منذ أن وطأت قدماي إمارة الشارقة، شعرت أني في بلدي البحرين، الناس في هذه البقعة من العالم ودودون واجتماعيون ومحبون لأهل البحرين بصورة لا ينافسهم فيها إلا العُمانيون.
الاختلاف بين أبوظبي والشارقة واضح كالشمس، في أبو ظبي تشعر أنك داخل ورشة عمل لكثرة مشاريعها وشركاتها، رغم كل ما تزدان به المدينة من جمال وتخطيط عمراني، أما في الشارقة فأنت في منزل للسكن والراحة وأخذ نفس عميق بعد طول عناء، إذاً وجه الاختلاف بين الإماراتين أن أبوظبي مكان للعمل والشارقة للراحة والترفيه، وهذا ما لمسته من أصدقاء كثر يعملون في الإمارات.
في صحيفة “الخليج” التي كانت تستعد للعودة من جديد للمعترك الصحافي في مبنى من دورين ببناية بشارع الوحدة عند مدخل الشارقة جهة دبي، كانت أولى خطواتي نحو مدرسة جديدة في الصحافة لم أعهدها خلال مسيرتي الصحافية في البحرين.
كان العدد الأول من جريدة الخليج صدر يوم 19 أكتوبر 1970 وأسسها الراحل تريم عمران وأخوه عبدالله عمران، وكانت موادها تُحرر في الشارقة فيما تُطبع الجريدة في مطابع المرزوق بالكويت لتوزع في اليوم التالي في الشارقة، وأحياناً بنفس اليوم حسب توفر رحلات الطيران عبر الخطوط الجوية الكويتية.
وبعد تزايد الأعباء المالية والديون المتراكمة للطباعة نظراً لمواقف الجريدة من الأحداث السياسية بالمنطقة، قرر الأخوان عمران العودة إلى الإمارات وطباعة الجريدة هناك إلى أن توقفت عن الصدور فبراير 1972، ثم عادت للصدور 5 أبريل 1980 وكان يرأس تحريرها آنذاك راشد عمران الشقيق الأصغر لتريم وعبدالله في 8 صفحات ثم زادت عام 1984 إلى 16 صفحة ومن ثم إلى 24 عام 1985 وبعد عام 1993 صارت تُصدر حتى 100 صفحة عدا الملاحق. كان عقدي مع الجريدة كمخرج فني وبمرتب لم يتجاوز 5 آلاف درهم مع مسكن مفروش ومؤثث بالكامل في عمارة ملاصقة لمكاتب الجريدة، وقبل أن أنتقل للسكن وأحضر عائلتي كنت أمضيت ما يقارب 3 أشهر في المشاركة لإصدار العدد صفر، كنا نداوم منذ العاشرة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً في تنفيذ “الماكيتات”، وقضيت 3 أشهر في أحد فنادق الشارقة قبل صدور العدد الأول، وكنت وقتها عريساً جديداً تركت زوجتي لأجهز لها بيت الزوجية في الإمارات.
الجميل في “الخليج” أنك تشعر أن كل العاملين فيها أصدقاء يعرفون بعضهم بعضاً منذ فترة طويلة، رغم اختلاف الدول واللهجات والأعمار، كنت فيها الخليجي الوحيد وهناك السوري والأردني والعراقي والفلسطيني والمصري والموريتاني والصومالي والسوداني، وبذلك تجد نفسك تتنقل بين كل هذه الدول في يوم واحد وتتذوق المطبخ في تلك البلدان، كان غالبية العاملين عزاب في فترة التأسيس وبعد أن ننتهي من السهرة في الجريدة نتوجه إلى إحدى الشقق لنتذوق المطبخ فيها ونناقش قضايانا وحكايا الغربة ونتبادل النكات لقتل الوقت، قبل أن نتوجه للنوم استعداداً ليوم عمل جديد.
كان يرأس القسم الفني الفنان محمد محفوظ وزوجته ترأس قسم الصف “الكمبيوتر”، وكنت وزميلي الأردني الراحل محمد الرمحي والفلسطيني حسن سلامة نشرف على إخراج الجريدة بالتناوب، كان هناك الكثير من الأسماء البارزة مدير التحرير عدلي برسوم من مصر، ونائبه الكاتب جمعة اللامي من العراق، وسكرتير التحرير حسين حمية من لبنان، ورئيس قسم المحليات غسان طهبوب من الأردن، ورئيس القسم الثقافي يوسف عيدابي من السودان، وهند عمرو من لبنان في الثقافة، وكمال طه من السودان في قسم الرياضة، ومحمد مهيب جبر من فلسطين في المحليات، ومن الأسماء التي مازالت عالقة بذاكرتي أحمد الجمال، ورسام الكاريكاتير سعيد فرماوي، والكاتب السوري الكبير محمد الماغوط، وفنان الكاريكاتير السوري علي فرزات وكثير من الزملاء مازلت أعتز بمعرفتهم.
عند صدور العدد الأول وزعت “الخليج” لمدة أسبوعين مجاناً من باب التعريف، وبعدها أصبحت واحدة من أهم المدارس الصحافية بالمنطقة والعالم العربي، وتوسعت من خلال مطابعها وملاحقها وإصداراتها من المجلات، ورغم أني لم أعمل فيها سوى 4 سنوات، إلا أنها كانت سنوات عامرة بالعلاقات والمحبة والكثير من الذكريات الجميلة، ولا يمكنني نسيان أني رُزقت بطفلي الأول طلال والثاني بسام خلال عملي في “الخليج” وتحديداً بمستشفى راشد في دبي.
ستبقى “الخليج” محبوبة تختزنها ذاكرتي.. عامرة بأيام لا يمكن لها أن تُمحى من دفتر ذكرياتي وألبوم صوري.
الرشفة الأخيرة
من طرائف تاريخ الصحافة الإماراتية، أن أوائل من مارسوا الصحافة فيها عام 1934 مصبح بن عبيد الظاهري، مؤسس صحيفة “النخي” في مقهى كان يملكه في العين، وكان يحرر الصحيفة بقلمه على ورق النخيل وأكياس الورق ومن ثم يقرأها لزبائنه ممن لا يجيدون القراءة. استمرت صحيفته بالصدور 6 سنوات كاملة، وكانت فكرة إصدار الصحيفة بدأت عندما كان يدون ملاحظاته عن فوائد “النخي” والتي كانت أهم الأطباق المقدمة في المقهى لزبائنه، وكان يعلقها عند مدخل القهوة وبعد أن حظيت الورقة باهتمام الرواد نسخها ووزعها لتبدأ بذلك أول صحيفة اقتصادية في الإمارات.
تطورت الصحيفة لاحقاً برصد أخبار المجتمع المحلي عن الولادات والأعراس والقوافل التجارية، ثم حدث تطور آخر حين بدأت الصحيفة تنقل الأخبار عن إذاعتي صوت العرب ولندن، وما يجري في العالم الخارجي لأبناء الإمارات ورواد مقهى “النخي”. أو الدانجو بلهجة أهل الإمارات.
الاختلاف بين أبوظبي والشارقة واضح كالشمس، في أبو ظبي تشعر أنك داخل ورشة عمل لكثرة مشاريعها وشركاتها، رغم كل ما تزدان به المدينة من جمال وتخطيط عمراني، أما في الشارقة فأنت في منزل للسكن والراحة وأخذ نفس عميق بعد طول عناء، إذاً وجه الاختلاف بين الإماراتين أن أبوظبي مكان للعمل والشارقة للراحة والترفيه، وهذا ما لمسته من أصدقاء كثر يعملون في الإمارات.
في صحيفة “الخليج” التي كانت تستعد للعودة من جديد للمعترك الصحافي في مبنى من دورين ببناية بشارع الوحدة عند مدخل الشارقة جهة دبي، كانت أولى خطواتي نحو مدرسة جديدة في الصحافة لم أعهدها خلال مسيرتي الصحافية في البحرين.
كان العدد الأول من جريدة الخليج صدر يوم 19 أكتوبر 1970 وأسسها الراحل تريم عمران وأخوه عبدالله عمران، وكانت موادها تُحرر في الشارقة فيما تُطبع الجريدة في مطابع المرزوق بالكويت لتوزع في اليوم التالي في الشارقة، وأحياناً بنفس اليوم حسب توفر رحلات الطيران عبر الخطوط الجوية الكويتية.
وبعد تزايد الأعباء المالية والديون المتراكمة للطباعة نظراً لمواقف الجريدة من الأحداث السياسية بالمنطقة، قرر الأخوان عمران العودة إلى الإمارات وطباعة الجريدة هناك إلى أن توقفت عن الصدور فبراير 1972، ثم عادت للصدور 5 أبريل 1980 وكان يرأس تحريرها آنذاك راشد عمران الشقيق الأصغر لتريم وعبدالله في 8 صفحات ثم زادت عام 1984 إلى 16 صفحة ومن ثم إلى 24 عام 1985 وبعد عام 1993 صارت تُصدر حتى 100 صفحة عدا الملاحق. كان عقدي مع الجريدة كمخرج فني وبمرتب لم يتجاوز 5 آلاف درهم مع مسكن مفروش ومؤثث بالكامل في عمارة ملاصقة لمكاتب الجريدة، وقبل أن أنتقل للسكن وأحضر عائلتي كنت أمضيت ما يقارب 3 أشهر في المشاركة لإصدار العدد صفر، كنا نداوم منذ العاشرة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً في تنفيذ “الماكيتات”، وقضيت 3 أشهر في أحد فنادق الشارقة قبل صدور العدد الأول، وكنت وقتها عريساً جديداً تركت زوجتي لأجهز لها بيت الزوجية في الإمارات.
الجميل في “الخليج” أنك تشعر أن كل العاملين فيها أصدقاء يعرفون بعضهم بعضاً منذ فترة طويلة، رغم اختلاف الدول واللهجات والأعمار، كنت فيها الخليجي الوحيد وهناك السوري والأردني والعراقي والفلسطيني والمصري والموريتاني والصومالي والسوداني، وبذلك تجد نفسك تتنقل بين كل هذه الدول في يوم واحد وتتذوق المطبخ في تلك البلدان، كان غالبية العاملين عزاب في فترة التأسيس وبعد أن ننتهي من السهرة في الجريدة نتوجه إلى إحدى الشقق لنتذوق المطبخ فيها ونناقش قضايانا وحكايا الغربة ونتبادل النكات لقتل الوقت، قبل أن نتوجه للنوم استعداداً ليوم عمل جديد.
كان يرأس القسم الفني الفنان محمد محفوظ وزوجته ترأس قسم الصف “الكمبيوتر”، وكنت وزميلي الأردني الراحل محمد الرمحي والفلسطيني حسن سلامة نشرف على إخراج الجريدة بالتناوب، كان هناك الكثير من الأسماء البارزة مدير التحرير عدلي برسوم من مصر، ونائبه الكاتب جمعة اللامي من العراق، وسكرتير التحرير حسين حمية من لبنان، ورئيس قسم المحليات غسان طهبوب من الأردن، ورئيس القسم الثقافي يوسف عيدابي من السودان، وهند عمرو من لبنان في الثقافة، وكمال طه من السودان في قسم الرياضة، ومحمد مهيب جبر من فلسطين في المحليات، ومن الأسماء التي مازالت عالقة بذاكرتي أحمد الجمال، ورسام الكاريكاتير سعيد فرماوي، والكاتب السوري الكبير محمد الماغوط، وفنان الكاريكاتير السوري علي فرزات وكثير من الزملاء مازلت أعتز بمعرفتهم.
عند صدور العدد الأول وزعت “الخليج” لمدة أسبوعين مجاناً من باب التعريف، وبعدها أصبحت واحدة من أهم المدارس الصحافية بالمنطقة والعالم العربي، وتوسعت من خلال مطابعها وملاحقها وإصداراتها من المجلات، ورغم أني لم أعمل فيها سوى 4 سنوات، إلا أنها كانت سنوات عامرة بالعلاقات والمحبة والكثير من الذكريات الجميلة، ولا يمكنني نسيان أني رُزقت بطفلي الأول طلال والثاني بسام خلال عملي في “الخليج” وتحديداً بمستشفى راشد في دبي.
ستبقى “الخليج” محبوبة تختزنها ذاكرتي.. عامرة بأيام لا يمكن لها أن تُمحى من دفتر ذكرياتي وألبوم صوري.
الرشفة الأخيرة
من طرائف تاريخ الصحافة الإماراتية، أن أوائل من مارسوا الصحافة فيها عام 1934 مصبح بن عبيد الظاهري، مؤسس صحيفة “النخي” في مقهى كان يملكه في العين، وكان يحرر الصحيفة بقلمه على ورق النخيل وأكياس الورق ومن ثم يقرأها لزبائنه ممن لا يجيدون القراءة. استمرت صحيفته بالصدور 6 سنوات كاملة، وكانت فكرة إصدار الصحيفة بدأت عندما كان يدون ملاحظاته عن فوائد “النخي” والتي كانت أهم الأطباق المقدمة في المقهى لزبائنه، وكان يعلقها عند مدخل القهوة وبعد أن حظيت الورقة باهتمام الرواد نسخها ووزعها لتبدأ بذلك أول صحيفة اقتصادية في الإمارات.
تطورت الصحيفة لاحقاً برصد أخبار المجتمع المحلي عن الولادات والأعراس والقوافل التجارية، ثم حدث تطور آخر حين بدأت الصحيفة تنقل الأخبار عن إذاعتي صوت العرب ولندن، وما يجري في العالم الخارجي لأبناء الإمارات ورواد مقهى “النخي”. أو الدانجو بلهجة أهل الإمارات.