنة موجزة التفاصيل، كانت تطلعات الجماهير البحرينية واحدة نحو التحول الديمقراطي، وبالتالي هي التي تقرر طبيعة فجوة المصداقية السياسية بين الحكومة والجماعات الراديكالية، فهناك من اقتنع بأن الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي عملية مستمرة وتستغرق فترة طويلة نحو النضج السياسي، وهناك من انساق وراء المطالب والمواقف غير المستقرة التي تطرحها بين وقت وآخر وتبدلها سريعاً الجماعات الراديكالية. وهنا يمكننا معرفة أيهما أكثر مصداقية؛ الحكومة أم الراديكاليين؟