تتطابق بعض المجتمعات الغابرة بالمجتمعات الحديثة، وتتكرر أحداثها، ولكن تختلف في الزمان والمكان والعناصر البشرية التي عاشت في الأزمنة الماضية. فمثلاً الحياة في المدينة المنورة لا تختلف عن الحياة في البحرين، ولصفحات التاريخ صفعات عاشها البعض ويعيشها الآخرون، وستعيشها أمم أخرى بعدنا.
كلنا نمقت النفاق، ونكره من يتلون بيننا كالحرباء، ونأسف على من يطعننا في الخفاء، ونحن نحسبهم أنهم من الأصدقاء. أهل النفاق كانوا في المدينة المنورة، وقد كانوا ينافقون الرسول صلى الله عليه وسلم ليلاً ونهاراً ويظهرون للرسول الولاء والطاعة، وهم أشد حقداً عليه وعلى أصحابه. هذه الفئة المريضة كانت أشد خطورة على المجتمع الإسلامي آنذاك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وخصوصاً في بداية عهد الإسلام ومشواره الإصلاحي وتنظيم حياة المسلمين، حيث كانت حياة هذا المجتمع بين عهدين، عهد ما قبل الإسلام حيث الاضطهاد والحياة الديكتاتورية، وحياة ما بعد الإسلام حيث العزة والحياة الديمقراطية. وقد كان المنافقون بؤرة فساد يبحثون دوماً عن المشاكل، ويفسرون الأحداث على حسب أهوائهم، ذلك من أجل تنفيذ أجندتهم في إسقاط الدولة الإسلامية وعلى رأسها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مليئة بالدروس والعظات والعبر. مجتمع المدينة المنورة كان مزيجاً من مكونات ومعتقدات متعددة، فقد عاش اليهود والنصارى والمسلمون في مجتمع واحد تسوده الأنظمة من أجل حياة مستقرة، فقد كان صلى الله عليه وسلم رؤوفاً رحيماً بهم جميعاً، رغم اختلاف معتقداتهم واتجاهاتهم، ومع ذلك لا أحد فوق القانون كائناً من كان. وعندما أشار بعض الصحابة على الرسول بقتل هذه الفئة من المنافقين التي تشكل خطورة على المجتمع الإسلامي وهو في بداية نشأته، قال لهم الرسول العظيم: «معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي».
الزنادقة اليوم يجوبون في البلاد وخارجها، ويعيثون في الأرض فساداً من نفاقهم، يظهرون حبهم للوطن وهم يحيكون المكر ليل نهار للإطاحة بالبحرين وضمها لإيران. ولاة الأمور المطالبون بالكثير للحد من لغة الغاب التي يمارسها هؤلاء الزنادقة، المطالب كثيرة ولكن لا أحد يستطيع أن يتعدى حدود القانون، ونزاهة القضاة وأحكامهم، وحكمة ولي الأمر تجعلنا نرجع للوراء إلى عهد الرسول وكيف كان صلى الله عليه وسلم يعامل هؤلاء الزنادقة.
الفرق بين رسول الله وولي أمرنا، هو أن الرسول كان يعلم من هم المنافقون الذين يعيشون بينهم بعلم من الله، ومع ذلك كان عليه السلام يجاريهم ويعاملهم معاملة طيبة، بالرغم من أنهم كانوا يتنابزون عليه بالألقاب التي لا تليق بمقامه الكريم.
ولي الأمر في أي بلد كان وفي أي زمان عاش، هو من يرأف على شعبه، ويراهم بعين سواء ولا يفرق بينهم. وها هو ولي أمرنا يرأف بشعبه كما الرسول يفعل، ويساوي بينهم في كل شيء، كما كان الرسول يفعل، ويدعو لهم بالصلاح، كما كان يتمنى الرسول للجميع.
مهمة ولي الأمر صعبة، ولا يستطيع أي أحد أن يتهاون بها، فمن يملك الصبر والعدل والمساواة، يستطيع أن يحكم الناس، لأن أساس الحكم هو أن يرى الحاكم شعبه، كما يرى الأب أولاده، فقد يصبح أحد الأبناء صالحاً والآخر طالحاً، ولكن يبقون في نظر الأب أبناءه، الذين يحنو عليهم ويخاف عليهم ويدعو لهم بالصلاح.
المجتمع البحريني مزيج من المسلمين واليهود والنصارى، كما المدينة المنورة في عهد الرسول، فهذا عبء كبير على أي ولي أمر، أن يحكم بين الناس بالعدل والمساواة، وشعبه يتكون من طوائف متعددة.
إن ما أردت توضيحه في مقالتي هذه هو.. كان الله في عون ولي أمرنا، فلولا حكمته منذ توليه الحكم لكانت البحرين – لا قدر الله – في قبضة الزنادقة خونة الوطن.